البيعة
انفردت الحضارة الإسلامية عن باقي الحضارات الإنسانية الأخرى، حيث قدمت وأبدعت في تقديم السائغ الميسور سواءً للمسلمين أو غيرهم وهو " نظام البيعة"، وما يلفت النظر أن جميع الحضارات السابقة لم تهتم أو تعرف مثل هذا النظام إطلاقاً.
تعني البيعة في اللغة: الطاعة والمبايعة، وبمعنى آخر يُقصد بها اشتراك الرعية في الأمور السياسية الحاكمة حتى ولو بالقليل منها، إلى أن هذه البيعة كانت من أهم خصائص النظام الإسلامي السياسي.
يمكننا تعريف البيعة على أنها طاعة الرعية للراعي أو الحاكم وتنفيذ ما يطلبه الراعي بالطريقة الصحيحة والمناسبة، ومنها سياسية الدين والدنيا بما يقتضي شرع الله تعالى، وما يلفت النظر في البيعة الإسلامية أنه لم يتم التفريق ما بين الناس سواءً رجالاً أم نساءً أو كباراً أو صغاراً، حيث يُعلّم الدين الإسلامي المسلمين ضرورة التشارك بينهم للارتقاء بأمتهم ومجتمعاتهم لأفضل حال.
شروط تحقيق البيعة
أقر الفقهاء المسلمون خمسة شروط لتحقيق البيعة، وتعتبر هذه الشروط معالم حضارية بمؤسسة الحكم الإسلامي، كون الغرض منها جلب المصالح للمجتمع الإسلامي، وشروط البيعة هي كما يلي:
- أن تتوفر في الشخص الذي ستتم المبايعة له كافة شروط الإمامة وهي شروط الخلافة.
- أن يكون المبايع له أهل الحلّ والعقد من الرؤساء والعلماء وجميع وجهاء الناس.
- أن يُجيب المبايع له إلى البيعة حتى ولو امتنع ولم تنعقد إمامته ولم يُجبر عليها.
- أن يتوفر شهود على المبايعة في حال كان الشخص المبايع واحداً، أما إذا كانوا جمعاً فلا يشترط الشهود لأن الجمع يكفي.
- أن لا تعقد البيعة لأكثر من شخص.
بيعة الصحابة للرسول
جاءت البيعة منذ بداية الحضارة الإسلامية، حيث بايع الصحابة الرسول عليه الصلاة والسلام أكثر من بيعة منها: بيعة العقبة الأولى وبيعة العقبة الثانية وبيعة الرضوان، وكانت أغلب طوائف المسلمين يبايعون الرسول، حيث بايعة العديد من الرجال وكذلك النساء وبأعداد لا يمكن حصرها من الرجال.
قام الإمام ابن الجوزي بإحصاء عدد النساء اللواتي بايعن الرسول فبلغن قرابة (457) امرأة، حيث بايعهن الرسول عليه الصلاة والسلام بالكلام ولم يصافح أية واحدة منهن، وكذلك بايع الرسول العديد من الأطفال مثل " عبد الله بن الزبير" والذي كان عمره في ذلك الوقت (7) أعوام فقط.
لأهمية البيعة ذُكرت في القرآن الكريم بأكثر من سورة ومنها قوله تعالي في سورة الفتح: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}، وما يدل على مبايعة الرسول للنساء قوله تعالى: {فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}