محتويات
بدر الكبرى
بدر هي منطقة تقع بين مكة والمدينة، وقد وقعت فيها غزوة كبرى بين المسلمين من جهة، وعلى رأسهم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، والمشركين من جهة أخرى، ويقودهم رأس الكفر والشرك أبو جهل عمرو بن هشام، وأطلق على هذه الغزوة اسم غزوة بدر الكبرى وعُرفت أيضاً باسم آخر هو يوم الفرقان، فقد كانت معركة من المعارك الفاصلة في الإسلام، وتحدث عنها القرآن الكريم في سورة الأنفال، فدعونا نستذكر معًا أحداث هذه الغزوة العظيمة.
ذكرى غزوة بدر الكبرى
وقعت هذه الغزوة العظيمة في اليوم السابع عشر من شهر رمضان، في السنة الثانية للهجرة، وكان يوم جمعة، وكانت معركة فاصلة نصر الله عز وجل فيها المسلمين، وهزم المشركين شر هزيمة، والحديث عن هذه الغزوة يستدعي أولاً أن نتحدث عن سبب الغزوة، ثم مقومات جيش المسلمين، ثم كيف وصل خبر تحرك جيش المسلمين إلى مكة، وبالعكس كيف وصل خبر تحرك جيش مكة إلى المسلمين، ثم الحديث عن الجيش الذي وصل أولاً إلى أرض المعركة، ثم ذكر أهم أحداث هذه الغزوة، ثم ما حصل بعدها، وذلك كالتالي:
سبب الغزوة
- بعد أن هاجر الرسول عليه الصلاة والسلام إلى المدينة المنورة، وبدأ حياته الجديدة هناك، وبناء عاصمة الإسلام، لم يترك المشركون المسلمين دون أذية أو تعرض، بل كانوا كلما لاحت لهم الفرصة، تعرضوا للمسلمين، وآذوهم، فأذن الله عز وجل للمسلمين بالقتال، وأصبحت الحالة بين المسلمين والمشركين حالة حرب.
- علم الرسول عليه الصلاة والسلام بأن هناك قافلة لقريش عائدة من الشام ومتجهة إلى مكة، وهي محمّلة بثروات أهل مكة، لما فيها من الجمال، والذهب، ولم يكن في حمايتها إلا أربعون رجلاً من رجال قريش، لذلك كانت السيطرة على هذه القافلة هي فرصة للمسلمين، وبالمقابل ضربة قاصمة لقريش.
- أبلغ الرسول عليه الصلاة والسلام المسلمين بالأمر، وخيّرهم في من يرغب بالذهاب للسيطرة على القافلة، أو البقاء في المدينة، فخرج معه من خرج، وبقي من بقي، ولم يكن الرسول عليه الصلاة والسلام حينها على علم بأنه سيصطدم بجيش مكة، ولم يعلم المسلمون الذين تخلفوا عن الخروج بذلك.
جيش المسلمين
- خرج مع الرسول عليه الصلاة والسلام ثلاثمائة رجل وعشرة أو يزيدون، وكانوا من المهاجرين والأنصار، وكان معه فرس، أو فرسان، وسبعون بعيراً، وكان كل ثلاثة رجال يتعاقبون على بعير واحد، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يتعاقب على البعير مع صحابيين.
- كانت القيادة العامة للرسول عليه الصلاة والسلام، وحمل لواء القيادة العامة، وهو اللواء الأبيض، الصحابي مصعب بن عمير رضي الله عنه، وقُسّم الجيش إلى كتيبتين، الأولى هي كتيبة المهاجرين، ويحمل رايتها وهي باللون الأسود ابن عم الرسول الصحابي علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والثانية هي كتيبة الأنصار، ويحمل رايتها وهي باللون الأسود الصحابي سعد بن معاذ رضي الله عنه، وكان على قيادة الميمنة الصحابي الزبير بن العوام رضي الله عنه، وعلى قيادة الميسرة الصحابي المقداد بن عمر رضي الله عنه، وهما الفارسان الوحيدان في الجيش.
- سار رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الجيش، وأرسل العيون إلى منطقة بدر لتحسس الأمر هناك.
وصول الخبر إلى مكة
- كان المسؤول عن قافلة مكة هو أبو سفيان، وقد علم باستنفار الرسول عليه الصلاة والسلام إليه، فأرسل إلى أهل مكة يستصرخهم.
