ما هو عالم البرزخ

كتابة - آخر تحديث: ٤:٠٥ ، ٢١ أبريل ٢٠١٦
ما هو عالم البرزخ

ما هو عالم البرزخ

إنّ البرزخ في اللغة يعني الحاجز بين الشّيئين، وقال في القاموس:" الحاجز بين الشّيئين، ومن وقت الموت إلى القيامة، ومن مات دخله "، والبرزخ هو الفترة الزّمنية التي تمرّ على كلّ شخص ميّت، سواءً أكان مسلماً أو كافراً، أو صالحاً كان أو طالحاً، ويجري خلالها فتنة القبر، وهي سؤال الملكين، ثمّ يأتي بعد ذلك النّعيم أو العذاب، ثمّ الدّور ثلاث، وهي: دار الدّنيا، ودار البرزخ، ودار القرار.

والحياة في البرزخ تكون مغايرةً للحياة في الدّنيا، وللروح فيها تعلق بالبدن، وإن فارقته في وقت، ردّت إليه في وقت آخر، مثل وقت السّؤال، أو النّعيم أو العذاب، وعند سلام المسلم عليه، ولا يعلم حقيقة هذه الحياة وكيفيّتها إلا الله، والمسلم سواءً أكان عاصياً أم لا فإنّه لا بدّ أن يمرّ في مرحلة البرزخ، ويكون فيها إمّا منعماً أو معذّباً حتى يبعثه الله سبحانه وتعالى. (1)


اجتماع الأرواح في البرزخ

إنّ أرواح المؤمنين تلتقي في حياة البرزخ جماعاتٍ للتعارف، وهذا اللقاء لا يشبه اللقاء في الحياة الدّنيا أو التعارف فيها، حيث أنّ أحكام حياة البرزخ تختلف اختلافاً تامّاً عن أحكام الحياة الدّنيا، بل هي تقع في عالم الغيب الذي لا يعلم حقيقته وماهيّته إلا الله عزّ وجلّ، وهناك أقوال عديدة لأهل العلم في مستقرّ الأرواح بعد الموت، حيث حكاها الإمام ابن القيّم في كتابه الرّوح، وقد رجّح أنّه لا يوجد لها مكان معين، بل إنّ لها عدّة أماكن، فمنها على سبيل المثال ما يكون على أفنية القبور، ومنها ما يكون في الجنة، ومنها ما يكون محبوساً على باب الجنّة، ومنها ما يتنقل، وعلى هذا الشّكل، ومع ذلك فإنّه لا يوجد أيّ مانع في أن تلتقي الرّوح التي في الجنّة مع الرّوح التي تكون على فناء القبر، وذلك لأنّ الأرواح لها خواص متعلقة بها، ومهي مختلفة بأحكامها عن مقاييس البشر.

والدّليل على ذلك أنّ أرواح الأموات تلتقي مع أرواح الأحياء، وذلك أنّ الأموات في الآخرة والأحياء في الحياة الدّنيا، ومع ذلك فلم يمنع هذا أن تلتقي أرواحهم، كما قال الله سبحانه وتعالى:" الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون "، الزمر/42.

قال ابن كثير:" وفيه دلالة على أنّ الأنفس تجتمع في الملأ الأعلى: كما ورد في الصّحيحين عن أبي هريرة، عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال:" إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفضه بداخلة إزاره، فإنّه لا يدري ماخلفه عليه، ثمّ ليقل: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فأرحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين "، وقال بعض السّلف:" يقبض أرواح الأموات إذا ماتوا وأرواح الأحياء إذا ناموا، فتتعارف ما شاء الله أن تتعارف ". (2)


عذاب القبر ونعيمه

إنّ عذاب القبر أو نعيمه يكونان للروح والبدن معاً، وقد نُقل على ذلك اتفاق أهل السّنة، حيث قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى:" بل العذاب والنّعيم على النّفس والبدن جميعاً، باتفاق أهل السنّة والجماعة، تنعم النّفس وتعذّب منفردةً عن البدن، وتعذّب متصلةً بالبدن، والبدن متصل بها، فيكون النّعيم والعذاب عليهما في هذه الحال مجتمعين، كما يكون للروح مفردةً عن البدن "، وقال أيضاً:" وإثبات الثّواب والعقاب في البرزخ ما بين الموت إلى يوم القيامة: هذا قول السّلف قاطبةً وأهل السنّة والجماعة، وإنّما أنكر ذلك في البرزخ قليل من أهل البدع ".

وهناك أدلة عديدة على إثبات عذاب القبر، ومنها المتواتر، فأمّا الدّليل على أنّ النّعيم والعذاب يلحقان الرّوح والبدن معاً، فمنه:

  • ما ورد في الصّحيحين ومسند أحمد وأبي داود والنّسائي، من حديث أنس أنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال:" إنّ العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه، حتى إنّه يسمع قرع نعالهم أتاه ملكان، فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرّجل؟ - لمحمد - فأمّا المؤمن فيقول: أشهد أنّه عبد الله ورسوله، فيقال: انظر إلى مقعدك من النّار قد أبدلك الله به مقعداً من الجنّة، فيراهما، ويفسح له في قبره سبعون ذراعاً، ويملأ عليه خضراً إلى يوم يبعثون. وأمّا الكافر أو المنافق فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرّجل؟ فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقول الناس، فيقال له: لا دريت ولا تليت، ثمّ يضرب بمطارق من حديد ضربةً بين أذنيه، فيصيح صيحةً يسمعها من يليه غير الثّقلين، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه "، وأمّا قوله صلّى الله عليه وسلّم:" يسمع قرع نعالهم - فيقعدانه - ضربة بين أذنيه - فيصيح صيحة - حتى تختلف أضلاعه "، هذه كلها أدلة على دليل واضح على شمول الأمر للروح والجسد.
  • ما رواه الترمذي من حديث أبي هريرة، وذلك بسند حسن أنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال:" إذا قبر الميت أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما: المنكر، وللآخر: النكير، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرّجل، فيقول: ما كان يقول: هو عبد الله ورسوله، أشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله، فيقولان: قد كنّا نعلم أنّك تقول، ثمّ يفسح له في قبره سبعون ذراعاً في سبعين، ثمّ ينور له فيه، ثم يقال: نم. فيقول: أرجع إلى أهلي فأخبرهم. فيقولان: نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحبّ أهله إليه، حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك، وإن كان منافقاً قال: سمعت النّاس يقولون قولاً فقلت مثله، لا أدري، فيقولان: قد كنّا نعلم أنّك تقول ذلك، فيقال للأرض: التئمي عليه، فتلتئم عليه، فتختلف أضلاعه، فلا يزال فيها معذباً، حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك "، فأمّا قوله:" فتلتئم عليه فتختلف أضلاعه "، فهو تصريح في ذلك. (3)


المراجع

(1) بتصرّف عن فتوى رقم 2602/ الحياة في البرزخ ./ 13-6-2000/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net

(2) بتصرّف عن فتوى رقم 15281/ أقوال أهل العلم في مستقر ولقاء الأرواح بعد الموت/13-4-2002/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net

(3) بتصرّف عن فتوى رقم 4314/ عذاب القبر ونعيمه يلحقان البدن والروح/ 11-6-2000/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net

2,024 مشاهدة