محتويات
تلمسان
تُعرف مدينة تلمسان الجزائريّة، والتي تُلقّب بلؤلؤة المغرب الكبير إحدى أهمّ المدن والعواصم عبر العصور، والتي شَهدت تاريخاً حافلاً لمعظم الحضارات والممالك التي استقرّت فيها، وما زالت آثار أغلب هذه الحضارات شاهدةً على إنجازاتهم حتّى يومنا هذا، لتكون اليوم في مقدّمة المدن السياحيّة في العالم، الغنيّة بآثارها، وبمزاراتها الطبيعيّة كمغارات عين فزة.
الموقع
تقع هذه المدينة في الجزء الشمالي الغربي من الدولة الجزائريّة؛ حيث يحدّها من الجهة الشماليّة البحر الأبيض المتوسّط، ومن الجهة الجنوبيّة تحدّها ولاية النعامة، وولاية عين تموشنت، وأيضاً ولاية سيدي بلعباس التي تحدّها من الجهة الشرقيّة، أمّا من الجهة الغربيّة فيحدّها المغرب الأقصى.
إنّ من فرط حبّ الإنسان لمسقط رأسه، يجعل منه أن يمجّد بلده ويحبّها لدرجة التقديس، ليحكي عنها أحياناً أحاديثَ ربّما ليست حقيقيّة، إلاَّ أنّه يراها عين الحقيقة ولبّها، ولعلّنا نفهم اعتراض ابن خلدون في كتابه "الخبر عن تلمسان"، حين رفض ادّعاء أهل تلمسان بأنّ بلدهم شهدت رحلة كلّ من الخضر وموسى عليهما السلام، وأنّه يوجد فيها جدار قد أقامه الخضر فيها، حيثّ بيّن بأنّه ليس إلاَّ أسطورةً مزعومة من صنع أهالي المدينة نتيجة لحبّهم لها.
تلمسان قبل التاريخ
سكن إنسان العصر الحجري المناطق القريبة من تلمسان؛ إذ دلّت الاكتشافات فيها على وجود أكثر من مئة كهفٍ، والتي تُعرف هذه المنطقة بقلعة الماردجدية؛ حيث وجد فيها بعض المعاول التي صقلها الإنسان القديم، وأيضاً وجد أكثر من ألفي قطعة تعود لإنسان العصر الحجري المتوسّط.
العهد الروماني – القرطاجي
تأسّس في عام مئتين وواحد للميلاد المركز العسكري الأوّل على الصخرة المطلّة على سهلٍ يُعرف باسم شتوان، وقد سمّي أيضاً ببوماريا؛ حيث كان لهذا المركز بداية ولادة المدينة، إذ سكن بالقرب منه مجموعة من البشر الذين بنوا بيوتهم في حواف قلعة بوماريا الجنوبيّة، وبُني سور ليحيط بهذه المدينة بشكل كامل، وله أربعة أبواب، إضافةً لبناء سوقٍ فيها ومخازنَ للأسلحة، وفي هذا العهد أصبحت هذه المدينة المقر الرئيسي للأبرشيّة الأسقفيّة الكاثوليكيّة، إلاَّ أنّها كانت أيضاً تجمع مزيجاً من الديانات إضافةً للمسيحيّة؛ حيث كان هنالك وجود واضح لليهود والوثنيين أيضاً.
إبان الدولة النوميدية
هي المملكة الأمازيغيّة التي تشكّلت في الجزء الشمالي من أفريقيا، والتي سيطرت فيها الأسرة المازيسوليا على هذه المنطقة، وشاركت في حروب عديدة كالحرب البونية الثانيّة، حيث تمّ التحالف بين هذه الأسرة وروما، لبسط الهيمنة على الجزء الشمالي من أفريقيا بشكل كبير.
العهدان الروماني والفتح الإسلامي
تُعتبر هذه الفترة غامضةً تاريخياً بالنسبة لتاريخ المغرب العربي، وذلك بحسب المؤرّخ فيكلكس إميل غوتييه؛ إذ إنّها كانت فترة فوضى وتجزئة سياسيّة، إضافةً لظهور إماراتٍ بربريّة محليّة حيث كان يتولّى إدارتها بعض السلاطين المحليّين.
