محتويات
المال في الإسلام
خلق الله -تعالى- الأرض، ثمّ استخلف الإنسان فيها لعمارتها، فكان هذا الاستخلاف يستوجب توفير المقومات والأسباب التي تُمكّن الإنسان من عمارة الأرض بأفضل صورةٍ؛ فسخّر الله -تعالى- للإنسان كلّ ما على الأرض لخدمته ومساعدته، وأمره بالسعي لطلب الرزق بعد تهيئة أسباب العيش لكسب الرزق وجمع المال، ثمّ وضع القيود والضوابط التي تضمن جمعه للمال بحيث لا يؤدّي إلى تكديس المال وجموده، أمّا المال في الإسلام فهو بمثابة العمود الفقريّ للأمّة؛ ففيه تسود الأمة وتقوم عليه، فهو يساعد على تسيير عجلة الحياة ودفعها نحو القمم، وقد جعل الإسلام المال من ضمن الضروريات التي يجب المحافظة عليها، والتي يجب توجيهها لأجل الجماعة، ولا يخرج استعمالها عن القواعد الكلية التي تضمن حماية المال إنتاجاً، وتنميةً، وتوزيعاً، فكان من هذه القواعد؛ أنّ المال لله، وأنّه هو الخالق الرازق، وأنّه وحده الذي له حقّ التنظيم والحكم فيه، وأنّ الناس مستخلفون فيه، وأنّ استخدامه منوطٌ بمصلحة الجماعة أولاً، والأفراد ثانيةً، وتوسيع مجالات الكسب؛ كالعمل، والهبة، والهدية، والصدقة، والإرث، والزكاة، والعقود، واتباع طرق الكسب المشروع؛ وذلك باتباع الأوامر واجتناب النواهي.[١]
معنى السحت
السُحت لفظٌ كغيره من الألفاظ في اللغة العربية، له معنيان؛ واحد في اللغة، وآخر في الاصطلاح، وفيما يأتي بيان كلا المعنيين:
- السُحت في اللغة: كلّ حرامٍ قبيح الذكر؛ وقيل السُّحت: كلّ ما خَبُثَ من المكاسب وحَرُم، فلَزِم عنه العار، وقبيح الذكر، مثل: ثمن الكلب والخمر والخنزير، وجمعه: أسحاتٌ، يُقال: قد أسحت الرجل؛ إذا وقع الرجل في السحت، والسُحت؛ الحرام الذي لا يحلّ كسبه؛ وذلك لأنّه يسحت البركة؛ أي يُذهبها، يُقال: أسحتت تجارته؛ أي خبُثت وحرُمت، وسحت في تجارته وأسحت؛ أي اكتسب السُحت، وسحت الشيء يسحته سحتاً؛ أي قشره قليلاً قليلاً.[٢]
- السُحت في الاصطلاح: كلّ مالٍ حرام لا يحلّ كسبه ولا يحلّ أكله، وسمي السحت بذلك لأنّه يسحت الطاعات؛ أي يذهبها، وقد يخصّ به الرشوة وما يأخذه الشاهد والقاضي.[٣]
أنواع السحت وحكمها
ينقسم السُّحت إلى أنواعٍ عديدةٍ، وفيما يأتي بيانها، وبيان حكم الشرع فيها:[٤]
الرشوة
تُعرّف الرشوة عند الفقهاء بأنّها: ما يُعطى من المال لإبطال حقٍ أو لإحقاق باطلٍ، وقد وقع إجماع الفقهاء على حُرمته، وأنّه يؤدي بصاحبه إلى درجة الكفر إذا فعلها مستحلّاً لها، والدليل على ذلك قول الله -تعالى- في القرآن الكريم: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ)،[٥] وقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (لا يَدْخُلُ الجنةَ لحمٌ نبت من السُّحْتِ، وكلُّ لحمِ نبت من السُّحتِ؛ كانتِ النارُ أوْلَى به)،[٦] ويدخل في باب الرشوة ما يُهدى للحاكم، أو للقاضي، أو لصاحب الجاه.
كسب الحجام
ويُراد به ما يأخذه الإنسان من أجرةٍ على فعل الحجامة، وقد ذهب بعض الفقهاء إلى القول بحرمته مستندين بذلك إلى قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (كسبُ الحجَّامِ خبيثٌ، ومهرُ البَغيِّ خبيثٌ، وثمنُ الكلبِ خبيثٌ)،[٧] وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ أجرة الحجّام مباحة، وذلك لما ورد النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه احتجم وأعطى الحجّام أجره، ولو كان أجر الحجّام حراماً لما أعطاه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- للحجّام.
