محتويات
الحِجاج
الحِجاج في اللغة هو من الفِعل حاجَّ، يحاجّ، و حاجَجَ/حاجَّ، مُحاجَّة وحِجاجاً، فهو مُحاجٌّ، والمفعول مُحاجٌّ للمُتعدِّي، وحاجَّ الشخصَ بمعنى: أقامَ الحُجَّة، والدليل؛ لإثبات أنّ الأمرَ صحيح، وبرهَنَ بتقديم الحُجَّةِ، والدليل؛ ليقنعَ الآخرين، وحاجَّ الشخصَ: أي جادلَه، وخاصمَه، ونازعَه بالحُجَّةِ، وناظرَه،[١] ويُعرَّف الحِجاجُ في اللغة أيضاً على أنّه المُجادَلةُ التي يكون سببُها الخلافُ على وجهةِ نَظرٍ ما، ويكونُ الهدفُ منها إثباتُ الرأيِ، وهو الغلبةُ على الخصومِ في الكلامِ، والخطابِ، باستخدامِ الحُجَّةِ والبُرهان.[٢]
أمّا الحِجاج اصطلاحاً، فقد ظَهرَ كمُصطلَحٍ في نهايةِ عَقْدِ الخمسينيّات من القرن العشرين؛ وذلك مع مُحاولاتٍ لإقامةِ علمٍ لدراسةِ الخَطابةِ بأنواعِها؛ حيثُ قدَّمَ حاييم بيرلمان تعريفاً للحِجاج، مُركِّزاً فيه على وظيفتِه، وهي إقناعُ المُتلقِّي بما يُعرَضُ عليه من خلال الخِطابِ الحِجاجيِّ؛ وذلك لاستمالة عقله، والتأثيرِ في سلوكِه، وبذلك يكونُ للحِجاج مفهومان: الأوّل، التحليل، والاستدلال، وتقديم المُبرِّرات؛ للتأثير في الاعتقاد، والسلوك، والثاني، عمليّة التواصُل مع الآخرين، باستخدامِ المَنطق؛ بغَرَضِ التأثيرِ فيهم.[٢]
نظريّةُ الحِجاجِ ومُكوِّناتُها
يُطلَقُ على نظريّة الحِجاجِ في الفلسفةِ اسم (نظريّة التفكير، والتبرير، والجِدال)، وقد كانت مَبنِيَّةً على أسلوبِ الخَطابةِ والمَنطقِ، وخلالَ الفترة المُمتدَّة ما بين عامي 1960-1970م، طوَّرَ العلماءُ -مثل السيد بيرلمان- الطُّرُقَ التي يَستخدِمُها الناسُ؛ لإثباتِ وجهاتِ نَظرِهم، والحصولِ على دعمِ الآخرين، إضافةً إلى تطويرِ نظريّة الجِدال، وتَنبثِقُ أهميّةُ نظريّةِ الجِدال من أهميّةِ التواصُلِ بينَ الناس؛ الأمر الذي يُمكِّنُهم من التعبيرِ عن أفكارِهم، كما ويساعد في تطوُّرِ المُجتمَعات، والتواصُل، ومُشارَكةِ المعلومات بين المُتحدِّثِ، والمُستمِعِ، وهنا تبرُزُ أهميّةُ أن يكونَ المُستمِعُ قادراً على تمييزِ صحَّةِ المعلومة من كَذِبِها، بمعنى عدمُ الوثوقِ التامِّ بالمَصدر، بل وجوب التحرِّي عنه.[٣]
ولا يتمُّ ذلك إلّا من خلالِ الجِدال، كما يُعتبَرُ الجِدال طريقةً لتنشيطِ العقلِ؛ فهم يستخدمون التفكير والمنطق؛ للوصول إلى اتِّصالٍ سليمٍ، وناجحٍ، وقد توصَّلَ الفيلسوفُ الإنجليزيُّ ستيفن تولمين إلى العناصرِ التي يتمُّ تقييم الحُجة بناءً عليها، وهي: المُطالَبة، والقاعدة: أي الأرض، والمُذكِّرة، والدَّعم، والمُؤهَّل، والرد، بمعنى أنَّ المُستمِعَ يُطالِب المُتحدِّثَ بإعطاءِ الأدلَّةِ، والمعلومات على صحّةِ حديثِه، وهنا تأتي أهميّة الأرض، وهي عبارةٌ عن المعلومات المُستخدَمة؛ لإقناعِ المُتحدِّثِ، ويتمُّ من خلالِها إنشاءُ الحُجَّةِ، وكلُّ شخصٍ له طريقةٌ في التفكير، وقبول الحُجج، فمثلاً يقبلُ الرجال المعلوماتِ بطريقةٍ عقلانيّةٍ، على العَكسِ من النساء اللواتي يندفعنَ وراءَ العاطفةِ، وهنا يأتي دورُ المُذكِّرة، وهي عبارةٌ عن حُجَجٍ مُتلاحِقةٍ يتمُّ دعمُها بعباراتٍ مُعيَّنةٍ، ويأتي الردُّ على هذه الحُجَج من خلال المُجادَلة، والطَّعن فيها، باستخدامِ أسلوب الخَطابة.[٣]
