جعل الله سبحانه و تعالى المال من زينة الحياة الدّنيا ، و قد حبّبه الله سبحانه إلى نفوس عباده فكان المال فتنةً لهم و تمحيصاً ، و إنّ الله سبحانه و تعالى يعطي المال لجميع خلقه برّهم و فاجرهم ، فمن أوتي مالاً وجب عليه أن يعلم أنّ هذا المال إنّما هو مستخلفٌ فيه ، فالمال مال الله سبحانه و تعالى ، و إذا أدرك الإنسان حقيقة ما استخلفه الله فيه حرص على انفاقه في وجوه الخير و الصّدقات و الطّاعات ، و تجنّب انفاقه فيما حرّم الله تعالى من وجوه الإنفاق المحرّم على المعاصي و الملذّات ، و قد بيّن النّبي صلّى الله عليه و سلّم خطورة المال و حذّر الأمّة من فتنته ، و لقد استعاذ عليه الصّلاة و السّلام من فتنة الفقر و الغنى ، و بيّن أنّ الفقراء يدخلون الجنّة قبل الأغنياء لما تحملوه من الصّعوبات و المشاق في حياتهم ، و إن كان المال فتنةً فهو نعمةً يحسد عليها المرء في حالةٍ واحدةٍ كالذي يعطيه الله مالاً فينفق منه آناء الليل و النّهار ، و كذلك لا بأس بالغنى لمن يزكّي ماله و ينفق منه دائماً في وجوه الخير ففي الحديث إنّ اليد العليا خير من اليد السّفلى ، أي أنّ اليد التي تعطي خيرٌ من اليد التي تأخذ .
و قد ضرب الله مثلاً فيمن أعطاه الله مالاً فكان وبالاً عليه و خسراناً في الدّنيا و الآخرة ، فقد كان قارون من قوم موسى عليه السّلام ، قد آتاه الله مالاً و كنوزاً وفيرةً كان يضعها في خزائن لها مفاتيح ، كلّ مفتاحٍ منها يحمله عددٌ من الرّجال لكبر حجمه و وزنه ، و قد نصحه قوم موسى و ذكّروه بالله و حذّروه من الإفساد في الأرض و البغي بغير الحقّ ، فقد استخدم قارون ماله للبطش بالنّاس و التّجبر و التّكبر على الخلق ، و لم تفلح محاولات قوم موسى في نصيحته بل و ردّ عليهم بأنّ ماله إنّما جاءه باجتهاد نفسه و علمه و مكانته عند الله بزعمه ، و في يوم من الأيام و حين خرج بكامل زينته مستعرضاً جاهه على أعين النّاس إذا بأمر الله يحلّ به فتخسف به و بداره الأرض فهو يتجلل فيها إلى يوم القيامة .