كيف نحب الله ونشتاق إليه

كتابة - آخر تحديث: ١٥:٠١ ، ٢٧ يوليو ٢٠١٥
كيف نحب الله ونشتاق إليه

الحب

يعتبر الحب جزءاً من مشاعر الإنسان، ويعرف على أنّه معاملة تنبع من القلب، من خلالها يشعر الشخص بميله إلى الآخر، فيكون أثر هذا الحب ظاهرٌ في تعامل أحد الشخصين مع من يحب، فيأتي المحبّ على ذكر محبوبه بشكلٍ كبير، ودائماً ما يشتاق إلى رؤيته، ويأنس معه، ويتقرب إليه، بل ويغار عليه، ويحب من يحب محبوبه، ويكره من يكرهه، ويلبّي ما يأمره به، ويفدي نفسه من أجله.


هناك آثار عظيمة لمن يحب الله؛ حيث إنّ الذي يحبّه تعالى يذكره دائماً، ويأنس بقربه، ويؤنسه في وحشته، ويتقرّب إليه، ويهرع إلى طاعته، ويحرص دائمًا على رضاه، يغضب لأجل الله، ويغار على محارم الله، ويفرح بما يعطيه، ويشكره على ذلك، ويصبر على ابتلائه، ويبذل روحه وماله في سبيله.


كيفيّة حب الله

يقول بعض الناس أنا أحب الله كثيرًا، ولكن لا أشعر بجميع هذه الآثار، وأقول نعم في كل قلب مؤمن بالله حب الله، لكن هذا الحب لم يصل لدرجة سيطرة الحب على القلب وتملّكه إياه، قلبك الذي يحوي حب الله يمتلكه أيضًا حبٌ آخر وآخر، لذلك هناك من ينازع حب الله في قلبك، وذلك مثل: حبك لأولادك، وحبك لمالك، وحبك لنفسك، وحبك لزوجتك، وأنا لا أعني بذلك تجريد القلب من حبٍّ غير الله، لأن هذا لا يمكن، بل هو مستحيل على النفس البشرية التي فطرها الله على حب الأشياء، لكن المقصود أن يكون حب الله فوق كل حب.


ومثال على ذلك قوله سبحانه وتعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ) البقرة: 165، لذلك إن لم تزرع حب الله في قلبك لن تشعر بهذه الآثار، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)، وحتى يجد الإنسان المؤمن هذه الآثار العظيمة والخصال الزكية، يجب أن يكون حب الله أعلى من أي حب في قلبه.


معرفة الله سبيل المحبة

المعاملة تظهر على صورةٍ من صور المحبة، التي يتعامل بها الإنسان المؤمن مع خالقه، والمعرفة تعتبر من العوامل التي لها تأثيرٌ كبيرٌ في معاملة الله سبحانه وتعالى، وعندما تزداد المعرفة بالله، ترتقي درجة معاملة العبد لربّه، ويزداد حبًاروتوقيرًا له، وبالعكس فعندما يجهل العبد خالقه تظهر معاملته السيئة التي لا تليق به عزّ وجل، فنجده يخاف من الناس أكثر من خوفه لله، ويحب ممتلكاته أكثر من حبه لله، ويُجمّل نفسه لغيره من البشر، أكثر من تزيّنه لله.


إنّ عدم وجود هذه الآثار عند من يدعي محبة الله الكبيرة له آثار سلبية، منها: ابتعاد الناس عن الله سبحانه، وجهلهم بقدره خالقهم جل في علاه؛ حيث يقول الله سبحانه في سورة فصلت، آية (22،23): (وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ).


المعرفة الطيّبة

إنّ المعرفة النافعة لا تحاور عقول الناس فقط، فقد نرى الكثير من الأشخاص محترفين في حديثهم عن الله سبحانه، لكن تجد حياتهم وأفعالهم بعيدةً كل البعد عن الله سبحانه، فلا نرى منهم الخوف من الله ولا الخشية، يقول سبحانه وتعالى في سورة يونس آية (31) في مثل هؤلاء الناس: (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَن يُّخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُّدَبِّرُ الأمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ).