العهد الإسلامي
يُعتبر برابرة مغراوة أوّل المتفاوضين مع القائد عثمان بن عفّان حين الفتوحات الإسلامية وظهور الإسلام، حيث قاموا بمساعدة القائد عقبة بن نافح أيضاً في الفتوحات التي قادها، وبعد أن بدأت الدولة الأمويّة نتيجةً لسقوط الخلافة الراشدية تمّ إرسال معاوين بن خديج السكوني من قِبَل معاوية بن أبي سفيان إلى مصر ليفتح أفريقيا، ومن ثمّ تمّ إرسال عقبة بن نافع ليتولّى ذلك، ومن ثمّ يزيد بن معاوية أبو المهاجر دينار حيث كانت ولايته على أفريقيا كاملة.
إنّ رئاسة البربر كانت في تلك الفترة لكسيلة، والذي أسلم مع قدوم الفتح، ومن ثمّ عاد وارتدّ عندما تولّى أبو المهاجر الرئاسة، ليُهزم عند عيون تلمسان، ولما تمّ الفتح الإسلامي للمنطقة، وتمّ إيقاف حدود الدولة العبّاسية عند حدود وادي شلف، أسّست دولة في إقليم تلمسان والتي عُرفت بدولة أبي قرة اليفرني، والذي تزعّم الإمامة هناك.
بنو يفرن
كانت في هذه الفترة وتحديداً قبل أن يصل الأمويين منطقة تلمسان تتبع لقبيلة زناتة والتي كانت مؤلّفةً من مغراوة والمتكوّنة التي تضم بني يفرن، حيث قام أبو قرة في عام سبعمئة وسبعة وستين للميلاد بتزعّم قبيلته في تلمسان وهي بني يفرن، ومن ثمّ قام بتوحيد كلّ قبائل المغرب الخارجيّة تحت لوائه، وقام بثورةٍ كبيرة ضدّ الأمويين نتيجةً لجشع الأمراء والضرائب الهائلة الّتي كانت تفرض على السكان واضطهادهم، وكان ذلك أيّام هشام بن عبد الملك، وأيضاً أسّس مدينة أغادير عام سبعمئة وتسعين للميلاد على أنّها عاصمة الدولة الصفرية الخارجية؛ حيث تمّ بناؤها على أنقاض المدينة الرومانية بوماريا، إلى أن أتى المولى إدريس الأوّل إلى أغادير، والذي هو من سلالة علي.
الدولة الإدريسيّة
أسّس هذه الدولة إدريس بن عبد الله بن الحسن، وهو أحد القادة العلويين الذي قاد حرباً مع العبّاسيين في الحجاز ونجا منها؛ إذ إنّه ذهب إلى مصر ومعه راشد أحد مرافقيه، حيث وصلا إلى مدينة تلمسان عام سبعمئة وستة وثمانين للميلاد، ومن ثمّ اتّجها إلى الغرب، وهناك تمّت مبايعة إدريس بالخلافة عام سبعمئة وثمانية وثمانين للميلاد، لتدخل في دعوته هذه عدّة قبائل، وهي قبيلة زناتة وقبيلة زواغة، وأيضاً قبيلة لماية، وقبيلة زواوة، إضافةً لقبيلة غياشة وقبيلة مكناسة، وأيضاً قبيلة غمارة.
لم يأتِ عام سبعمئة وتسعة وثمانين إلاَّ أن قام محمد بن خرز وهو ملك أغدير بتقديم هذه المدينة دون قتالٍ لإدريس الأوّل باعتباره الملك الجديد، فكان أوّل عملٍ يقوم به الملك إدريس هو بناء أوّل المساجد هناك عند معبد أوسليفا، وعندما عَلِمَ إدريس بما يُحاك ضدّه من مؤامرة من قِبَل العبّاسيين عين أخيه سليمان حاكماً على مدينة أغادير، بينما قُتل هو أثناء توجّهه لمدينة فاس.
