سورة الذاريات
سورة الذاريات نزلت في مكة، أي أنّها سورة مكية، وعدد آيات هذه السورة هو ستون آية، و موقعها من حيث أجزاء القرآن الكريم نهاية الجزء السادس والعشرين وبداية الجزء السابع والعشرين، وهي لا تعتبر من طوال السور، كما أنّها السورة الوحيدة التي جاء فيها اسم الرزاق في القرآن الكريم.
الذاريات هي الريح في السماء، وهي ريح خفيفة، أي ليست بقوية لتُفسِد، وقد بدأ الله عز وجل أول آية بسورة الذاريات بأن أقسم بالذاريات، ثم الحاملات، ثم المقسمات، والحاملات هنا هي السحب أو الغيوم التي تحمل الأمطار، والمقسمات هي التي توزع هذه الغيوم في السماء، إذاً الموضوع الذي ستتحدث عنه السورة هو الرزق.
وكون الرياح ستحرّك الغيوم، بالنتيجة ستأتي هذه الأمطار، وعليه فإن وعد الله بأن يرزق عباده هو وعد حق، وهو أمر واقع، وحاصل، ثم يقسم الله عز وجل مرة ثانية بالسماء ذات الحُبك، أي الطرق والمسالك المختلفة التي تصنعها الغيوم بفعل الرياح، وهذه المسالك المختلفة تماثل وتشابه اختلافات الناس في قضية الرزق، فبعضهم يصدق وبعضهم الآخر يشك في المسألة.
وهمّ الرزق هو من أكثر القضايا التي شغلت الإنسان، حتى أنها شغلته عن الرزاق، وذلك أن الإنسان التفت إلى رزقه، وكيفية الحصول عليه، ثم نسي العبادة والتوجه إلى الله الرزاق، والرزق المقصود في هذه السورة هو كل شيء بالحياة، وليس فقط المال، بل الزواج، والوظيفة، والحمل، والنجاح، والشفاء، وجميع أمور الإنسان بيد الله عز وجل، فالسورة توجه رسالة عامة لمن ضيّعوا من أجل الرزق أكبر سبب في الرزق.
وتتعدد الرسائل الأخرى في سورة الذاريات، وأهمّها رسالة (إنّما توعدون لصادق)، أي إنه على الإنسان أن يبقيَ قلبه معلقاً بالله تعالى في الرزق، والنجاح والشفاء، وفي كل شيء، لأن وعد الله حق، وصادق، أي إن عبَد الإنسان ربه حق عبادته، وأيقن وصدق مسألة الرزق التي هي بيد الله عز وجل، سيرزقه الله من حيث لا يحتسب، لأن الله هو الرزاق.
ثم رسالة (ففروا إلى الله)، ولا تتباطأوا في الانطلاق إلى الله، أي عندما يتوجه المسلم بقلبه إلى الله عز وجل، فإنه يفر إليه من الضنك إلى السعادة، ومن الفقر إلى الثراء، ومن عقوبته لمعافاته ومن النار إلى الجنة، والسورة هنا تكلم كل إنسان مشغول على رزقه، وكل من حارب الرزاق، ونسيه، ونسي أهم أسباب الرزق، ونسي رزق الجنة، وكل من أغضب الرزاق من أجل الرزق، فهي سورة تكلم الجميع، وتقول بأن الله هو الرزاق ذو القوة المتين.