أين سكن قوم لوط

كتابة - آخر تحديث: ١٣:٢٩ ، ١٩ ديسمبر ٢٠١٨
أين سكن قوم لوط

نبيّ الله لوط عليه السلام

ورد في التاريخ اسم ونسب نبي الله لوطاً عليه السلام، فقيل إنّه لوط بن هارون بن تارح وتارح هو آزر، ويُذكر أنّ لوطاً -عليه السلام- هو ابن أخ إبراهيم عليه السلام، ولقد وردت قصة النبيّ لوط -عليه السلام- وقومه في القرآن الكريم أكثر من خمس وعشرين مرّةً،[١] قال الله تعالى: (وَإِنَّ لُوطًا لَّمِنَ الْمُرْسَلِينَ)،[٢] وقال سبحانه: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ*أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)،[٣] ويجدر ذكرُ أنّ اسم لوط اسم أعجميٌّ ليس له جذرٌ عربيّ، وليس مُشتقّاً من اللواط؛ لأنّ اللواط كلمةٌ عربيّةٌ جذرها لاط يلوط؛ أي فعل الفاحشة القبيحة، ولا يمكن أن يكون اسم نبيٍّ مشتقٌّ من كلمة فحش كاللواط، وأنبياء الله -تعالى- منزّهون مرفّعون عن ذلك، ولقد قيل عن قوم لوط الذي اشتهروا بهذه العادة القبيحة أنّها بدأت فيهم عندما أصابهم قحطٌ وجوعٌ شديدٌ بعد ما كان لهم ثمارٌ وبساتين، فقال بعضهم أنّهم يجب عليهم إن عادت زروعهم وثمارهم أن يمنعوا عنها أيّ عابر سبيلٍ، ورأوا أنّ الطريقة لمنع أهل السبيل هي أن يسلبوهم كلّ ما لديهم، وينكحوهم إذا نزلوا فيهم، فبدأت فيهم هذه العادة القبيحة ثم استمرأوها بعد ذلك وجرت بينهم.[٤]


سكن قوم لوط

عاش لوطٌ -عليه السلام- في زمن رسالة إبراهيم الخليل عليه السلام، حيث آمن به واهتدى بهديه، قال الله تعالى: (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)،[٥] ولقد هاجر لوطٌ -عليه السلام- مع عمّه نبيّ الله إبراهيم، واتّبعه في جميع أسفاره حتى أرسله الله -تعالى- نبيّاً إلى قومه، وهم أهل سدوم في الأردن، وقد سكنوا قرب البحر الميت، وسدوم هي أكبر قرى مدائن لوط، ويوجد غيرها قُرىً أخرى، منها صَبعة وصَعوة وعُمرة ودُوما، وقد كان أهل سدوم من أكفر الناس وأجحدهم لفضل الله ونعمه، وأقبحهم سيرةً وأسوأهم أخلاقاً، وكان من أسوأ طباعهم أنّهم لا ينكرون منكراً ولا يتناهون عنه، ولا يستحيون من فعل الخبائث أمام بعضهم، وكانوا يقطعون الطرق على المسافرين، وظهر اللواط بينهم فقد كانوا يأتون الرجال دون النساء ويجاهرون بفعلهم، فأرسل الله -تعالى- نبيّه لوطاً عليه السلام، يدعوهم إلى توحيد الله تعالى، والانتهاء عن كلّ تلك الفواحش والمنكرات.[٤]

لم يتوانَ نبيّ الله لوطٌ في دعوة قومه إلى التوحيد ونهيه لهم عن إتيان الحرام والفواحش، لكنّهم قابلوا تلك الدعوات بالكفر والتكذيب والإنكار، وبغض الطهارة والفضيلة، ولم يؤمن بنبي الله لوطاً من قومه أحد، حتى إنّهم همّوا بإخراج نبيهم من قريتهم، فقد قال الله -تعالى- على لسان قوم لوط: (أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ)،[٦] فكانت حُجتهم في إخراج نبيّهم أنّه يلتمس الطهر والفضيلة، وهو شيءٌ مبغوضٌ منكرٌ عندهم، وكان من كُفر واستكبار القوم على نبيّهم أيضاً أن طالبوه بإنزال العذاب فيهم إن كان حقّاً من المرسلين، حيث قال الله تعالى: (ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)،[٧] فحينئذٍ توجّه لوطٌ -عليه السلام- إلى ربّه بالدعاء أن يعينه على قومه، وأن يهلكهم وينصره عليهم.[٤][٨]


نزول الملائكة ضيوفاً عند لوط عليه السلام

عندما توجّه لوط -عليه السلام- لربّه بالدعاء لنصرته، أجاب الله -تعالى- دعوته، فأرسل إليهم ملائكته؛ جبريل، وميكائيل، وإسرافيل ليُنزلوا فيهم العذاب، فقد نزلو أولاً عند إبراهيم -عليه السلام- ليبشّروه بابنه إسحاق، ويُخبروه بخبر قوم لوط، ففزع إبراهيم -عليه السلام- وخاف على ابن أخيه لوطاً، فأخبرته الملائكة أنّ الله -تعالى- سيُنجي نبيه لوطاً، فقد قال الله تعالى: (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ*قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ)،[٩] ومع كل هذا فقد كان نبيّ الله إبراهيم -عليه السلام- راغباً بأن يؤمن قوم لوط ولا يُعذّبوا، فأخذ يُجادل الملائكة في ذلك، فأخبرته الملائكة أنّ أمر الله واقعٌ على كلّ حال، قال تعالى: (فَلَمّا ذَهَبَ عَن إِبراهيمَ الرَّوعُ وَجاءَتهُ البُشرى يُجادِلُنا في قَومِ لوطٍ*إِنَّ إِبراهيمَ لَحَليمٌ أَوّاهٌ مُنيبٌ*يا إِبراهيمُ أَعرِض عَن هـذا إِنَّهُ قَد جاءَ أَمرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُم آتيهِم عَذابٌ غَيرُ مَردودٍ).[١٠][٤]

