القرآن الكريم وتجميعه
نزل القرآن الكريم على سيّدنا محمد -صلى الله عليه وسلّم- طوال فترة بعثته، وكان صلى الله عليه وسلّم يحفظه في صدره بقدرة الله تعالى، ومن ثم يقرؤه على الصحابة ويشرح آياته لهم، منهم من كان سريعَ الحفظ فيحفظه كلّه، ومنهم من كان يحفظ أجزاءً منه، فهذه قدرات ولكلّ شخصٍ قدرته، وطالما كان النبي موجوداً لم يكن ضرورياً حفظ القرآن الكريم على ورقٍ أو حجرٍ لأنه محفوظٌ في صدر النبي.
بعد وفاة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ومشاركة الصحابة في الجهاد في سبيل الله تعالى ونيل الشهادة، تنبّه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى أنّ عدد الصحابة الذين يحفظون القرآن الكريم في تناقصٍ؛ بسبب استشهادهم في المعارك، فاقترح على الخليفة أبي بكرٍ فكرة كتابة القرآن لحفظه للأجيال اللاحقة، وبعد تردّد أبي بكرٍ بالإقدام على شيء لم يقم به النبيّ، إلّا أنّه اقتنع وبدأ بحفظ القرآن الكريم في كتابٍ واحدٍ، واستمرّت عملية الجمع إلى عهد عمر بن الخطاب بعد وفاة أبي بكرٍ، ومن ثم عهد عثمان بن عفان رضي الله عنهما، وهو ما نراه اليوم.
التعريف بسورة سبأ
سورة سبأ من السور المكيّة باستثناء الآية رقم 6 فإنها مدنيّة، قال تعالى: (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ).
عدد آيات السورة أربعةٌ وخمسون آيةً، وهي السورة الرابعة والثلاثون في المصحف الشريف، نزلت بعد سورة لقمان، وتقع في الجزء الثاني والعشرين، والحزبين ثلاثةٌ وأربعون وأربعةٌ وأربعون، وفي الربع الثالث والرابع والخامس والسادس في المصحف الشريف. سُمّيت سورة سبأ بهذا الاسم لأن الله تعالى ذكر فيها قصّة قوم سبأ وهم من ملوك اليمن الذين كانوا في نعيمٍ ورخاءٍ واستقرارٍ، إلّا أنّهم عندما كفروا بالله تعالى دمّرهم الله وأرسل عليهم سيل العرم عذاباً لهم ليتّعظَ من يأتي بعدهم.
قصة قوم سبأ
كانت مملكة سبأ تنعم بنعيم الدنيا الزاخر فكلّ ما يشتهونه موجودٌ حولهم، فكانت أرزاقم تأتيهم، وسماؤهم تمطر بغزارةٍ؛ فتحيا بالمطر الأرض، وكانوا يشربون أنقى المياه، ويتنفّسون أنقى الهواء الذي يخلو من الحشرات المسبّبة للأمراض، فهذه هي الحياة الرغيدة والراحة التّامّة والنعم الكاملة التي يتمناها أيّ إنسانٍ في الدنيا، وما طلب الله منهم إلّا الشكر، ولكنّهم أعرضوا واستكبروا، فحقّ عليهم عذابه سبحانه و تعالى؛ ففتح عليهم سدهم حيث أُغرق كلُّ شيءٍ في المملكة وبقيت جرداء لا حياة فيها، فكان هذا جزاؤهم لأنّهم ابتعدوا عن طريق الله تعالى وتكبّروا وتجبّروا في الأرض.