- عندها تجهزت مكة جميعها لهذا الأمر، واستعدوا جميعاً للخروج، ومن بقي في مكة أرسل شخصاً مكانه، وخرج جميع سادات مكة، وكان قائد الجيش أبو جهل، حيث خرجوا بجيش عدده ألف وثلاثمائة مقاتل، ومائة فرس، وستمائة درع، وعدد لا يعد ولا يحصى من الجمال، وخرجوا من ديارهم على حمية، وغضب.
- تحرك جيش مكة مسرعاً باتجاه منطقة بدر، وبهذه الأثناء جاءتهم رسالة من أبي سفيان بأنه نجى بالقافلة، وهمّ جيش مكة بالرجوع، إلا أن أبو جهل رفض ذلك، فعصاه بنو زهرة ورجعوا وكانوا حوالي ثلاثمائة رجل، ثم واصل جيش مكة السير، وكانوا ما يقارب الألف رجل، ونزلوا في مكان قريب من منطقة بدر.
وصول خبر جيش مكة للمسلمين
- علم الرسول عليه الصلاة والسلام من خلال العيون التي أرسلها لتحري أخبار قريش، بأن أبي سفيان نجى بقافلته، وأن جيش مكة متجه للقائه، عندها اجتمع عليه الصلاة والسلام مع قادة الجيش، من المهاجرين والأنصار لاستشارتهم.
- أجمعوا على خوض المعركة، حتى لا تعلو مكانة قريش، ولا تضعف كلمة المسلمين، وتصبح جسداً بلا روح، بالإضافة إلى أنهم لو رجعوا إلى المدينة للحقهم جيش مكة إلى المدينة، وهاجموهم في دارهم، فاستبشر الرسول عليه الصلاة والسلام خيراً بموافقة المسلمين، وقال: "سيروا وأبشروا، فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم".
وصول جيش المسلمين إلى أرض المعركة
- واصل الجيش الإسلامي سيره، ونزلوا بمكان قريب من بدر، وعند المساء أرسل الرسول عليه الصلاة والسلام قادة المهاجرين لمحاولة الوصول إلى معلومات عن جيش قريش، فوجدوا غلامين على ماء بدر فقبضا عليهما، وتحدث معهما الرسول عليه الصلاة والسلام، وسألهما عن عدد الجيش، فقالا كثير، فقال لهم كم يذبحون في اليوم، قالا تسعة، أو عشرة جمال، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: "هم من التسعمائة إلى الألف"، وسألهم من معهم من أشراف قريش، فعد الغلامان جميع أشراف قريش، عندها توجه الرسول عليه الصلاة والسلام إلى المسلمين وقال: "هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها".
- ثم تحرك الرسول بجيشه ليسبق المشركين إلى ماء بدر، واقتربوا من أقرب ماء من قريش، وقاموا ببناء حوض لهم، وملأوه بالماء ثم عطلوا ذلك الماء حتى لا يشرب منه جيش مكة، ثم قاموا ببناء مقر للقيادة يكون فيه الرسول عليه الصلاة والسلام.
- في الليل سار عليه الصلاة والسلام في موضع المعركة، وأخذ يشير بيديه ويقول: "هذا مصرع فلان غداً إن شاء الله، وهذا مصرع فلان غداً إن شاء الله"، ثم أخذ يصلي إلى جذع شجرة، وغمرت المسلمين الثقةُ بالنفس، والراحة، والهدوء، وتباشير الخير.
أحداث الغزوة
- ظهر جيش المشركين، فقال عليه الصلاة والسلام: "اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها، وفخرها، تحادك وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني، اللهم أحنهم الغداة"، ثم بدأ بتعديل صفوف الجيش، وطلب منهم أن لا يبدأوا القتال إلا بتلقي الأوامر منه، وأنهم إن اقتربوا يقوموا برمي النبال عليهم.
- وأول مشرك مات في هذه المعركة هو الأسود بن عبد الأسد المخزومي، حيث حاول الاقتراب من حوض الماء للشرب، إلا أن أسد الله حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه قام بقتله.
- قام كل من عتبة بن ربيعة، وأخوه شيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، بالخروج من صفوف المشركين، وطلبوا المبارزة، حيث خرج إليهم كل من عبيدة بن الحارث وحمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب، رضي الله عنهم، فبارز حمزةٌ شيبةً فقتله، ثم بارز عليٌّ الوليدَ فقتله، أما الحارث وعتبة فقد ضرب كل منهما الآخر، عندها أكمل على عتبة كل من حمزة وعلي رضي الله عنهما.
- كانت هذه المبارزة بداية سلبية للمشركين، حيث فقدوا خيرة قادتهم، عندها استشاطوا من الغضب، وهجموا على المسلمين دفعة واحدة، أما المسلمون فقد تلقوا تلك الهجمات بثبات، ورابطوا في مواقعهم، وألحقوا بالمشركين الخسائر الفادحة، وكانوا يقولون بلسان واحد: "أحد أحد".
