المتأمّل في هذه الحياة الدّنيا على قصر مدّتها و تقلّب أحوالها ، و ما يعانيه النّاس فيها من التّعب و النّصب يدرك في قرارة نفسه أنّها زائلةٌ و أنّ بعدها حياةٌ خالدةٌ ، فالدّنيا امتحانٌ قصيرٌ قد أعدّه الله سبحانه لعباده فمن اجتازه أفلح و نجى و من فشل فيه خاب و خسر ، و لا ريب أنّ إدارك ذلك الأمر في قلب المؤمن و عقيدته هو ما يجعله ثابتٌ على دينه فهو يعلم أنّ الله لم يخلق الدّنيا عبثاً و إنّما خلقها لحكمة ٍ بالغة ، قال تعالى في وصف عباده المتقين ( الذين يذكرون الله قياماً و قعوداً و على جنوبهم و يتفكّرون في خلق السّموات و الأرض ، ربّنا ما خلقت هذا باطلاً ، سبحانك فقنا عذاب النّار ) .
فالذّكر له آثارٌ عجيبةٌ في نفس المؤمن و تهذيبها بل و في بثّ روح الطّمأنينة فيها ، فالمؤمن حين يذكر الله كأنّما يخاطب الله سبحانه مجدداً صلته به مقوياً لها ، و في الحديث أنّ الشّيطان حين يعقد على رأس المؤمن ثلاث عقدٍ تنحلّ إحداها بذكر الله سبحانه و تعالى .
فعندما يردّد المؤمن كلمة التّوحيد و يقول لا إله إلا الله فأنّها تزرع في قلبه شعوراً و يقيناً لا تهزّه الرّياح بأنّ الله سبحانه هو مالك أمره و مالك أمر الخلق جميعاً ، و هو الموكل بأمور العباد و المتكفّل برزقهم و معاشهم و هو سبحانه الذي يشملهم برحمته حين تدلهم بهم الخطوب و المحن ، فلا يدعو العبد و لا يرجو إلا ربّه فهو وحده الإله و هو أهل الرّجاء .
و حين يذكر العبد ربّه بالتّسبيح فيقول سبحان الله فإنه ينزّه عن النّواقص التي تعتري البشر ، و حين يحمد الله يرضى بما كتبه الله له و في قرارة نفسه يعلم بأنّ الله قد ربط الحمد بزيادة الرّزق و السّعة .
و المؤمن حين تحلّ به مصيبةٌ أو جزعٌ أو حزنٌ تراه يردّد إنّا لله و إنّا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي و أخلفني لي خيراً منها ، فيهدأ باله و يطمئن بأنّ الله سوف يعوّضه خيراً في أهله و ماله .
و حين يقول العبد حين يُظلم حسبي الله و نعم الوكيل يعلم يقيناً أنّها أمضى سلاحٍ في مواجهة الظّلم و الظّالمين ، فالله غالبٌ على أمره و قد جعل العاقبة للمتّقين .