حسن الظن بالله
يخلُط البعض أحياناً في فهمهم لمعنى حسن الظن بالله تعالى، فيرتكبون المعاصي، ويقترفون الكبائر، مع الإصرار على ذلك زاعمين أنّ الله سيغفر لهم، فهذا جهلٌ بالمعنى، وعلى العكس، فمن غرِق في معاصيه، وظنّ بعدم المغفرة له فهو آيسٌ قانطٌ من رحمة الله، وهذا لا يصحُّ ولا يجوز، فما المعنى الحقيقيُّ لحسن الظنِّ بالله عزّ وجلّ؟
معنى حسن الظن بالله
حسن الظنّ بالله تعالى من حُسن عبادة العبد، فهو توقُّع كلِّ جميل وحَسَن من الله تعالى، وهو من أعمال القلوب، وما أُعطي العبد المؤمن خيراً أفضل من حسن الظنِّ بخالقه، إذ جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقول الله عزّ وجلّ: أنا عندَ ظنِّ عبدي بي وأنا معه حيثُ يذكُرُني إنْ ذكَرني في نفسِه ذكَرْتُه في نفسي وإنْ ذكَرني في مَلَأٍ ذكَرْتُه في مَلَأٍ خيرٍ منهم وإنْ تقرَّب منِّي ذراعًا تقرَّبْتُ منه باعًا وإنْ أتاني يمشي أتَيْتُه هَرولةً) [صحيح ابن حبان]، فكلُّ ما يظنُّه العبد بربّه سيعطيه إياه، إن كان شرّاً فشرّ، وإن كان خيراً فخير، وذلك لأنّ الخير والفضل كله بيد الله، فمن حسن الظن بالله مثلاً الإنفاق على الأهل، والولد، وفي سبيل الله تعالى، وعدم خشية الفقر والفاقة، بل يُحسن العبد الظنّ بأن الله يُخلِف ما أنفق ويُربِيه له.
مواطن حسن الظن بالله
يجب على العبد المؤمن أن يُحسن ظنّه بخالقه في كلِّ أحواله، في اليسر والعسر، وفي الرخاء والشدة، وفي الغنى والفقر، وفي الصحة والمرض، وأكثر ما يتجلى ويظهر حسن الظن بالله تعالى في هذه المواطن:
- عند الشدة والكرب: الكثيرُ من الناس في رخائهم يشكرون الله تعالى ويثنون عليه، ولكن إذا اشتدّ الخَطب، وضاقت عليهم الأرض بما رَحُبت سخطوا وأساؤوا الظنّ بخالقهم، وربما أطلقوا لألسنتهم العنان في السبّ والشتيمة والعياذ بالله تعالى.
- عند الدعاء: أحياناً يستجيب الله تعالى لدعاء عبده في الحال، أو بعد فترةٍ وجيزةٍ، فيفرح العبد فرحاً شديداً، ولكن إذا تأخرت استجابة الله لدعائه لحكمة منه عز وجلّ يقول: دعوت ولم يُستجب لي، وما إلى غير ذلك من الألفاظ الدالة على سوء الظن.
- عند الموت: أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يموت العبد إلا وهو يُحسن الظنّ بمولاه جلّ وعلا، فالله تعالى أرحم بعبده من الأمّ بولدها.
- عند ضيق العيش: من ضاقت به سبل الحياة وكسبها، فلا يلجأ للخلق ويطلب منهم العون، ففي هذا ذلٌّ وافتقارٌ لهم، بل عليه أن يلجأ لله تعالى، وأن يُحسن الظنّ به؛ فهو خير الرازقين، وخزائنه لا تنفد.
- عند التوبة: الله تعالى أمر عبده كلما أذنب بالاستغفار والتوبة، والرجوع إليه، ووعده بالعفو والمغفرة، فمهما عَظُمت الذنوب والخطايا وتكرّرت فباب الله لا يُغلق في وجه من عاد إليه، وعليه ألا يُنصت لوساوس الشيطان، وتقنيطه من رحمة الله، ومغفرته، لينزلق أكثر في وحول المعاصي.
- عند عِظَم الدَّين: الله يقضي الدين عن المَدين بحسن ظنّه به، وتوكله عليه بطرقٍ ليست بحسبانه.