الحجاب في الإسلام
كرَّم الإسلام المرأة وصانها من كلِّ ما يمكن أن يُهينها أو يمسَّ بها في ظلّ المجتمعات التي لا تعرف إلّا ذاتها، ولا تُقدِّس حُرماتها، فقد نزل الإسلام حين جاء على أمّةٍ أبعد ما تكون عن مظاهر التَّديُّن، بل كانت تلك المجتمعات تَعتبرُ المرأةَ سلعةً تُستخدم كأيّ سلعة في الحياة، وعندما يُستغنى عنها تُباع رخيصة لا قيمة لها، إلّا أنّ الإسلام حفظ للمرأة مكانتها السامية، ووضعها في منزلتها الصحيحة؛ فاعتنى بها، وأوجد الحقوق والواجبات التي يجب عليها السعي لتحصيلها وتحقيقها، ولكي تكتمل كرامة المرأة وتزداد قديستها، وحتى تنال تلك المنزلة الرفيعة التي أعطاها إيّاها الإسلام، فقد كُلِّفت ببعض الأوامر التي تختلف في طبيعتها عما يُكلَّف به الرجال؛ لما في المرأة من اختلاف في الطبيعة، والشكل، والميل إلى العاطفة دون العقل، وأوجب عليها الالتزام بتلك الأوامر؛ حتى يحفظ المجتمعات من الانحراف والفساد، فإذا التزمت المرأة بتلك الأوامر، أضحت كالملكة تتربّع على عرش الكرامة، ومتى خالفت ما أمرها الله به انتفَت عنها الكرامة وعادت كما كانت سلعةً لا أكثر، فمنشأ الكرامة للمرأة ومرتعها من دينها وبدينها؛ فالدين هو الذي يحفظ حقوقها، وفيه الحماية التامّة لها.
معنى لباس المرأة
يُراد بلباس المرأة ما تكتسي به وتتحجَّب به عن الناس، والحجاب من الأمور التي تحوي عدداً من المعاني، ويتمُّ تحديد معناه الدقيق بناءً على موضعه في الجملة، أمّا الحجاب الذي هو موضوع هذه المقالة فبيان معناه على النحو الآتي:
- الحجاب لغةً: مصدر حَجَبَ يَحجُبُ حَجباً وحِجاباً، ويُقصَد به السِّتر والتغطية، والحِجَابُ: هو الشيء السَّاتِر، وحِجابُ القَلْبِ: هو غِلافٌ يَحْجُبُ ويَستر بَيْنَ القَلْبِ وَالبَطْنِ، ويُقال: أَزالَتِ المرأة حجابها عَنْ وَجْهِها: إذا رفعت النِّقابَ أو الخِمارَ، وتكلَّمت من وراء حِجاب: أي مِنْ وَراءِ ساتر.[١]
- الحجاب اصطلاحاً: يُقصَد به ما تَستُر به المرأة جميع جسدها وتخفي من خلاله زينتها، بما لا يسمح للأجانب عنها الذين يَحرُم عليهم رؤيتها بالاطِّلاع على جسدها، أو رؤية ما يظهر من زينتها ممّا قد يفتنهم بها، ويمكن أن يكون الستر باللباس فيُسمَّى حِجاباً، أو بالبيوت والمنازل ويُسمَّى كذلك حِجاباً، والحِجاب ما يَسترُ جميع البَدَن لا مُجرَّدَ جزءٍ منه.[٢]
كيفية لباس المرأة
أجمع علماء الأمة الإسلامية على أنّه يجب على المرأة المسلمة أن تكتسيَ بالللباس الإسلاميّ الذي أمرها به الله -عزَّ وجل- امتثالاً لأمر الله، وصيانةً لها، وحِفظاً لكرامتها، وفي ما يأتي كيفية وصفات اللباس الذي ينبغي على المرأة المسلمة ارتداءه والاكتساء به حتى تكون مُحتشِمةً مُلتزِمة بأمر الله ورسوله:[٣][٤]
- أن يكون الحجاب ساتراً لجميع الجسم: ينبغي أن يكون الحجاب مُنسدِلاً على جميع الجسم ساتراً له، لا يُظهِرُ مواضع الفِتنة في جسد المرأة أو تفاصيلها، ويُستثنى من ذلك وجه المرأة وكفَّيها؛ حيث إنّ في وجوب تغطيتهما أو عدمه خلافاً ظاهراً بين العلماء، أمّا دليل وجوب ستر جميع بَدن المرأة فمأخوذٌ من قول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ).[٥]
- أن لا يُتَّخَذ الحجاب بنفسه زينة: فيجب أن لا يكون حجاب المرأة - لباسها - زينةً يُفتتَن به الرجال؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى نهى نساء المؤمنين من المؤمنات أن يُبدين زينتهنّ، فيجب أن يكون الحجاب ساتراً للزينة لا مصدراً لها، قال تعالى: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ)[٦]؛ والمراد بالآية أنّه لا يجوز للمرأة أن تُظهر شيئًا من زينتها لمن لا يَحرُم عليها من الرجال، ما لم يكن بإمكانها أن تُخفيَه من الزينة كالوجه والكفين، ويصدق ذلك على جميع ما يمكن أن يكون زينةً ظاهرةً في المرأة قد يفتتن بها الرجال.
