محتويات
تعريف الشفاعة
الشفاعة لغةً: ضمّ شيءٍ إلى غيره المُفرد؛ ليشفعه، وهي من الشفع الذي يُضادّ الوتْر، والفرد، قال -تعالى-: (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ)[١] أمّا الشفاعة في الاصطلاح، فتعني: التوسُّط للغير؛ لجَلب منفعةٍ له، أو دَفع ضَررٍ عنه، ومن ذلك: شفاعة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في أهل الجنّة؛ ليدخلوها، وشفاعته في مَن دخل النار من المسلمين؛ ليخرجوا منها، وعليه فإنّ الشفاعة لا تكون للإنسان نفسه، بل لغيره، وتنقسم الشفاعة إلى: شرعيّةٍ، وشِركيّةٍ، فالشركيّة هي: ما يعتقده المشركون من نَفع آلهتهم لهم، وشفاعتها لهم، أمّا الشفاعة الشرعيّة، فلا بُدّ فيها من ثلاثة شروطٍ، هي:[٢]
- رضا الله عن الشافع؛ استدلالاً بقَوْله -تعالى-: (وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّـهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى).[٣]
- رضا الله عن المشفوع له؛ قال -تعالى-: (وَلا يَشفَعونَ إِلّا لِمَنِ ارتَضى).[٤]
- إذن الله -تعالى- بالشفاعة؛ إذ قال: (مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ).[٥]
شفاعة الرسول يوم القيامة
يحظى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بمقام محمود، ومكانة رفيعة، ومنزلة جليلة يوم القيامة؛ قال الله -تعالى- عنه: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)،[٦] واستدلالاً بما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- من أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يُقال له يوم القيامة: (سَلْ تُعْطَهْ، اشْفَعْ تُشَفَّعْ).[٧][٨]
أنواع شفاعة الرسول يوم القيامة
شفاعة الرسول في الخَلق كلّهم
يشفع الرسول -عليه الصلاة والسلام- في الخلائق كلّها يوم القيامة عند الله -سبحانه وتعالى-؛ وهي الشفاعة التي يُطلَق عليها اسم (الشفاعة العُظمى)؛ وذلك حينما يقف الناس يوم القيامة مَوقفاً عصيباً؛ مُنتظِرين الحساب، فيتوسّلون بالأنبياء -عليهم السلام-؛ كي يُعجّل الله -سبحانه وتعالى- الحساب والقضاء بينهم؛ فيتوسّلون بآدم، ثمّ بنوح، ثمّ بإبراهيم، ثمّ بموسى، ثمّ بعيسى، إلى أن ينتهي بهم الأمر إلى رسول الله؛ فهو صاحب الشفاعة العُظمى يوم القيامة بين الأنبياء، فيشفع حينها لأهل الموقف جميعاً؛ وذلك المقصود بقَوْله -تعالى-: (وَمِنَ اللَّيلِ فَتَهَجَّد بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَن يَبعَثَكَ رَبُّكَ مَقامًا مَحمودًا).[٩][١٠]
شفاعة الرسول في أمّته
يشفع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في أمّته بشكلٍ خاصٍّ، وتكون على أشكالٍ بيانها آتياً:
- الشفاعة لمَن تساوَت حسناتُه وسيّئاته، وهؤلاء هم أهل الأعراف الذين يشفع لهم رسول الله بدخول الجنّة، فيأذن الله -تعالى- للنبيّ -عليه الصلاة والسلام- كما ورد في الحديث الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: (أدْخِلِ الجَنَّةَ مِن أُمَّتِكَ مَن لا حِسابَ عليه مِنَ البابِ الأيْمَنِ مِن أبْوابِ الجَنَّةِ).[١١][١٢]
- الشفاعة لأهل الجنّة بدخولها بعد انتهاء الحساب؛ إذ لا يُسمَح ولا يُؤذَن لهم بالدخول إلى أن يشفعَ لهم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، إذ أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (أنا أوَّلُ شَفِيعٍ في الجَنَّةِ، لَمْ يُصَدَّقْ نَبِيٌّ مِنَ الأنْبِياءِ ما صُدِّقْتُ، وإنَّ مِنَ الأنْبِياءِ نَبِيًّا ما يُصَدِّقُهُ مِن أُمَّتِهِ إلَّا رَجُلٌ واحِدٌ).[١٣][١٤]
- شفاعة الرسول -عليه الصلاة السلام- لأمّته بأن تُرفَع درجاتهم في الجنّة؛ فَضْلاً وزيادةً، وقد اتّفق على ذلك العلماء.[١٥]
- الشفاعة لأقوامٍ يدخلون الجنّة بغير حسابٍ؛ وهي من أنواع الشفاعة عند القاضي عياض، وغيره؛ استدلالاً بما أخرجه الإمام مسلم عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- أنّه قِيل للنبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (هذِه أُمَّتُكَ ومعهُمْ سَبْعُونَ ألْفًا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بغيرِ حِسابٍ ولا عَذابٍ).[١٦][١٧]
- شفاعة الرسول -عليه الصلاة والسلام- فيمَن دخل النار من المسلمين؛ بأن يُخرجهم الله منها، ولا تتحقّق تلك الشفاعة إلّا لأهل التوحيد.[١٨]
- شفاعة النبيّ -عليه الصلاة والسلام- لأهل الكبائر من أمّته مِمَّن دخل النار؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (شَفاعتي لأهلِ الكبائرِ مِن أمَّتي).[١٩][٢٠]
- شفاعة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لعمّه أبي طالب بأن يُخفّف الله -تعالى- العذاب عنه؛ قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (هو في ضَحْضَاحٍ مِن نَارٍ، ولَوْلَا أنَا لَكانَ في الدَّرَكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ).[٢١][٢٢]