- بهذه الأثناء ناشد الرسول عليه الصلاة والسلام ربه عز وجل، وألح عليه بالدعاء، فأوحى الله إلى الرسول بقوله: "أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين". (سورة الأنفال، الآية: 9)، فقال الرسول لأبي بكر رضي الله عنه: "أبشر يا أبا بكر، أتاك نصر الله، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه، يقوده، وعلى ثناياه النقع".
- ثم خرج الرسول عليه الصلاة والسلام وأخذ حفنة من الحصى، ورمى بها قريش وقال: "شاهت الوجوه"، فلم تترك أحداً من المشركين إلا أصابته في عينيه، أو أنفه، أو فمه، وتصديقاً لذلك جاء قوله تعالى: "وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى". (سورة الأنفال، الآية: 17).
- أصدر الرسول عليه الصلاة والسلام أوامره للمسلمين بالهجمة المضادة، وحرّضهم على القتال، وأخذ يقول: "والذي نفس محمد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل فيُقتل صابراً، محتسباً، مقبلاً، غير مدبر، إلا أدخله الله الجنة"، وقال: "قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض".
- زاد نشاط المسلمين، وهجموا على المشركين هجوماً كاسحاً، وأخذوا يقلبون الصفوف، ويقطعون الأعناق، وكان الرسول أقرب منهم إلى المشركين ويقاتل معهم، وكانت الملائكة تقاتل معهم، حتى أنهم كانوا ينظرن إلى رأس الرجل تهوي، لا يدرون من ضربه، ومن أسقط رأسه، وقد ورد عن الرسول عليه الصلاة أن كل من الملائكة جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، قد شاركوا في المعركة.
- بدأت هزيمة المشركين تظهر حيث اضطربت صفوفهم، وأخذوا بالتراجع والفرار، ولحق بهم المسلمون يقتلوهم، ويأسروهم، إلا أن أبا جهل حاول تشجيع الجيش بالصمود، ولكنهم لم يصمدوا، وقتل المسلمون المشركين الذين التفوا حول أبي جهل، وظهر أبو جهل، فتوجه إليه غلامان فضرباه حتى قتلاه، وبعدها أجهز عليه عبد الله بن مسعود، ثم توجه ابن مسعود إلى الرسول وأخبره بأنه جز رأس أبي جهل، ثم قال الرسول: "الله أكبر، الحمد لله الذي صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده"، وبعد أن رآه قال: "هذا فرعون هذه الأمة".
بعد الغزوة
- انتهت المعركة بهزيمة المشركين هزيمة ساحقة، ونصر وفتح للمسلمين، وقد استشهد من المسلمين أربعة عشر رجلاً، من المهاجرين، والأنصار، أما المشركون فقد قُتل منهم سبعون، وأُسِر سبعون، وأغلبهم من الزعماء.
- وقف الرسول عند القتلى وقال: "بئس العشيرة كنتم لنبيكم، كذبتموني وصدقني الناس، وخذلتموني ونصرني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس".
- أرسل الرسول عليه الصلاة والسلام الرسل إلى أهل المدينة ليبشرهم بالفتح والنصر، وكان اليهود قد أشاعوا بأن الرسول قد قُتل، وعندما وصل الخبر إلى أهل المدينة عمت البهجة والسرور، واهتزت المدينة، تكبيراً، وتهليلاً، وخرجوا من المدينة لاستقبال الرسول الكريم ليهنئوه بالنصر.
- ثم مكث الرسول عليه الصلاة والسلام ثلاثة أيام ببدر، وبعدها تحرك إلى المدينة، حيث قسم الغنائم بين المسلمين، ولدى وصوله إلى منطقة الروحاء وجد المسلمين قد خرجوا لتهنئته.
- ثم دخل الرسول عليه الصلاة والسلام إلى المدينة منتصراً، مظفراً، خاف منه كل عدو، في المدينة وحولها، وأسلم بعد هذه الواقعة الكثير ممن يعيشون حول المدينة.
- وبالنسبة للأسرى فقد استشار صاحبيه أبو بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، حيث أشار عليه أبو بكر بأخذ الفدية، وأشار عليه عمر بن الخطاب بقتلهم، إلا أن الرسول عليه الصلاة والسلام أخذ برأي أبي بكر، وأخذ منهم الفدية، وقد منّ عليه الصلاة والسلام على عدد من الأسرى فأطلق سراحهم بغير فداء.