الدعوة إلى سبيل الله تعالى
لقد كان همّ النبي صلى الله عليه وسلّم دعوة الناس جميعاً إلى الدخول بالدين الإسلامي، وكان صلى الله عليه وسلّم لا يترك طريقةً إلّا ويسلكها في سبيل توضيح الدين للمشركين، وقد كان يدعو دائماً لكبار المشركين وأقويائهم بالهداية ليعز الله تعالى الدين بهم ويزيد من قوة المسلمين ومَنعَتِهم أمام القبائل الأخرى.
وقد كان القرآن الكريم ينزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بين الحين والآخر، فالقرآن الكريم هو كلام الله تعالى الذي يوصل به تعاليم الدين الإسلامي للرسول صلى الله عليه وسلّم ليشرحها للناس، كما أنَّ الله عز وجل كان ينبه الرسول والصحابة من خلال الآيات لأي تصرّف غير مناسِب سواء من النبي صلى الله عليه وسلّم أم من الصحابة، لتصويب مثل هذه السلوكيات وبيان موضعها في الدين الإسلاميّ، ومن السور التي نزلت بسبب موقفٍ صدر عن النبي صلى الله عليه وسلّم سورة عبس.
سبب نزول سورة عبس
اتّصف النبي صلى الله عليه وسلّم بكل الصفات الكريمة التي تنزّهه عن النقص، ولكنه في النهاية بشرٌ قد يخطئ في بعض الأمور البسيطة والهيّنة والتي لا تنم عن أي نقصٍ فيه، ومنها صدوده عن الأعمى عبد الله بن مكتوم، الرجل الأعمى الذي لا يبصر ما حوله، فقد قدِم إلى النبي صلى الله عليه وسلّم وطلب منه أن يعلّمه أمور الدين، وكان النبي صلى الله عليه وسلّم يدعو كباراً من المشركين، وقد صد عنه النبي صلى الله عليه وسلّم مراراً وتكراراً، وكرر عبد الله بن مكتوم من غير علمٍ منه أن النبي مشغولٌ في دعوة المشركين، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلّم مهتماً بدعوة المشركين طمعاً في إسلامهم وهدايتهم، ولكنه مع إصرار عبد الله بن مكتوم عبس النبي صلى الله عليه وسلّم وتضايق، فنزلت السورة معاتبةً إياه على عبوسه، ومنذ ذلك اليوم أكرم النبي عبد الله بن مكتوم أحسن كرامٍ وكان يناديه دائماً "مرحباً بمن عاتبني فيه ربي".
روى الترمذي في جامعه ومالك في موطّئه وغيرهما من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: أُنزلت [عبس وتولى] في ابن أم مكتوم الأعمى، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول: يا رسول الله أرشدني، وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ويقبل على الآخر، ويقول أترى بما أقول بأساً، فيقول: لا، ففي هذا أنزل.
مواضيع سورة عبس
كما تحدثت السورة أيضاً عن أمور العقيدة الإسلاميّة التي ترسّخت في عقول وقلوب الصحابة، وتحدثت عن دلائل قدرة الله عز وجل التي تشير إلى وحدانيّته سبحانه وتفرّده بالعبادة، كما أنها تحدثت عن أهوال يوم القيامة وخصائص ذلك اليوم، وهذه المواضيع اختصت بها السور المكية بشكلٍ عام وذلك بسبب حاجة المسلمين في ذلك الوقت من الدعوة الإسلاميّة إلى كل ما يزيد من صبرهم وثباتهم على الدين.