- أن لا يشفَّ ويُظهر ما تحته: فيجب أن يكون حجاب المرأة مُعَدّاً بحيث لا يُظهِرُ ما تحته من اللباس أو الجسد؛ لأنّ المقصود بالحجاب السِّتر، فإذا أظهر ما تحته لم يكن ساتراً؛ وبالتالي انتفى المقصود منه فلم يكن حِجاباً أصلاً.
- أن يكون فضفاضاً: إذ ينبغي أن يكون الحِجاب فضفاضاً لا ضيّقاً يَصِف جسد المرأة ويُظهرُ مفاتنه؛ فالقَصد من الحِجاب مَنع الفِتنة، ومَنع اطِّلاع الرجال على تفاصيل جسد المرأة الذي يكون الأصل فيه السِّتر، فإن ظهرت تفاصيله بالحجاب فإنّ الحجاب لن يؤدّي المقصود الذي وُجِدَ لأجله؛ وبالتالي لن يكون حجاباً شرعيّاً؛ لتحقُّق الفِتنة مع وجوده وهو ما يجب أن لا يكون، ودليل ذلك ما ورد من رواية أسامةُ بن زيد -رضي الله عنه- قال: (كساني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبطية كثيفة كانت مما أهدى له دِحْيَةُ الكلبي فكسوتها امرأتي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : مالك لا تلبس القبطية؟ فقلت: يا رسول الله! كسوتها امرأتي، فقال: مرها أن تجعل تحتها غلالة فإني أخاف أن تصف حجم عظامها).[٧]
- أن لا يكون الحجاب مُعطَّراً: فيجب أن لا تتعطَّر المرأة أو تتبخَّر في نفسها أو حجابها بحيث يَجد الرجال رائحته أو رائحتها فيُفتَتنون بها، وقد نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- النساء من التعطُّر إن خرجن من بيوتهنّ، وحذَّر من ذلك فقال: (أيُّما امرأةٍ أصابَت بَخورًا، فلا تَشْهَدْ معَنا العِشاءَ الآخِرةَ)،[٨] فمنَع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- المرأة التي تتبخَّر من حضور الصلاة، فكيف إن أرادت الخروج إلى الأسواق أو غيرها وهي مُتعطِّرة، كما وَصف النبي -صلى الله عليه وسلَّم- المرأة التي تتعطَّر وتخرج من بيتها بالزانية، وهو من أشدِّ الأحاديث الواردة في هذا المجال.
- أن لا تتشبَّه بالرجال: يجب أن يكون حجاب المرأة مُخالفاً للباس الرجال من حيث الهيئة والشكل، ويَحرُم عليها لبس ما يشابه لباس الرِّجال وقد لَعن النبي -صلى الله عليه وسلَّم- في الحديث المرأة التي تلبس ثياب الرجال للتشبُّه بهم، أو الرجل الذي يلبس ثياب النساء للتشبُّه بهنّ.
- أن لا تتشبَّه بالكافرات: يجب أن يكون حجاب المرأة مُخالفاً للباس الكافرات، ولا يكون فيه تشبُّهٌ واضحٌ بلباسهنّ؛ لأنَّ ذلك مما نُهِيَ عنه في الصحيح عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم، كما تقرَّر ثبوت النَّهي عنه في الشريعة الإسلاميّة.
- أن لا يكون لباس شهرة: فيجب أن لا يكون حِجاب المرأة من لباس الشُّهرة الذي يُراد به الاختيال، والتكبُّر، والمُفاخَرة، والمُباهاة، ودليل ذلك ما رُوِيَ عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن لبسَ ثوبَ شُهرةٍ في الدُّنيا ألبَسَه اللَّهُ ثَوبَ مذلَّةٍ يومَ القِيامةِ ثمَّ ألهبَ فيهِ نارًا)،[٩] والمقصود بثوب الشُّهرة: هو ما تَشتهرُ به النِّساء من الثياب التي يكون فيها مُخالَفةٌ للمألوف؛ ممّا يُؤدّي إلى لفت الأنظار إمّا بسبب ألوانه، أو هيئته، وشكله، أو لما فيه من تَرفٍ، وبذخٍ، وزينة، وزركشة، أو لتصميمه الغريب، ونحو ذلك.
المراجع
- ↑ "تعريف ومعنى حجاب"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 9-5-2018.
- ↑ "تعريف الحجاب"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 9-5-2018. بتصرّف.
- ↑ طه فارس (15-11-2015)، "حجاب المرأة المسلمة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 9-5-2018. بتصرّف.
- ↑ "صفات الحجاب الشرعي"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 9-5-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 59.
- ↑ سورة النور، آية: 31.
- ↑ رواه الرباعي، في فتح الغفار، عن أسامة بن زيد، الصفحة أو الرقم: 1/261، إسناده حسن وله شواهد وقد احتجَّ به مسلم والبخاري ورواه أحمد والبزار والطبراني.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 444، صحيح.
- ↑ رواه السيوطي، في البدور السافرة، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، الصفحة أو الرقم: 96، إسناده حسن.