محتويات
الفلسفة
تُعرَفُ باللغةِ الإنجليزيّة بِـ (Philosophy)، وَهِيَ كلمَةٍ مُشتقّة مِنَ اللغةِ اليونانيّة فَيلوسوفيا، وظهَرَت فِي اللغةِ العربيّة، ومَعناها هِيَ مَحَبّةِ الحِكمَة أو طَلَبِ المَعرِفَة أو البَحثِ عَنِ الحَقيقة، وعلى الرّغمِ مِن وُضوحِ المَعنى لِكَلِمَةِ الفلسفة إلاّ أنّهُ مِنَ الصّعبِ الدلالةِ على مَفهُومِها بشكلِ دَقيق، ولكِنّها بشكلٍ عام هِيَ نشاط إنساني قَديم يَقُومُ على الدراسَةِ النظريّة والعَمليّة للمُجتمعاتِ والثقافات مُنذُ أقدمِ العصور، وتستخدمُ الفلسفة فِي العَصرِ الحديث للدلالةِ على السّعي وراءَ المعرفة الجوهريّة فِي حياةِ الإنسان منها (الواقع، والحياة، والمعاني الحقيقيّة، والمَعرفة)، لذلِكَ الفلسفة مُنذُ أقدَمِ العصور إلى يومنا هذا تمرّ بمراحِل تَطوّر كَبيرة، والتي سَنَقُومُ بالتعرّفِ عليها مِن خِلالِ مقالنا.
تاريخ الفَلسَفَة
مرّت مَواضِيعِ الفلسفة بتطوّراتٍ خِلالَ فَتراتٍ تاريخيّة مُتعاقِبَة، وَبِحَسَبِ التسلسل الزّمَنِي لها تطوّرت على الشكل التالي:
- أصلِ الكون وجوهَرُها الأساسي.
- الخالق (الله عزّ وجل) والتساؤل حَول وجودهِ وعلاقتهِ بالإنسان.
- الصّفاتِ التي يتميّز بها الخالق، ولماذا خَلق الإنسان وما الغايَةِ مِنهُ؟
- العَقِل وأساس التفكير السّليم.
- الإرادَة الحُرّة وأصلِ وجُودِها.
- تَحديدِ الهدف مِنَ الحياة وطريقَةِ العَيش السّليمَة.
وَبعدَ هذِهِ الأمور أصبَحَت الفلسفة أكثَرُ تَعقيداً وترابطاً مَع بَعضِها البعض مِن خِلالِ المَواضِيع التي تَتَناوَلَها، وَبعدَ ظُهورِ الديانَه المسيحيّة يتأمّلُ الفلاسِفَة الكَثير مِنَ الأمور مِنها: (الوجود والكون، والمبادئ الراسخة كالأخلاق والقيم، والبحثِ عَنِ الحقيقة، والمَعرِفَة، والجمال) فَمِنَ النظر إلى الناحية التاريخيّة مِنَ الفَلسَفَة يظهرُ أنّها كانت تَعتَمِدُ وترتَكِزُ على المُعتقداتِ الدِينيّة أو العِلمِيّة.
ممّا سبق يتبيّن أن هُناكَ ثلاث مَراحِل وحَسَبِ التسلسل الزَمَنِي لها وَهِيَ:
الفلسفة فِي العَصِر اليوناني
العلماء يَقولون إنّ المنشأ الحَقيقِي وتأسيسِ الفلسفة ظَهَرَت فِي القرن السادس قَبلَ الميلاد أي العصر اليوناني، وَتناوَلت هذه الفلسفة مَواضيع عِدّة مِنها (الفلسفة السياسيّة، والأخلاقيّة، وعِلمُ الوُجود، والمَنطِق، وعلمُ الأحياء، والبلاغَة، وعلمُ الجمال، والكثيرُ مِنَ المَواضِيع)، وَتُمثّل الفَلسفة اليونانيّة بتاريخ الفَلسفة الغربيّة لَحظَةِ تَطوّر الفِكِر الفلسفي، وَتَمّت مُناقَشَةِ الكثير مِنَ القضايا وَهِيَ:
- علمُ الوُجود ontology: وَهِيَ المبادئ الأوليّة؛ حَيثُ يُمكِن إستمراريّةِ الواقِع.
- نظريةِ المَعرِفَة Epistemology: وَهِيَ فَهمُ صلاحيّةِ معايير حُدودِ المَعرِفَة، وخصوصاً فِي القضايا التي تتعلّقُ بِمُشكِلَةِ الحَقيقَة.