خرجت الملائكة من قرية إبراهيم -عليه السلام- متوجّهين إلى مدائن لوط، وقد جعلهم الله -تعالى- على هيئة شُبّان جميلين وجوههم مشرقة ليكونوا فتنةً وحجةً على قوم لوط، ولمّا دخلوا على لوط -عليه السلام- لم يُخبروه بحقيقيتهم في بادئ الأمر، فرحّب بهم لوط -عليه السلام- وقدّم لهم الضيافة، واشتدّت عليه الغمّة؛ لأنّهم شباب جميلين فخشي عليهم من قومه أن يفضحوه في ضيوفه، وهذا ما حصل حقاً، فقد رأتهم زوجة لوط وكانت كافرةً مائلةً عن الحق، فلمّا رأت جمالهم وحسنهم الظاهر، انطلقت لتخبر قومها بخبرهم، وأنّهم موجودون عند زوجها يُضيفهم، فأقبل القوم إلى بيت لوط -عليه السلام- يراودونه عن ضيوفه، يريدون الوصول إليهم، ونبيّ الله يحاول إقناعهم وتذكيرهم بقبح فعلهم ومنكرهم، فلم يستمعوا لأمره، حيث قال الله تعالى: (قالَ يا قَومِ هـؤُلاءِ بَناتي هُنَّ أَطهَرُ لَكُم فَاتَّقُوا اللَّـهَ وَلا تُخزونِ في ضَيفي أَلَيسَ مِنكُم رَجُلٌ رَشيدٌ*قالوا لَقَد عَلِمتَ ما لَنا في بَناتِكَ مِن حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعلَمُ ما نُريدُ).[١١][٤]

قيل إنّ لوطاً جعل ضيوفه في غرفةٍ، وأغلق عليهم الباب ليُحاور قومه، وهم يبادرونه بفتح الباب ليلقوا النظر على الضيوف الموجودين، فلمّا رأت الملائكة شدّة الكرب الذي وقع على لوط -عليه السلام- أخبروه أنّهم ملائكةٌ مرسلون من ربّهم، وإنّ هؤلاء القوم لن يستطيعوا الوصول إليهم، وذلك تخفيفاً له لشدّة ما اعتلاه من همٍّ وغمٍّ في صدّ قومه عنهم، ثمّ أخبرت الملائكة لوطاً -عليه السلام- أنّ العذاب بات وشيك الوقوع في القوم الكافرين.[٤]


نزول العذاب في قوم لوط

أمر الله -تعالى- نبيّه أن يخرج بأهله من القرية الكافرة ليلاً قبل شروق الشمس، وأمرهم إن سمعوا أصوات المعذّبين من خلفهم ألّا يلتفتوا ورائهم، ليروا عذابهم، فخرج لوطٌ بأهله وكانت زوجته الكافرة معه، فأخبره الله -تعالى- أنّه سيصيبها العذاب مثل قومها، ثمّ أرسل الله -تعالى- جبريل -عليه السلام- فأدخل ريشةً واحدةً من جناحه تحت قراهم وهي أربعة أو خمسة، فاقتلعها من أصلها، وكان يسكنها حوالي أربعمئة ألف شخصٍ، ورفعهم جميعاً إلى عنان السماء، حتى سمع أهل السماء الأولى أصوات ديوكهم ونباح كلابهم، ثم ردّها رأساً على عقبٍ في الأرض، ثمّ أُرسلت عليهم صيحةٌ وحجارةٌ من السماء، كلّ حجرٍ مكتوب عليه اسم من سيقع عليه ليقتله، حتى نزل فيهم وعد الله -تعالى- وقد أصاب ذلك العذاب زوجة لوط فلم تُستثن من الإهلاك لأنّها كانت راضيةً عن فعال قومها، وخانت زوجها حين أخبرتهم بوجود الضيوف عنده فاستحقت الإهلاك. [٤]


المراجع

  1. "نسب لوط عليه السلام"، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-8. بتصرّف.
  2. سورة الصافات، آية: 133.
  3. سورة النمل، آية: 54-55.
  4. ^ أ ب ت ث ج ح خ "نبي الله لوط عليه الصلاة والسلام"، www.darulfatwa.org.au، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-8. بتصرّف.
  5. سورة العنكبوت، آية: 26.
  6. سورة النمل، آية: 56.
  7. سورة العنكبوت، آية: 29.
  8. "قصة لوط عليه السلام في القرآن"، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-8. بتصرّف.
  9. سورة العنكبوت، آية: 33-32.
  10. سورة هود، آية: 74-76.
  11. سورة هود، آية: 78-79.
1,670 مشاهدة