واستمرّ حكم الأدارسة لهذه المدينة من القرن التاسع حتّى القرن العاشر؛ حيث قام الملك إدريس الثّاني بإصلاح المسجد فيها عام ثمانمئة وأربعة عشر للميلاد، ومكث فيها سنوات ثلاث، كانت كفيلة ببسط نفوذه بشكل كامل على زناتة، وأعطته هذه البلاد كلّ الثقة ليحكم عليها، فولّى ابن عمّه عليها وهو محمد بن سليمان بن عبد الله، ليستمرّ حكمه هذه العائلة على تلمسان وكلّ المناطق التي تجاورها، حتّى تمّت السيطرة عليها من قِبَل الفاطميّين الذي بسطوا سيطرتهم على كامل المغرب الأوسط عام تسعمئة وثمانية للميلاد؛ حيث تمّ إخراج أبناء محمد بن سليمان من المدينة، ليتوجّهوا إلى الأندلس حيث الأمويين.
الدولة الفاطميّة
ما أن أفلت الأسرة الإدريسيّة، حتّى كانت مدينة أغادير بإمرَةِ المغراوة والذين هم من بني خزر، وأيضاً بإمرَةِ بني يفرن والذي كان يعلى بن محمد رئيساً عليها؛ حيث قام بتوحيد هاتين القبيلتين تحت عباءة عبد الرحمن الناصر الخليفة الأموي في بلاد الأندلس، والذي عمل على أن يصدّ أطماع الفاطميين في المنطقة وخاصّةً رجالها الزيريين، وبذلك أصبحت منطقة غرب الجزائر وأيضاً المغرب الأقصى كاملاً تحت سيطرته، فجعل مدينة فاس هي العاصمة له عوضاً عن تلمسان، إلاَّ أنّ تلمسان خرجت عن سيطرته بعد أن قتل القائد الفاطمي جوهر الصقلي يعلى بن محمد.
قامت أحداثٌ عديدة في هذه الفترة، إلى أن كان عام تسعمئة وثلاثة وسبعين إبّان حكم الفاطميين والذين تبعوهم من الزيريين؛ حيث نفوا ما يُقارب عشرة آلاف نسمة من سلكان منطقة تلمسان إلى منطقة أشير الواقعة في الجنوب الجزائري، فما كان من هذه الجموع إلاَّ أن قاموا ببناء مدينة لهم تحمل اسم تلمسان، واستمرّوا هناك حتّى جاء المرابطون برفقة القبيلة الصحراوية والتي تُعرف بلمتونة.
الدولة المرابطية
بدأ حكم المرابطين في هذه المنطقة منذ عام ألف وتسعة وستين للميلاد، ويعود أصلهم إلى قبيلة لواتة البدوية، والذين هم من البربر الجنوبيين في صنهاجة، وكان قائدهم هو يوسف بن تاشفين، وقد قام بمحاصرة مدينة أغادير عام ألف وواحد وثمانين للميلاد، وبالتالي قام ببناء مدينة عُرفت باسم تقرارت والتي تعني المعسكر، وما أن سنحت له الفرصة بدخول أغادير حتّى عَمِلَ على قتل جميع القائمين والسادة في زناتة، وامتدّت دولة المرابطية من المحيط الأطلسي حتّى وصلت إلى الجزائر، ومن ثمّ استطاعوا أن يسيطروا على الأندلس ككل، وذلك إثر انهيار الخلافة في قرطبة، وتحديداً عندما ظهر ملوك الطوائف هناك.
الدولة الموحدية
لم يتوانَ المهدي ابن تومرت أن بسط نفوذه على دولة المرابطين إثر ضعفها، وخلفه من ثمّ البربري عبد المؤمن والذي هو في الأصل من منطقة تلمسان، حيث عَمِلَ على صدّ انتشار الإسبان في بلاد الأندلس، وقام بتوحيد المغرب العربي، ومن ثمّ دخل عبد المؤمن إلى تلمسان عام ألف ومئة وخمسة وأربعين للميلاد بعد أن تمكّن من تدمير كافة أسوارها، وبذلك أصبحت عاصمة مملكته الشرقيّة.