مهر البغي
ويُراد به ما تأخذه الزانية مقابل الزنا، وقد أُطلق عليه مهراً من باب المجاز، حيث اتفق الفقهاء على حرمته؛ وذلك لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ مهرَ البَغِيِّ وثمنَ الكلبِ والسِّنَّورِ وكسبَ الحجَّامِ من السُّحتِ).[٨]
حلوان الكاهن
ويُراد به ما يأخذه الكاهن مقابل إخباره عمّا سيكون، ومطالعة الغيب حسب زعمه، وقد أجمع الفقهاء على حرمته.
ثمن الكلب والخنزير والخمر وما شابهها
اتفق الفقهاء على حرمة ثمن الكلب، والخنزير، والخمر، والأصنام، وذلك لما رواه الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنه : (أنّه سمِع رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يقولُ عامَ الفتحِ، وهو بمكةَ: (إنَّ اللهَ ورسولَه حرَّم بيعَ الخمرِ والمَيتةِ والخِنزيرِ، والأصنامِ).[٩]
ما أُخذ بالحياء
فمن أنواع السحت ما أخذ بالحياء وليس عن طيب نفسٍ من الشخص؛ ومثال ذلك: من يطلب من غيره مالاً بحضرة الناس فيدفع إليه الشخص المال بباعث الحياء والقهر.
أضرار الكسب الحرام
الكسب الحرام يورث في صاحبة أضراراً عديدةً؛ منها:[١٠]
- الكسب الحرام يُورث في صاحبه ظلمة القلب، وكسل الجوارح عن أداء الطاعة، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّهُ لا يربو لحمٌ نبتَ من سحتٍ إلَّا كانتِ النَّارُ أولى بِهِ).[١١]
- غضب الجبار ودخول النار؛ فالكسب الحرام يستوجب لصاحبه غضب الله تعالى، ودخول النار، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (من اقتطع حقَّ امرئٍ مسلمٍ بيمينِه، فقد أوجب اللهُ له النارَ، وحرم عليه الجنةَ، فقال له رجلٌ: وإن كان شيئاً يسيراً، يا رسولَ اللهِ؟ قال: وإن قضيباً من أراكٍ).[١٢]
- عدم قبول الدعاء؛ فالكسب الحرام سببٌ من أسباب عدم قبول الدعاء واستجابته.
- عدم قبول العمل الصالح؛ فالكسب الحرام سبب من أسباب عدم قبول العمل.
أسباب الكسب الحرام
للكسب الحرام عدّة أسبابٍ؛ منها:[١٠]
- عدم الخوف من الله تعالى، وعدم مراقبته والخوف منه، وعدم الحياء منه.
- حرص الإنسان على المكسب السريع والاستعجال في الحصول على المال من أي جهة كان حتى لو كان من الحرام.
- طمع الإنسان وعدم قناعته بأنّ الأرزاق مقسّمةٌ من عند الله تعالى.
- جهل الإنسان بخطورة الكسب الحرام، وحكمه، وأثره السيء، والتهاون في معرفة ما يحصل عليه من أموالٍ.
المراجع
- ↑ محمود حمودة، مصطفى حسين (1999)، أضواء على المعاملات الماية في الإسلام (الطبعة الثانية)، الاردن: مؤسسة الوراق، صفحة 15-19. بتصرّف.
- ↑ "تعريف ومعنى السحت"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 23-7-2018. بتصرّف.
- ↑ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - الكويت (1427هـ)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: دار الصفوة، صفحة 255، جزء 24. بتصرّف.
- ↑ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - الكويت (1427هـ)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: دار الصفوة، صفحة 256-258، جزء 24. بتصرّف.
- ↑ سورة المائدة، آية: 42.
- ↑ رواه الألباني، في تخريج مشكاة المصابيح، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 2703، إسناده صحيح.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن رافع بن خديج، الصفحة أو الرقم: 5153، أخرجه في صحيحه.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 4941، أخرجه في صحيحه.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 2236، صحيح.
- ^ أ ب "الكسب الحرام أسبابه وأضراره"، www.ar.islamway.net، 10-7-2009، اطّلع عليه بتاريخ 5-8-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن كعب بن عجرة، الصفحة أو الرقم: 614، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم: 137، صحيح.