وتقومُ نظريّة الحِجاج -حسب ما يرى دان سبيربر- على أنَّ المَنطِقَ لا يساعدُ الأشخاصَ في اتِّخاذِ القرارات، وأنَّ التفكيرَ يقتصرُ في وظيفتِه على إقناعِ الآخرين، وتقييمِ حُجَجِهم، وأنَّ الإنسان بحاجة إلى بَذْلِ مَجهودٍ ذِهنيٍّ؛ لإقناعِ الناس بالفكرة التي لديه، من خلال أسلوب الخَطابة، وتقديم البراهين، والأسباب التي تُؤكِّدُ أنّه على صواب، بمعنى أنَّ الحُجَجَ التي يجبُ عليه تقديمُها، يجبُ أن تكونَ لجانبِه ومُؤيِّدةً لأفكارِه، كما تُؤكِّدُ نظريّةُ الحِجاجِ أنّ للناسِ قُدرةٌ على التفكير بشكل جماعيٍّ؛ للتوصُّلِ إلى الحلِّ الصحيح.[٤]
تاريخُ ظهورِ الجَدل والحِجاج
وُجِدَت الحُجج قَبلَ القَرن التاسع عشر، وأوّل نظريّة بحث فيها هي نظريّة أرسطو في المَنطق، وهذا يَدلُّ على أهميّة الجَدَل في تلك الفترة؛ حيثُ كان عاملاً مُهِمّاً قامت عليه المُجتمَعات حتى خمسينيّات القرن العشرين، كما كان له مكانةٌ كبيرةٌ في الولايات المُتَّحِدة، وخاصّة في الجامعات والكليّات، وقد ظَهرَت كُتُبٌ عديدةٌ دَرسَت مبادئَ الجَدَل، وكان بيرلمان، وتولمين، من أشهر الكُتّاب الذين ألَّفوا في موضوع الجَدَل، كما طوّروا عدّة نظريّاتٍ في كيفيّة حدوث الجَدَل، و وصفُوا الأساليبَ المُستخدَمة في ذلك.[٥]
وقد جاءَ تعريفُ الجَدَل عند فان ايميرين عام 1996م، على أنّه نشاطٌ منطقيٌّ، واجتماعيٌّ يتمثَّلُ الهدفُ منه في زيادةِ، أو تقليلِ القبول لوجهةِ نَظرٍ مُعيَّنة ومُثيرة للجِدال بالنسبة للمُتلقِّي، سواءً كان مُستمِعاً أو قارئاً، وتكونُ بطَرْحِ المُقترَحات التي من شأنِها أن تُبرِّرَ وجهةَ نَظرِ شخصٍ ما، أو دَحْضَ وجهة نَظَرِ شخصٍ آخر، ويَرتبِطُ الجِدال دائماً بوجهات النَّظَر، ويُعتبَرُ رأيُ الشخصِ وَحده غيرَ كافٍ؛ إذ لا بُدَّ من وجود الحُجج والبراهين التي تُثبتُ ما يقول.[٥]
وتُعتبَرُ نظريّة الجدليّة البراغماتيّة (بالإنجليزيّة: pragma-dialectical)، التي ظَهرَ بها كلٌّ من غروتندورست (بالإنجليزيّة: Grootendorst)، و فان ايميرين (بالإنجليزيّة: Van Eemeren)، النظريةَ الأكثر شعبيّة في الوقت الحالي؛ حيثُ يُحدِّدان في نظريَّتِهما المراحلَ الأساسيّة لأيِّ حوارٍ جَدَليٍّ، وهي تشتملُ على المُواجَهة في المَقام الأوَّل، أي عَرْضَ المُشكلة، والانفِتاح الاجتماعيَّ في المقام الثاني، والذي يكونُ بالاتِّفاق على القواعد من حيث كيفيّة تقديم الأدلَّةِ، والمصادرِ المُستخدَمةِ؛ لإثبات الحقائق، وشروط الإغلاق، وبحيث يكونُ سلوكاً اجتماعيّاً، لا فرديّاً، أمّا الوظيفيّة فتأتي في المقام الثالث، وتكون بتطبيقِ القواعد المنطقيّة، وأخيراً يأتي دَورُ الخُلاصة التي تُنهي الجِدالَ بإصدار الحُكْمِ.[٥]
المسارُ التاريخيُّ للحِجاج
الحِجاج عند المسلمين والعَرب
