الإسراء والمعراج
أيّد الله -تعالى- نبيّه محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- بعددٍ من المعجزات، وكان من بينها معجزة الإسراء والمعراج، فكانت رحلة الإسراء والمعراج المعجزة الخالدة في كل وقتٍ وحينٍ، إلّا أنّ العلماء اختلفوا في وقتها، فقالت طائفةً منهم أنّها كانت في الثاني عشر من شهر ربيع الأول، يوم الاثنين دون تحديد العام، ودلّت روايةٌ أخرى أنّها كانت قبل الهجرة النبوية إلى المدينة بسنةٍ واحدةٍ، في شهر ربيع الأول، ونُقل أنّها كانت قبل الهجرة بستة عشر شهراً، في شهر ذي القعدة، وقيل إنّها كانت قبل الهجرة بثلاثٍ أو خمسٍ أو ست سنواتٍ، ولكنّ المتفق عليه بين العلماء أنّ الإسراء حدث مرّةً واحدةً مع النبي محمّدٍ عليه الصلاة والسلام، وذلك قبل الهجرة من مكة إلى المدينة المنورة، واختلف العلماء أيضاً في حقيقة الإسراء إن كان بالجسد والروح أم بالروح فقط، إلّا أنّ أكثر العلماء قالوا بأنّه كان بالجسد والروح معاً حقيقةً، وليس كما يعتقد البعض مناماً، ويدلّ على ذلك إنكار قريش وعدم تصديقها للرسول صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنها تؤمن بالمنامات والأحلام، ويدلّ على ذلك أيضاً قول الله تعالى: (سُبحانَ الَّذي أَسرى بِعَبدِهِ لَيلًا مِنَ المَسجِدِ الحَرامِ إِلَى المَسجِدِ الأَقصَى الَّذي بارَكنا حَولَهُ لِنُرِيَهُ مِن آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ البَصيرُ)،[١] والآية السابقة تدلّ على تعظيم الله -تعالى- لنفسه بمعجزته التي أيّد بها نبيه عليه الصلاة والسلام، كما ذكر ذلك المفسّر ابن كثير.[٢]
تعريف بسورة الإسراء
سُميت سورة الإسراء بذلك لأنّها تناولت قصة ومعجزة الإسراء والمعراج التي حدثت مع الرسول محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وهي سورة مكيّة، إلّا أنّ بعض آياتها مدنية، والآيات المدنية هي الآية السادسة والعشرون، والثانية والثلاثون، والثالثة والثلاثون، والسابعة والخمسون، والثالثة والسبعون إلى الآية الثمانين، ويبلغ عدد آياتها مئةً وإحدى عشرة آيةٍ، وتضمّنت الآية رقم مئة وتسع سجدة تلاوة، وتوجد سورة الإسراء في المصحف العثماني بالترتيب السابع عشر، وتحديداً في الجزء الخامس عشر، وتشمل الحزبين التاسع والعشرين والثلاثين، لتكوّن الخمس أرباع الأولى من الجزء الخامس عشر، إلّا أنّ نزولها على الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- كان بعد نزول سورة القصص، ومن الجدير بالذكر أنّ سورة الإسراء بدأت بالثناء والحمد لله تعالى، وتسبيحه وتقديسه، كما أنّ الله -تعالى- تحدّث عن موضوع العقيدة بشكلٍ خاصٍ فيها، كباقي مواضيع السور المكية التي تحدثت عن مواضيع الحساب والثواب والعقاب، وتوحيد الله تعالى، إلّا أنّ ما يميّزها الحديث عن الرسول محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وعن معجزاته التي أيّده بها الله تعالى، لتدلّ على صدق رسالته ودعوته.[٣]
مقاصد وعبر من سورة الإسراء
زخرت سورة الإسراء بالمقاصد والعِبر والدلالات التي تعزّز الإيمان في قلب العبد المسلم، وفيما يأتي بيان بعضها:[٤]
- نهى الله -تعالى- وحذّر من الإشراك به، وشبّه المشرك به كالمريض العاجز المختلف عن باقي الناس، فيصبح بسبب ذلك كالمذموم والمخذول، ومن كان حاله كذلك لا يُتصوّر منه نصرة أمته، أو نصرة رسالة الإسلام؛ لأنّ إيمانه بالله تعالى، ويقينه به لا يُعينه على ذلك.
