محتويات
قصيدة الربيع
قال الشاعر البحتري في قصيدته الربيع واصفاً الربيع وجماله:
أتاكَ الربيع الطلقُ يختال ضاحكًا
- من الحُسن حتى كاد أن يتكلَّما
وقد نبَّه النيروز في غسقِ الدُّجى
- أوائل ورد كُنَّ بالأمس نُوما
يفتِّقها بردُ الندى فكأنه
- يبثُّ حديثًا كان قبل مكتَّما
فمن شجر ردَّ الربيع لباسه
- عليه كما نشرت وشيًا مُنَمْنَما
أحل فأبدى للعيون بشاشةً
- وكان قذى للعين إذ كانَ مُحرَّما
ورقَّ نسيمُ الريح حتى حسبته
- يجيء بأنفاسِ الأحَّبة نُعَّمَا
قصيدة ترى الليل يقضي عقبة من هزيعه
قال البحتري في قصيدته ترى الليل يقضي عقبة من هزيعه واصفاً الليل:
تُرَى اللّيلُ يَقضِي عُقبَةً من هَزِيعِهِ،
- أمِ الصّبْحُ يَجلُو غُرّةً من صَديعِهِ
أوِ المَنْزِلُ العافي يَرُدُّ أنيسَهُ
- بُكَاءٌ عَلى أطْلاَلِهِ، وَرُبُوعِهِ
إذا ارْتَفَقَ المُشْتَاقُ كانَ سُهَادُهُ
- أحَقَّ بجَفْنَيْ عَيْنِهِ مِنْ هُجُوعِهِ
وَلُوعُكَ أنّ الصّبّ إمّا مُتَمِّمٌ
- على وَجْدِهِ، أوْ زَائِدٌ في وَلُوعِهِ
وَلاَ تَتَعَجّبْ مِنْ تَمَادِيهِ إنّهَا
- صَبَابَةُ قَلْبٍ مُؤيِسٍ مِنْ نُزُوعِهِ
وَكنتُ أُرَجّي في الشّبَابِ شَفَاعةً،
- وَكَيْفَ لبَاغي حَاجَةٍ بشَفيعِهِ
مَشيبٌ كَنَثّ السّرّ عَيَّ بحَمْلِهِ
- مُحَدّثُهُ، أوْ ضَاقَ صَدرُ مُذيعِهِ
تَلاَحَقَ حتّى كادَ يأتي بطيئُهُ،
- بحَثّ اللّيَالي، قَبْلَ أتْيِ سَرِيعِهِ
أخَذْتُ لهَذا الدّهْرِ أُهْبَةَ صَرْفِهِ،
- وَلَمّا أُشَارِكْ عاجِزِاً في هُلُوعِهِ
وَلَمْ تُبْنَ دارُ العَجْزِ للمُحْلِسِ الذي
- مَطِيّتُهُ مَشْدُودَةٌ بِنُسُوعِهِ
وَلَيْسَ امرَاً إلاّ امرُؤٌ ذَهَبَتْ بِهِ
- قَنَاعَتُهُ، مُنْحَازَةً عَنْ قُنُوعِهِ
إذا صَنَعَ الصَّفّارُ سُوءَاً لنَفْسِهِ،
- فَلا تَحْسُدِ الصَّفّارَ سُوءَ صَنيعهِ
وَكانَ اختيالُ العِلجِ من عَطَشِ الرّدَى
- إلى نَفْسِهِ، شَرَّ النّفُوسِ، وَجُوعِهِ
عَبَا لجَميعِ الشرّ هِمّةَ مَائِقٍ،
- وَقَد كانَ يكفي بَعضُهُ من جَمِيعِهِ
وَرَدّتْ يَدَيْهِ، عَنْ مُسَاوَاةِ رَافعٍ،
- زِيَادَةُ عالي القَدْرِ عَنْهُ، رَفيعِهِ
بصَوْلَتِهِ كَانَ انْقِضَاضُ بِنَائِهِ
- لأسفَلِ سِفْلٍ، وانفِضَاضُ جموعِهِ
وَلَمْ يَنْقَلِبْ مِنْ بَسْتَ، إلاّ وَرَأيُهُ
- شَعَاعٌ، وإلاّ رَوْعُهُ شُغْلُ رُوعِهِ
فإنْ يَحْيَ لا يُفلِحْ، وإن يَثْوِ لا يكنْ