- الأخلاقيات Ethics: وَهِيَ دِراسَةٍ نَقدِيّة لِسُلوكِ الإنسان البشري، وَتَهدِفُ للوُصولِ إلى تعريفِ السّلوكِ الأفضل والأنسَب الّذي يجب على الإنسان أن يتّبعه.
ومن المعروف أنّ هذه القضايا هي ليست وحدها التي أشغلت بال اليونانيين، في الواقع هناك بعضُ المفكّرين اليونانيين الّذين حوّلوا انتباههم إلى علوم أخرى مثل (علم الكون، والرياضيات، والطب، إلخ ...)، ولكن النقاط المحوريّة للتفكيرِ اليوناني كانت بالنقاط الثلاث السابقة.
الفلاسفة اليونانيين
هُناكَ الكثير مِنَ الفلاسِفَة اليونانيين المَشهُورين مِنهُم: ( سقراط ) الذي أحدَثَ ثورَةً كبيرة فِي نِطاقِ الفَلسَفَة؛ إذ كانَ مُجمَل اهتمامَهُ على الإنسان وبالتالي قَد إهتمّ بالسياسة والأخلاق والاقتصاد، وَلَم يَهتَم بقضايا أخرى مِثلَ الفلك والطبيعة، لأنّه كان يعتبر أنّ الإنسان هُوَ مِقياسُ كُلّ شيء، وبعدها ظهر (أفلاطون) الذي كان يبحَثُ عَنِ الوجود وعَن المعنى الحقيقي للإنسانِ على الأرض، وبعدها ظهر ( أرسطو ) الذي كان يَبحَثُ عَن أصلِ الوجود، وبالتالي بَقِيَت اليونان مُرتَبِطة بالبحثِ عَنِ الحقيقة والوُصولِ إليها بالاعتمادِ على العَقِل وَمَنهَجِ البَحِث.
الفلسفة فِي العَصِور الوسطى
وَهِيَ الفترة المُمتدّة مِن سُقوطِ الإمبراطوريّة الرومانيّة فِي القرن الخامس الميلادي حتّى عَصرِ النّهضَة فِي القرن السادس عشر، وجاءَت هذِهِ الفَلسَفَة تَملأ الفراغ الفكري والنظري الذي عانى مِنهُ اليونانيون لِعَدم تَوَفّر الَتصَوّر العقلي والمَعرِفِي الشامل، والمُتَعلّقة بحقِيقَةِ الكون والوُجود؛ لأنّ اليونانيين كانُوا يعتمِدونَ فِي فلسفتهم على الوَحِي والدين وَهُوَ المَكوّن الأساسي لثقافَتِهِم، وبالتالي فِي العصور الوسطى تكيّفت الفلسفة لتصبح مِن مُكوّنات الثقافَة الإنسانيّة فِي المجتمع؛ لأن الإيمان لا يمكنهُ أن يتعارض مَع العَقِل أو يستغني عَن التفكير العقلي، وهذا الأمر قَد حدّدهُ أرسطو: إنّ العقل مَيّزة خَصّها الله بِها للإنسان ليعرفً فطرتهُ، ويستخدم العقل للقضايا الكبرى كَقضيّة الوجود والمَعرِفَة والقضاءِ والقدر.
في هذا العصر ظهر نوعان مِنَ الفلسفة وَهما:
الفلسفة المسيحيّة
المَسيحيون الأوائل قَد بَنَوا الفلسَفَة المَسيحِيّة على الفِهِم العِبرِي القَدِيم، والكثيرُ مِنَ المُفَكّرين المَسيحِيين أرادُوا فَهم طَبيعَةِ القانُون وعلاقَتِهِ بالكنيسة، مِنهُم ( ارينيوس ليون، وتيرتوليان، وأوريغن، وأمبروز) وَهُم الفلاسفة الأكثرُ أهَميةٍ فِي العُصورِ الوسطَى.
الفلسفة الإسلاميّة
الفلسفة الإسلاميّة يُمكِن استخدامُها بطرُقٍ مُختلفة، فيُمكن الاستدلالُ على أنّها فلسفة مُستمدّة مِن نصوص الإسلام (القرآن والسنّة)؛ بحيث تقدّم رؤية كامِلَة حَولَ الكون والخلقِ والحياة والخالق، والتعريفُ العام لها هِيَ التصوّرات الفلسفيّة التي تمّت وَبَحَثَت فِي إطارِ الثقافة العربيّة الإسلاميّة (الحضارة الإسلاميّة) وليس مِنَ الضروروي أن تكون مُرتَبِطة بحقائقٍ ونصوصٍ دِينيّة.