أسباب استحقاق شفاعة الرسول يوم القيامة
ينال المسلم شفاعة النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بالحرص على الإتيان بعّدة أعمالٍ، منها:[٢٣][٢٤]
- توحيد الله -سبحانه وتعالى-؛ قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (أسْعَدُ النَّاسِ بشَفَاعَتي يَومَ القِيَامَةِ، مَن قالَ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ).[٢٥]
- الدعاء بعد الأذان، وسؤال الوسيلة والمَقام المَحمود لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-؛ إذ أخرج الإمام البخاريّ في صحيحه عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (مَن قالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّداءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هذِه الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، والصَّلاةِ القائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ والفَضِيلَةَ، وابْعَثْهُ مَقامًا مَحْمُودًا الذي وعَدْتَهُ، حَلَّتْ له شَفاعَتي يَومَ القِيامَةِ رَواهُ حَمْزَةُ بنُ عبدِ اللَّهِ، عن أبِيهِ، عَنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ).[٢٦]
- كثرة الصلاة على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-.
المراجع
- ↑ سورة الفجر، آية: 3.
- ↑ محمد بن صالح العثيمين (1426ه)، شرح العقيدة السفارينية الدرة المضية في عقد أهل الفرق المرضية (الطبعة الأولى)، الرياض-السعودية: مدار الوطن للنشر، صفحة 485-486. بتصرّف.
- ↑ سورة النجم، آية: 26.
- ↑ سورة الأنبياء، آية: 28.
- ↑ سورة البقرة، آية: 255.
- ↑ سورة الضحى، آية: 5.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 193، صحيح.
- ↑ محمد بن أسعد الصديق، شرح العقائد العضدية (الطبعة الأولى)، موقع إلكتروني: موقع إلكتروني، صفحة 127. بتصرّف.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 79.
- ↑ الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، مجلة البحوث الإسلامية - مجلة دورية تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد (الطبعة الأولى)، موقع الكتروني: المكتبة الشاملة الحديثة، صفحة 132، جزء 64. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 194، صحيح.
- ↑ سفر بن عبد الرحمن الحوالي، شرح العقيدة الطحاوية (الطبعة الأولى)، موقع الكتروني: المكتبة الشاملة الحديثة، صفحة 1933. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 196، صحيح.
- ↑ بو ذر عبدالقادر بن مصطفى بن عبدالرزاق المحمدي (1426 هـ - 2005 م)، الشفاعة في الحديث النبوي (الطبعة الأولى)، بيروت - لبنان: دار الكتب العلمية،، صفحة 54. بتصرّف.
- ↑ وسف بن محمد علي الغفيص، شرح الطحاوية (الطبعة الأولى)، موقع إلكتروني: المكتبة الشاملة الحديثة، صفحة 7، جزء 11. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 220، صحيح.
- ↑ سعيد حوّى (1412 هـ - 1992 م)، الأساس في السنة وفقهها - العقائد الإسلامية- (الطبعة الثانية)، موقع إلكتروني: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة ، صفحة 1338، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ يوسف بن محمد علي الغفيص، شرح الواسطية، موقع إلكتروني: المكتبة الشاملة الحديثة، صفحة 5، جزء 17. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 6468، أخرجه في صحيحه.
- ↑ صدر الدين علي بن أبي العز (1418ه)، شرح العقيدة الطحاوية في العقيدة السلفية (الطبعة الأولى)، السعودية: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 206. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن العباس بن عبدالمطلب، الصفحة أو الرقم: 3883، صحيح.
- ↑ الحسين بن محمد بن سعيد اللاعيّ (1414 هـ - 1994 م)، البدرُ التمام شرح بلوغ المرام (الطبعة الأولى)، موقع إلكتروني: دار هجر، صفحة 143، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ سعيد حوى (1412 هـ - 1992 م)، الأساس في السنة وفقهها - العقائد الإسلامية (الطبعة الثانية)، موقع إلكتروني: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، صفحة 1337، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ أحمد بن سواد (2016-4-28)، "أسباب نيل الشفاعة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-6-14. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 99، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 4719، صحيح.