بنى الموحّدون العديد من القصور والقلاع والمنازل وأيضاً الفنادق، وأيضاً قاموا بضرب عملة خاصّة بهم، ونشطت في هذه الفترة التجارة، فما كان من بني عبد الواد إلاَّ أن أطاعوا الموحّدين لينالوا حقّ الاستيطان وتحديداً في وهران ليصلوا حتّى تلمسان، ونتيجةً لمعاضدتهم للموحّدين كانوا يتقاضون مالاً ونفوذاً، فما كان من الموحّدين حين ضعفت قوّتهم إلاَّ أن جعلوا من تلمسان مكاناً خاصّاً ببني عبد الواد.
دولة بني عبد الواد
تُعرف أصول هذه الدولة بأنّها إحدى القبائل التابعة لبطون زناتة، والذين كانوا يشغلون أحد الأقاليم التي تُعرب بالزاب بمنطقة قسنطينة، ويُذكر بأنّهم كانوا قد شاركوا قديماً حملة عقبة بن نافع الثّانية على الأوراس، وقام الخليفة الموحّدي أبو العلاء إدريس المأمون عام ألف ومئتين وثلاثين للميلاد، بأنّ ولّى جابر بن يوسف حاكماً على تلمسان، ومن بعده خلف الحكم لابنه الحسن، إلاَّ أنّ أهالي تلمسان ثاروا عليه وتمّ خلعه من الحكم، ليكون زغوان بن زيان بن ثابت عمّه هو الحاكم الجديد عليها، والذي تمّ قتله في صراعٍ نشب بين قبائل بني عبد الوادي، ليكون أخوه يغمر اسن بن زيان هو الحاكم التالي، والّذي جعل من مدينة تلمسان مقراً وقاعدةً له، وخلف الحكم من بعده ابنه أبو سعيد عثمان بن يغمراس بن زيان الذي كان مقداماً في الدّفاع عن بلده، لتستمرّ فترة حكم بني عبد الواد بكثير من الأحداث إن كانت تطويريّةً للبلاد أو توسعيّة.
العهد العثماني
كان الوجود العثماني في هذه المنطقة نتيجةً لطلب من الجزائريين المساعدة في مؤازرتهم لصدّ الاحتلال الإسباني لبلادهم؛ حيث جاء بربروس عروج، وخير الدين، وإسحاق، ليتمكّنوا في أوّل الأمر من بسط سيطرتهم على مدينة جيجل، وأيضاً مدينة الجزائر، ومن ثمّ تقدّموا إلى تلمسان، وبعدها إلى بسط نفوذهم في أرجاء البلاد، فكانت هذه الفترة فترة ركود وتدهور وما إلى هنالك من انحطاط وتراجع شهدته البلاد.
الاستعمار الفرنسي
عند دخول الفرنسيين إلى المدينة قام أعيان من منطقة تلمسان بالاتصال مباشرةً مع السلطان المغربي وذلك من أجل الاحتماء به، وكان ذلك بين عامي ألف وثمانمئة وأربعة وثلاثين حتّى عام ألف وثمانمئة وستة وثلاثين، وكانت السنة التي تليها هي الفترة التي كانت المقاومة في أوجها، ولم تنته المقاومة إلاَّ بمعاهدة عام ألف وثمانمئة وسبعة وثلاثين والتي تُعرف بمعاهدة التافنة، والتي جرت بين كلٍّ من الأمير عبد القدر والاستعمار الفرنسي؛ حيث كان الأمير عبد القادر مُقيماً في مدينة تلمسان مدّةً طويلةً محتمياً في قلعتها، وقد كان مصطفى بن التهامي وهو خليفة الأمير مسؤولاً عنها.
استطاع الفرنسيون احتلال تلمسان وجعلوا من القصر الملكي ثكنةً عسكريّة لهم، إلاَّ أنّ الفرنسيين عملوا على إعمار هذه المنطقة وترميم أسوارها، وبناء الساحات، وأنشَؤوا سكّةً حديديّة فيها، كما دمّر سوق القيصريّة فيها، وبنوا عوضاً عنه سوقاً مغطاة، ناهيك عن البنوك والتي أنشِئت فيها.