والكلِمَة الأقرب للفلسفة فِي الإسلام هِيَ الحكمة، والتي استُخدِمَت فِي القرآن والسنّة بقولِهِ تعالى: (يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ) البقرة: 269، وبالتالي الفلاسفة المُسلمين لَهُم دور كبير فِي إظهار الحقيقة والوصولِ إلى الفلسفة الحقيقيّة مِن دلالاتٍ واعتمادِ آياتِ الله تعالى التي لا لغوَ فيها ولا خطأ، والنُقطةِ الأهم كانت فِي معرفةِ الله تعالى وإثباتِ الخالق، وهي كانت عبارة عَن مَسألَةٍ غامِضَة بالنسبة لليونانيين والمسيحيين، وتطوّرت الفلسفة الإسلاميّة إلى أن انحَصَرت بإثباتاتٍ وأدلّة عَقليّة، وكانَ المُنعَطَف الأهَم على يدِ (ابن رشد) مِن خلالِ تمسّكهِ بمبدأ الفِكِر الحرّ وتحكيمُ العَقِل مِن خِلالِ المُشاهَدَة والتَجربة.
الفلسفة فِي العَصِور الحديثة
هِيَ جُزءٌ مِنَ الفلسفة التي ظَهَرَت فِي أوروبا الغربيّة فِي القرن السابع عشر، والتي بَقِيَت إلى غايةِ القَرنِ العشرين، وهذِهِ الفلسفة لا تعتمدُ على عَقيدَةٍ مُحدّدة أو مدرسة مُعيّنة، وأيضاً هِيَ أوّلا وقبلَ كُلّ شيء فلسفة نقديّة تَعتَمِدُ على العقلِ فَقَط، وبذلِكَ هذا ما يُميّز فلسَفَةِ العصر الحديث عَنِ الفَلسَفَة الأوليّة التي كانت تَعتَمِدُ الصبغةِ الدينيّة في فلسفتها، وبدأت هذِهِ الفلسفة تَهتَمّ بمشاكِلِ الإنسان المَعرِفيّة وَخِدمَةِ الإنسان كما قال ديكارت : (ومَعرِفَة مُفيدَة فِي الحياة تجعَلُ مِن أنفُسِنا سادَةُ الطبيعة وملاكها) الّذي حاول أن يخلّصَ العقل مِنَ الأفكار السّائِدَة والآراء المُسبَقَة مِن أجلِ الوصولِ إلى الحقيقة.
وكان محور اتّجاه الفكر مَع الفلسفة الحديثة هُوَ الاعتزاز بالعقل، وبدأ يثير أسئلةً كثيرة جَديدة لم تكن مِن قَبِل مثل: هل بإمكان الإنسان الذي يعرف المعرفة أن يعرف؟ وإذا كان الجواب نَعَم هل مِنَ المُمكِن مَعرِفَةِ الغاية من المعرفة؟ هل مِنَ المُمكِن مَعرِفَة وسيلَةِ المَعرِفَة (العقل أو الحس أو الحدس أو التجربة أو المعرفة المطلقة، إلخ..)؛ فهذِهِ فلسفَة قريبة من التطلّعِ إلى المعرفة والعلم أكثر من الإنسانيّة والأخلاق والدينيّة.
فِي الوقتِ الحالي لا يُمكِن الاستغناءُ عَن الفلسفة مِن ناحِيَةِ ( العلم، والدين، والإنسانيّة، والأخلاقيّة، والفِكِر، والمَعرِفَة، والسياسة، والاقتصاد، والحياة، وطُرُقِ كسبِ المعرفة، إلخ... )، والتي لها دَورٌ كبير فِي حياتنا؛ بحيث أتاحَت لكلّ شخص القُدرَةِ على الوصولِ إلى الحقيقة مِن خِلالِ أشخاصٍ بَحثوا عنها وأصّلوها لنا، والفَلسَفَة مُرتَبِطَة مَعِ العلم والدّين بشكلٍ رئيسي، ولا يُمكن فَصلُها عَن بعضها البعض، لذلِكَ حتّى يستطيعَ الإنسان أن يصل إلى المعرفة والحقيقة والتقرّبِ إلى الله عليهِ أن يبحث عَنِ الحقيقة وقراءةِ الكتب والفلاسفة فِي مُختَلَفِ المَجالات.