يعرف عند العرب الإنسان البليغ بالبراعة اللغوية في أي حقل فيها أو في كل حقولها ومن أشهر هذه الحقول القدرة على الخطابة، وهي فن إلقاء الكلام بطريقة مميزة وجاذبة باستعمال القدرة الجيدة على التحدث والإلقاء، وأشتهر العرب قديماً بأنهم خطباء ماهرون متمنون من اللغة حق تمكن، وكانوا يتنافسون فيما بينهم على فن الخطابة كما يتنافسون في حقول إستخدام اللغة الأخرى، كالشعر مثلا، واشتهر بعض العرب بانهم خطباء متفوقون وامتد صيتهم حتى يومنا هذا، عدا عن دراسة خطبهم والاستفادة منها لدارسي اللغة العربية في الجامعة لما فيها من تميّز لغوي وسحر في الكلمة، ولا زالت الخطابة قائمة إلى يومنا هذا وأشهر حقولها خطب صلاة الجمعة التي يلقيها الإمام على جمع المصلين، وخطب الساسة والتي تعنى بأمور الدولة والمجتمع، والخطب التي تلقى في المناسبات العامة الوطنية أو الدينية، ولكن للأسف فإن فن الخطابة قد تراجع كثيرا ولم يعد كسابق عهدة متميزاً وفنا قائماً بحد ذاته، لاندثار المواهب الخطابية وتراجع اللغة العربية في المجتمعات والإستعاضة عنها باللهجات العامية، حتى بات العرب يستصعبون لغتهم ومجرد التحدث بها فكيف الحال بإستخدامها للخطابة ! .
كان من أشهر الخطباء عبر التاريخ العربي الصحابي الجليل كرم الله وجهه إبن عم الرسول الإمام عليّ بن أبي طالب، ولقد اشتهر عليا بالفصاحة والبلاغة والذكاء والحكمة، وكانت أشعاره ذات عبرة وهدف، وكان حكيما منقطع النظير، ولازال يعتبر حتى الآن كذلك لكثرة ما قدمه للدين ولل لغة من إرث ثقافي وديني متميز . كان علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يخطب بالناس فيعظهم ويوجههم ويجعلهم يتفكرون وبتابعون امور عقلهم، وكان أسلوبه في تقديم الخطبة مميزاً حتى اشتهرت له اكثر من خطبة عبر التاريخ، منها خطبته التي لقبت بالخطبة العصماء .
فهي عدا عن كونها ذات مغزى وقوة وخطاب ديني مميز، كانت عبارة عن تفوق لغوي واضح جعلها تصمد عبر التاريخ وهي محتلة مركزاً متقدما بين الخطب الأكثر تميزاً، وهي خطبة أهم ما يميزها والذي جعلها تحصل على لقب الخطبة العصماء أن الإمام علي بن أبي طالب قدمها كاملة دون أي نقطة على حروفها، أي انه إستخدم حروفاً خلال الخطبة كلها لا يلزمها نقاط، كال ع وال ووغيرها من الأحرف طبعاً .