- لِبَاكٍ عَلَيْهِ مَوْضِعٌ لدُمُوعِه
دَمٌ إنْ يُرَقْ لا يَقْضِ تَبْلاً مَرَاقُهُ،
- وَلاَ يُطْفِىءُ الأوْغَامَ لُؤمُ نَجِيعِهِ
شَفَى بَرَحَ الأكْبَادِ أنّ ابنَ طاهِرٍ
- هَوَتْ أُمّ عاصِيهِ بسَيْفِ مُطيعِهِ
تُرَجّي خُرَاسَانٌ جِلاَءَ ظَلاَمِهَا
- ببَدْرٍ، منَ الغَرْبِ ارْتِقَابُ طُلُوعِهِ
مَتَى يأتِهَا يُعْرَفْ مُقَوِّمُ دَرْئِهَا،
- وَلاَ يَخْفَ كافي شأنِهَا من مُضِيعِهِ
مَتَى قِظْتَ في شَرْقِ البِلادِ، فإنّني
- زَعِيمٌ بأنّ قَيْظَهُ مِنْ رَبِيعِهِ
لَقَدْ جَشِمَ الأعْدَاءُ وِرْدَ نَفَاسَةٍ
- عَلَيْكَ، يُلاقُونَ الرّدى في شُرُوعِهِ
وَكَمْ ظَهَرَتْ، بعْدَ استِتَارِ مكانِها،
- شَنَاةٌ، خَباها كاشحٌ في ضُلُوعِهِ
وَمَرْضَى من الحُسّادِ قد كانَ شَفَّهُمْ
- تَوَقُّعُ هَذا الأمْرِ، قَبْلَ وُقُوعِهِ
وَمَا عُذْرُهُمْ في أنْ تُعَلّ صُدُورُهمْ
- على ناشرِ الإحْسانِ فيهِمْ، مُشيعِهِ
لَئِنْ شَهَرَ السّلطانُ أمضَى سُيُوفِهِ،
- وَرَشّحَ عُودُ المُلْكِ أزْكَى فُرُوعِهِ
فَلاَ عَجَبٌ أنْ يَطْلُبَ السّيلُ نَهْجَهُ،
- وأنْ يَستَقيمَ المُشتَري مِنْ رُجُوعِهِ
قصيدة طيف الحبيب ألم من عدوائه
يقول الشاعرالبحتري في قصيدته طيف الحبيب ألم من عدوائه واصفاً الحبيب:
طَيْفُ الحَبيبِ ألَمّ مِنْ عُدَوَائِهِ،
- وَبَعيدِ مَوْقعِ أرْضِهِ، وَسَمَائِهِ
جَزَعَ اللّوَى عَجِلاً، وَوَجّهَ مُسرِعاً
- مِنْ حَزْنِ أبْرَقِهِ، إلى جَرْعَائِهِ
يُهْدِي السّلامَ، وَفي اهتداءِ خَيالِهِ
- مِنْ بَعدِهِ، عَجَبٌ، وَفي إهدائِهِ
لَوْ زَارَ في غَيرِ الكَرَى لَشَفاكَ مِنْ
- خَبَلِ الغَرَامِ، وَمِنْ جوَى بُرَحائِهِ
فَدَعِ الهوَى، أوْ مُتْ بدائِكَ، إنّ من
- شَأنِ المُتَيَّمِ أنْ يَمُوتَ بِدائِهِ
وَأخٌ لَبِسْتُ العيش أخضَرَ ناضِراً
- بكَرِيمِ عِشْرَتِهِ، وَفَضْلِ إخائِهِ
ما أكثرَ الآمَالَ عِنْدِيَ، وَالمُنى،
- إلاّ دِفَاعُ الله عَنْ حَوْبَائِهِ
وَعَلى أبي نُوحٍ لِبَاسُ مَحَبّةٍ،
- تُعْطيهِ مَحضَ الوِدّ منْ أعدائِهِ
تُنبي طَلاقَةُ بِشرِهِ عَنْ جُودِهِ،
- فَتَكَادُ تَلْقَى النُّجْحَ قَبْلَ لِقائِهِ
وَضِيَاءُ وَجْهٍ، لوْ تَأمّلَهُ امرُؤٌ
- صَادي الجَوَانحِ لارْتَوى من مَائِهِ
قصيدة شوق إليك تفيض منه الأدمع
يقول الشاعرالبحتري في قصيدته شوق إليك تفيض منه الأدمع واصفاً الشوق للمحبوب:
شَوْقٌ إلَيكِ، تَفيضُ منهُ الأدمُعُ،
- وَجَوًى عَلَيكِ، تَضِيقُ منهُ الأضلعُ
وَهَوًى تُجَدّدُهُ اللّيَالي، كُلّمَا
- قَدُمتْ، وتُرْجعُهُ السّنُونَ، فيرْجعُ
إنّي، وما قَصَدَ الحَجيجُ، وَدونَهم
- خَرْقٌ تَخُبُّ بها الرّكابُ، وتُوضِعُ
أُصْفيكِ أقصَى الوُدّ، غَيرَ مُقَلِّلٍ،
- إنْ كانَ أقصَى الوُدّ عندَكِ يَنفَعُ
وأرَاكِ أحْسَنَ مَنْ أرَاهُ، وإنْ بَدا
- مِنكِ الصّدُودُ، وبَانَ وَصْلُكِ أجمعُ
يَعتَادُني طَرَبي إلَيكِ، فَيَغْتَلي
- وَجْدي، وَيَدعوني هَوَاكِ، فأتْبَعُ
كَلِفٌ بحُبّكِ، مُولَعٌ، وَيَسُرُّني
- أنّي امْرُؤٌ كَلِفٌ بحُبّكِ، مُولَعُ
شَرَفاً بَني العَبّاسِ، إنّ أبَاكُمُ
- عَمُّ النّبيّ، وَعِيصُهُ المُتَفَرّعُ
إنّ الفَضِيلَةَ للّذي اسْتَسقَى بهِ
- عُمَرٌ، وَشُفّعَ، إذْ غَدا يُستَشفَعُ
وَأرَى الخِلاَفَةَ، وَهيَ أعظَمُ رُتبَةٍ،
- حَقّاً لَكُمْ، وَوِرَاثَةً مَا تُنزَعُ
أعْطاكُمُوها الله عَنْ عِلْمٍ بِكُمْ،
- والله يُعْطي مَنْ يَشَاءُ وَيَمْنَعُ
مَنْ ذَا يُسَاجِلُكمْ، وَحَوْضُ مُحَمّدٍ
- بِسِقَايَةِ العَبّاسِ فيكُمْ يَشفَعُ
مَلِكٌ رِضَاهُ رِضا المُلُوكِ، وَسُخطُه
- حَتْفُ العِدى، وَرَداهُمُ المُتَوَقَّعُ
مُتَكَرِّمٌ، مُتَوَرّعٌ عِنْ كُلّ مَا
- يَتَجَنّبُ المُتَكَرّمُ المُتَوَرّعُ
يا أيّهَا المَلِكُ الذي سَقَتِ الوَرَى،
- مِنْ رَاحَتَيِهِ، غَمَامَةٌ ما تُقلِعُ
يَهْنِيكَ في المُتَوَكّلِيّةِ أنّهَا
- حَسُنَ المَصِيفُ بها، وَطَابَ المَرْبَعُ
فَيْحَاءُ مُشْرِقَةٌ يَرِقُّ نَسيمُهَا
- مِيثٌ تُدَرّجُهَُ الرّياحُ وأجْرَعُ
وَفَسيحَةُ الأكْنَافِ ضَاعَفَ حُسنَها
- بَرٌّ لَهَا مُفْضًى، وَبَحْرٌ مُتْرَعُ
قَدْ سُرّ فيها الأوْلِيَاءُ، إذِ التَقَوْا
- بِفِنَاءِ مِنْبَرِهَا الجَديدِ، فَجُمّعُوا
فَارْفَعْ بدارِ الضّرْبِ باقيَ ذِكْرِها،
- إنّ الرّفيعَ مَحَلُّهُ مَنْ تَرْفَعُ
هَلْ يَجْلُبَنّ إليّ عَطْفَكَ مَوْقِفٌ
- ثَبْتٌ لَدَيكَ، أقُولُ فيهِ وَتَسْمَعُ
مَا زَالَ لي مِنْ حُسنِ رَأيِكَ مُوْئلٌ
- آوِي إلَيهِ، مِنَ الخُطُوبِ، وَمَفزَعُ
فَعَلاَمَ أنكَرْتَ الصّديقَ، وأقبَلَتْ
- نَحوِي رِكابُ الكَاشِحِينَ تَطَلَّعُ
وَأقَامَ يَطْمَعُ في تَهَضّمِ جَانِبي
- مَن لم يكُنْ، من قَبلُ، فيهِ يَطمَعُ
إلاّ يَكُنْ ذَنْبٌ، فعَدْلُكَ وَاسعٌ،
- أوْ كَانَ لي ذَنْبٌ، فَعَفْوُكَ أوْسَعُ