محتويات
اهتمام الإسلام باليتيم
اعتنى الإسلام بالأيتام، وحثَّ على ضرورة رعايتهم، وتأديبهم، والدُّفاع عنهم، والحفاظ على حقوقهم، والإحسان إليهم، إذ إنّ اليتيم يحتاج للعطف والحنان واللين ممّن حوله، كما يلزمه الإرشاد والتوجيه في حياته، ليخرج بصورةٍ حسنةٍ، متخلّقٍ بأسمى وأحسن الأخلاق والصفات، وقد نبّه الله -عزّ وجلّ- على ضرورة العطف على اليتيم في القرآن الكريم، فقال: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ)،[١] كما قال أيضاً: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ)،[٢][٣] كما وردت العديد من الأحاديث النبويّة الشريفة التي ترغّب وتحثّ على رعاية حقوق اليتيم، والعطف عليه، وكفالته، منها: ما أخرجه الإمام البخاريّ في صحيحه، عن سهل بن سعد الساعديّ -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (أنا وكافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذا وقالَ بإصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ والوُسْطَى).[٤][٥]
معنى اليتيم لغةً وشرعاً
بيان ما يُقصد باليتيم في اللغة والاصطلاح الشرعيّ فيما يأتي:
- اليتيمُ في اللغة: مصدره يتُمَ، يَيْتُم، يُتْماً، ويُطلق لفظ اليتيم على مَن فَقَد أباه قبل البلوغ،[٦] وأساس وأصل اليُتم الانفراد، والحاجة، والغفلة.[٧]
- اليتيمُ في الاصطلاح الشرعيّ: يُطلق لفظ اليتيم على مَن فَقَدَ أباه، بسِنٍّ صغيرةٍ؛ أي قبل سنّ البلوغ، استدلالاً بما ثبت عن عليّ بن أبي طالب -كرّم الله وجهه-: (لا يُتمَ بعدَ احتِلامٍ)،[٨][٩] وقد يُطلق لفظ اليتيم مجازاً على الرَّجل الذي فَقَدَ زوجته، أو المرأة التي فَقَدَت زوجها، وأكملا حياتهما برعاية الأطفال، وقضاء حاجاتهم، دون حاجةٍ للآخرين،[١٠] وقد حَفِظَ الله -تعالى- حقّ الأيتام، وأنزل تشريعاتٍ في ذلك، ووصّى بهم عباده، فقال -تعالى-: (وَاعْبُدُوا اللَّـهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ).[١١][١٢]
العناية باليتيم في القرآن الكريم
دلّت العديد من المواضع في القرآن الكريم على ضرورة الحرص والعناية باليتيم، بيان البعض منها فيما يأتي:[١٣]
- ضرورة حفظ مال اليتيم من الضياع، ومُحاربة أيّ عادةٍ قد تعود على اليتيم بالسوء والاحتيال، وقد اختصّ الله -تعالى- ذلك بقَوْله: (وَلا تَقرَبوا مالَ اليَتيمِ إِلّا بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ حَتّى يَبلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوفُوا الكَيلَ وَالميزانَ بِالقِسطِ لا نُكَلِّفُ نَفسًا إِلّا وُسعَها وَإِذا قُلتُم فَاعدِلوا وَلَو كانَ ذا قُربى وَبِعَهدِ اللَّـهِ أَوفوا ذلِكُم وَصّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَذَكَّرون)،[١٤] وقَوْله: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا).[١٥][١٦]
- جواز الوصاية على مال اليتيم، والتصرّف به بِما يحقّق المصلحة والخير له ولأهله، حتى يبلغ اليتيم سنّ الرُّشد، فقد بيّن الله -تعالى- ذلك بقَوْله: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ حَسِيبًا)،[١٧] وقَوْله -تعالى-: (وَلا تَقرَبوا مالَ اليَتيمِ إِلّا بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ حَتّى يَبلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوفوا بِالعَهدِ إِنَّ العَهدَ كانَ مَسئولًا).[١٨]
- مُراعاة مشاعر اليتيم، ومُلاطفته، والعطف عليه، وتجنّب إلحاق الأذى به، سواءً بالأقوال، أو الأفعال، فقد حّر الله -تعالى- عباده من الإساءة لليتيم بقَوْله: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ)،[١] وقَوْله: (كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ)،[١٩] وقَوْله أيضاً: (فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ).[٢٠]
- الحثّ على رعاية اليتيم، ونُصحه، وإرشاده، وتربيته على القيم والأخلاق الحميدة، قال -تعالى-: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).[٢]