إنَّ للحِجاج جذوراً تأتي من الخِطاب العربيِّ، الذي لَعِبَ دوراً كبيراً في الحياة السياسيّة، والعَقَديّة عند المسلمين والعَرب، ولهم العديد من المُؤلَّفات في هذا المجال، مثل كتاب (منهاج البلغاء وسراج الأدباء) لحازم القرطاجيّ، كما كان لكُتُبِ أرسطو تأثيرٌ كبيرٌ في تطوُّر بلاغة الحِجاج عند العَرب، بالإضافة إلى كُتُبِ الجاحظ، التي يَظهرُ فيها مدافعاً عن الحِوار، ويشرحُ فيها نظريّاتِه في بلاغة الحِجاج، والإقناع، وبذلك نَجِدُ أنَّ هناك بلاغتان قد تبلورَتا في الدراسات العربيّة: الأولى شعريّة، والثانية تداوليّة حِجاجيّة، كما عملَ ابن حزم الأندلسيّ بالحِجاج، ويَظهرُ ذلك بوضوح في موسوعتِه (الفصل في الملل، والأهواء، والنِّحَل)، كما رَبطَ أبو هلال العسكريّ الحِجاج بالشِّعر؛ حيثُ أعطى للشِّعر وظيفيّةً حِجاجيّةً كبيرةً، ورأى أنَّ الشِّعرَ هو الفنُّ الأساسيُّ الذي تُقامُ به الحُجج.[٦]
الحِجاج عند الغَرب
بَرزَ مُصطلَحُ الحِجاج عند الغَرب من خلال السوفسطائيّين الذين عُرِفوا بالسوفسطائيّة، وهي حركة فَلسفيّة اجتماعيّة، ظهرت في القرن الخامس قبل الميلاد، وتميَّزَ أصحابُها بالخبرة، والكفاءة اللغويّة، والجدليّة؛ حيثُ كانوا يعقِدون النقاشات بطرائق حِجاجيّة، وإقناعيّة، وقد تبنَّوا فكرتَين، هما: التوجيه، والتوظيف، في مُعظَم بحوثِهم الحِجاجيّة المُعاصِرة، ومن أشهرِهم أفلاطون، الذي أكَّد أنَّ الحِجاج نوعان: إمّا أن يكون إقناعٌ يَعتمِدُ على العِلم، أو أن يَعتمِدَ على الظنِّ، وقد بَحثَ أرسطو في نظريّة الحِجاج، وأسَّسَ فهمَه على مُنطلَقاتٍ استدلاليّة، ورأى أنَّ الحِجاج يقوم على دعامتَين: الأولى يَختزِلُها الاستدلال، والثانية أساسُها البحثُ اللغويُّ الوجوديُّ.[٦]
وقد اعتَبرَ أرسطو الحِجاجَ نشاطاً خَطابيّاً وبلاغيّاً، بحيث يُشكِّلُ الأساسَ لعمليّاتِ الحوار الفَلسفيِّ، والجماعيّ، وله عدّة مقالات في هذا المجال، منها: الخَطابة والجدل، التي أوردَها في كتابِه (الخطابة)،[٦] وهناك عدّة مُصطلَحاتٍ تتعلَّقُ بالحِجاج، مثل: الاستدلال، والبرهنة بِنيَّة الإقناع، وهي تعتمد على تقديم الحُجج، والأمثلة، وطريقة عَرضِها، وتقديمِها للمُتلقِّي، ويُعَدُّ الإقناع أساسَ عمليّة الحِجاج، والكلمة المُرادِفة له أيضاً، إلّا أنّ هناك عدّة تفسيراتٍ تَفصِلُ بين الإقناع، والحُجّة، بمعنى أنّ الإقناع هو ما يُحاوِلُ المرءُ أن يُقنِعَ به نفسَه، أمّا الحُجَّة فهي ما يُحاوِلُ أن يُقنعَ بها الآخرين.[٧]
المراجع
- ↑ "تعريف و معنى حجاج في معجم المعاني الجامع "، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-8. بتصرّف.
- ^ أ ب أ. عباس حشاني، مصطلح الحجاج بواعثه وتقنياته، صفحة 267-269. بتصرّف.
- ^ أ ب "Argumentation Theory", www.communicationtheory.org, Retrieved 2018-4-8. Edited.
- ↑ John Brockman, "The Argumentative Theory"، www.edge.org, Retrieved 2018-4-8. Edited.
- ^ أ ب ت "ARGUMENTATION THEORY", www.utwente.nl, Retrieved 2018-4-8. Edited.
- ^ أ ب ت هجيرة حاج هنى, البنية الحجاجية في مقامات الوهراني, صفحة 10-16. بتصرف.
- ↑ أ. عباس حشاني، مصطلح الحجاج بواعثه وتقنياته، صفحة 273-374. بتصرّف.