- أمر الله -تعالى- ببرّ الوالدين، والإحسان إليهما، دون أن يكون ذلك سبباً في عدم توحيد الله تعالى، والإخلاص له، حيث إنّ برالوالدين يجب أن يكون الطريق إلى إخلاص العبوديّة والتوحيد لله تعالى.
- حثّ الله -تعالى- المسلمين على الإنفاق في سبيله، ومن صور الإنفاق الصدقة على الفقراء والمساكين، وابن السبيل، وغيرهم من المحتاجين، إلّا أنّ الإنفاق يجب أن يكون بشكلٍ متوازنٍ ومعتدلٍ، أي دون الإسراف والتبذير، ودون التقتير والبخل والشحّ؛ لأنّ ذلك من صور الانحراف، كما أنّ فيه تشبّهاً بالشياطين، ويؤدي بصاحبه إلى اللوم والعتاب والندم الحسرة، حيث قال الله -تعالى- في سورة الإسراء: (وَلا تُبَذِّر تَبذيرًا*إِنَّ المُبَذِّرينَ كانوا إِخوانَ الشَّياطينِ وَكانَ الشَّيطانُ لِرَبِّهِ كَفورًا).[٥]
- نهى الله -تعالى- عن قطع النسل خوفاً وخشيةً من الفقر، حيث إنّ ذلك يدلّ على عدم الثّقة بما عند الله -تعالى- من الأرزاق، فالله -تعالى- هو الذي ييسّر أرزاق عباده، ويقدّرها لهم، حيث إنّه قال: (وَلا تَقتُلوا أَولادَكُم خَشيَةَ إِملاقٍ نَحنُ نَرزُقُهُم وَإِيّاكُم إِنَّ قَتلَهُم كانَ خِطئًا كَبيرًا).[٦]
- نهى الله -تعالى- عن قتل النفس من غير إقامة الحدود والضوابط المحدّدة والمقرّرة في الشريعة الإسلامية، ومن قُتل له أحداً جعل له الله -تعالى- الحقّ في القصاص عن طريق المقاضاة، ومن لم يجعل الحكم بينه وبين القاتل القضاء وسلك طريق الثأر فإنّه ليس مؤهلاً لحفظ شرع الله تعالى، قال الله عزّ وجلّ: (وَلا تَقتُلُوا النَّفسَ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إِلّا بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظلومًا فَقَد جَعَلنا لِوَلِيِّهِ سُلطانًا فَلا يُسرِف فِي القَتلِ إِنَّهُ كانَ مَنصورًا).[٧]
- نهى الله -تعالى- عن العبث بمال اليتيم الذي لا حافظ عليه ولا أمين، ونهى أيضاً عن إصابته بأي شيءٍ، إلّا أنّه يجوز التصرّف بمال اليتيم بما يحقّق المصلحة له، فالمحافظة على أموال الأيتام فرض كفايةٍ على المسلمين، فرعاية أموال الأيتام تدلّ على أن الأمّة قادرةً على رعاية وحفط الدين.
- أمر الله -تعالى- بالوفاء بالمكيال والميزان، حيث إنّ ذلك يحقّق الأمن والاستقرار للأمّة، كما أنّ في ذلك محافظةً على الأمانة والنزاهة والورع، وذلك الأمر يشمل الأشياء المحسوسة والأخلاق أيضاً، وعدم إقامة أمر الله -تعالى- يؤدي إلى فقد الثقة، وانتشار الحقد والكراهية والبغضاء بين الناس.
المراجع
- ↑ سورة الإسراء، آية: 1.
- ↑ "الإسراء والمعراج"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-8-2018. بتصرّف.
- ↑ "تعريف سورة الإسراء"، www.e-quran.com، اطّلع عليه بتاريخ 25-8-2018. بتصرّف.
- ↑ "في سورة الإسراء ركائز القوة والارتقاء"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-8-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 26-27.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 31.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 33.