فلا بدّ من محاورة العقل والقلب، حتى تستقرّ المعاني العظيمة في النفس البشريّة وفي قلب الإنسان وتسيطر على مشاعره، فتواجد الأخلاق الإيمانيّة، والأفعال العظيمة في مناحي حياة العبد المؤمن؛ حيث يقول سبحانه وتعالى في سورة الحج آية (54) : (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا).


توطيد المحبة بالعبودية

العبودية الناضجة

ابدأ بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له).


إنّها مظاهر العبودية الصحيحة لله سبحانه وتعالى، فيعبد الإنسان ربه، وتسمو مشاعره نحو خالقه، مع ما يمرّ به من ظروف، فنجد العبد المسلم يتنقل بين الرجاء، والتقوى، والخوف، والقناعة، والفرح لكن العبودية غير الكاملة تتضمّن جزءاً أو أجزاءً بسيطة وتترك أخرى، ويجب الانتباه لأنّ هذا الأمر له سلبيات وأضرار كبيرة وانحرافات خطيرة.


التوازن

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو تعلمون قدر رحمة الله لاتكلتم وما عملتم من عمل، ولو علمتم قدر غضبه ما نفعكم شيء)؛ حيث إنّ الّذي يرجو شيئاً يطلبه، ومن خشي شيئاً يهرب منه، والواجب علينا نحن المسلمين أن نهرع إلى طلب رضا الله، ومحبته واللجوء إليه والاقتراب منه سبحانه، ونترك كلّ ما لا يرضيه، وبذلك نحقّق خصلة الفرار إلى الله سبحانه وتعالى.


أهمية الحب الصادق لله سبحانه وتعالى

كلما أيقن العبد أن الله سبحانه وتعالى يحبه، ينعكس ذلك على علاقته مع ربّه، فتزداد المحبة والشوق إليه سبحانه، وإذا غطى هذا الحب قلب العبد المؤمن، سوف تظهر ثمار عظيمة في تعامل العبد مع ربه، هذه الخصال الرائعة، من الصعب نيلها من غير الحب.


الحب هو الذي يخرج العبودية لله، ولا يستطيع أن يخرجها شيء غير الحب، لذلك فإنّ المحبّة هي أساس كل عمل ديني، فالّذي يرجو الله ويخافه يلجأ إليه لأنّه يحبه وليس لأنّه يخافه فقط. إنّ حقيقية ملة إبراهيم والتي هي أساس التوراة والإنجيل والقرآن، هي أن تحب الله سبحانه وتعالى بقلبك وعقلك ونيتك.


الرضى بالقضاء والقدر

يعلم الإنسان المسلم أن الله لم يخلقه ليعذبه، بل إن الله كرم بني آدم جميع على سائر الخلق، وجعل هذه الدنيا إختبار لهم، ليدخلهم الجنة، والخلود والنعيم الأبدي، لذلك فأن الله يمهد للإنسان الخير، حتى يوصله إلى جنة المأوى، وأن كل شيئ مؤلم حصل للإنسان، ما هي إلى سبيل يعبر من خلالها إلى الدار الآخرة الأبدية، يقول سبحانه وتعالى في سورة الزخرف، آية (48): (وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)


حب العبادة والمبادرة إلى فعلها

عندما يزداد حب العبد لله سبحانه يزداد فعله للطاعة وسرعة القيام بها، ويستمتع بذكره سبحانه، هذا الحب الذي يعمل على تخريج معنى اللجوء والشوق، والتعبير عن ذلك يكون من خلال العبادة والذكر والمنجاة لله وحده.


لا نعبد الله بالخوف وحده، بل إنّ الحب يحركنا إلى ذلك، كما حرّك كليم الله موسى عليه السلام، عندما قال: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى)، وهذا الذي جعل حبيبنا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول لسيدنا بلال بن رباح رضي الله عنه: (أرحنا بها يا بلال)، نعم هناك السعادة الحقيقية وشعور عظيم يكون في الحب لله، والمبادرة لطاعته، وذكره ومناجاته ،هذا الذي يطلق عليه (جنّة الدنيا)؛ هذه الجنة ليست صعبة المنال، لأنّ كل ما يلزمنا هو الحب الصادق لله.


قال أحد الصالحين: "مساكين أهل الدنيا، خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله تعالى ومعرفته وذكره".

1,505 مشاهدة