- خدمة اليتيم، وقضاء حوائجه، فذلك من صفات خير النّاس وأصفاهم، وممّا يدلّ على سموّ منزلة اليتيم، فقد قال الله -تعالى- في قصّة نبيّه موسى -عليه السلام- مع الخضر: (وَأَمَّا الجِدارُ فَكانَ لِغُلامَينِ يَتيمَينِ فِي المَدينَةِ وَكانَ تَحتَهُ كَنزٌ لَهُما وَكانَ أَبوهُما صالِحًا فَأَرادَ رَبُّكَ أَن يَبلُغا أَشُدَّهُما وَيَستَخرِجا كَنزَهُما رَحمَةً مِن رَبِّكَ وَما فَعَلتُهُ عَن أَمري ذلِكَ تَأويلُ ما لَم تَسطِع عَلَيهِ صَبرًا).[٢١]
- تخصيص نصيبٌ من الأموال للأيتام، كما بيّنه الله -تعالى- بقَوْله: (وَاعلَموا أَنَّما غَنِمتُم مِن شَيءٍ فَأَنَّ لِلَّـهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسولِ وَلِذِي القُربى وَاليَتامى وَالمَساكينِ وَابنِ السَّبيلِ)،[٢٢] وقَوْله: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّـهَ بِهِ عَلِيمٌ)،[٢٣] وقَوْله أيضاً: (مَّا أَفَاءَ اللَّـهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّـهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).[٢٤][٢٥]
- أقرّ الشارع حقّ اليتيم في كتابه العزيز في كثير من المواضع؛ لِما قد يطرأ عليه من ظلمٍ، وعدم الرَّحمة والشَّفقة به، فضَمِنَ حقّه، وحَفِظَه من الضياع، وأنكر أي سلوكٍ قد ينتقص منه، قال -تعالى-: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ*فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ*وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ)،[٢٦] وقال: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا).[٢٧][٢٨]
- لم تخلُ مواضع القرآن الكريم من الآيات التي تُبرز حقوق الأيتام، والواجبات المُترتّبة على العباد تِجاههم، كما حذّر الله -عزّ وجلّ- في بعض الآيات القرآنيّة من إهمال حقوق الأيتام، أو عدم أدائها، والتقصير فيها؛ وذلك ممّا يدلّ على شموليّة الدِّين، وتكامله، ممّا يُساهم في بناء مجتمعٍ قويٍّ لا يُفرّق بين أحدٍ من أفراده.[٢٩]
المراجع
- ^ أ ب سورة الضحى، آية: 9.
- ^ أ ب سورة البقرة، آية: 220.
- ↑ محمد شلتوت (10-3-2013)، "الإسلام وعنايته باليتيم"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 12-7-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سهل بن سعد الساعدي، الصفحة أو الرقم: 6005، صحيح.
- ↑ مجموعة من المؤلفين (1404-1427هـ)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، صفحة 255، جزء 45. بتصرّف.
- ↑ أحمد عمر (2008م)، معجم اللغة العربية المعاصرة (الطبعة الأولى)، مصر-القاهرة: عالم الكتب، صفحة 2508، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ أحمد عمر (2008م)، معجم الصواب اللغوي دليل المثقف العربي (الطبعة الأولى)، مصر-القاهرة: عالم الكتب، صفحة 807، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 2873، صحيح.
- ↑ مجموعة من المؤلفين (1404-1427هـ)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 254، جزء 45. بتصرّف.
- ↑ أحمد حطيبة، شرح رياض الصالحين، صفحة 9، جزء 11. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 36.
- ↑ صالح فوزان (2006م)، شرح الأصول الثلاثة (الطبعة الأولى)، لبنان- بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 80. بتصرّف.
- ↑ عبد الحي يوسف، دروس الشيخ عبد الحي يوسف، صفحة 27، جزء 19. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنعام، آية: 152.
- ↑ سورة النساء، آية: 10.
- ↑ محمود غريب (1998م)، سُلَّمُ أَخْلاقِ النُّبُوَّةِ (الطبعة الثانية)، مصر-القاهرة: دار القلم للتراث، صفحة 168. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 6.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 34.
- ↑ سورة الفجر، آية: 17.
- ↑ سورة الماعون، آية: 2.
- ↑ سورة الكهف، آية: 82.
- ↑ سورة الأنفال، آية: 41.
- ↑ سورة البقرة، آية: 215.
- ↑ سورة الحشر، آية: 7.
- ↑ محمد عزة دروزة (1383هـ)، التفسير الحديث، مصر-القاهرة: دار إحياء الكتب العربية، صفحة 541، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة الماعون، آية: 1-3.
- ↑ سورة الإنسان، آية: 8.
- ↑ عائشة عبد الرحمن، التفسير البياني للقرآن الكريم (الطبعة السابعة)، مصر-القاهرة: دار المعارف، صفحة 186، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ إبراهيم القطّان، تيسير التفسير، صفحة 263، جزء 1. بتصرّف.