محتويات
المداومة على قراءة القرآن
تضمّنت سِيَر الصحابة -رضوان الله عليهم- تعلُّقاً بالقرآن الكريم، وحِرصاً عليه، ومُداومةً على قراءته بصورة تتّضح من خلالها أهمّيته كعبادة تؤدّي إلى تزكية النفس، وأهميّة تدَّبُره، والعمل بما جاء فيه، كما أنّه وسيلة من وسائل الدعوة إلى الإسلام؛ فقد كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يستخدمه في المواسم؛ لدعوة الناس إلى الإسلام؛ لِما فيه من تأثير على نفوس سامعيه، ويُستحَبّ أن يُكثِر المسلم من قراءة القرآن الكريم، ويُداوم عليها؛ لأنّ تلاوة القرآن هي أفضل الأذكار، كما أنّ لها أجراً عظيماً؛ قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ).[١][٢]
وقد استجاب الصحابة -رضوان الله عليهم-، ومَن تَبِعهم من السلف الصالح لتوجيه رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، وضربوا أروع الأمثلة في تعاهُد القرآن الكريم بالتلاوة آناء الليل وأطراف النهار، في الإقامة والسفر، وكانوا يتفاوتون في الوقت الذي يستغرقونه في خَتم المصحف؛ فمنهم مَن كان يختمه في شهرين، ومنهم من كان يختمه في شهر، ومنهم من كان يختمه في عشر ليالٍ، ومنهم من كان يختمه في ثمان ليالٍ، وأكثرهم كان يختمه في سبع ليالٍ، ومنهم مَن كان يختمه في ثلاث ليالٍ، وهذا ما نقله الإمام النووي عنهم،[٢] وتجدر الإشارة إلى أنّ المسلم يهدف من خلال مداومته على تلاوة القرآن الكريم إلى الوصول إلى طريق الصواب والحقّ، وبلوغ مرتبة المُهتدين التي ذكرها الله -سبحانه وتعالى- في قوله: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَـئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّـهُ وَأُولَـئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ)؛[٣] وذلك من خلال تدبُّر معاني آيات القرآن الكريم، والعمل بما فيها من الأوامر، واجتناب ما نَهَت عنه من المعاصي.[٤]
طريقة خَتم القرآن في ثلاثة أيّام
يستطيع المسلم أن يختم القرآن الكريم في ثلاثة أيام إذا استعان بالله، لا سيّما إذا كان ذلك في شهر رمضان المبارك؛ من خلال قراءة عشرة أجزاء في كلّ يوم، علماً أنّ ختمة القرآن كاملة تحتاج إلى عشر ساعات إذا كانت بقراءة مُتوسِّطة السرعة، والتي تُعرَف بقراءة الحَدر؛ إذ يستغرق الجزء ثلث ساعة فقط لقراءته، ويستطيع المسلم أن يُوزّع عشرة أجزاء على الصلوات المفروضة، بحيث يتمكّن من خَتم القرآن في ثلاثة أيّام، وذلك كما يأتي:[٥]
- ساعة بعد صلاة الفجر، يقرأ فيها ثلاثة أجزاء.
- ثُلثَا الساعة بعد صلاة الظهر، يقرأ فيها جزأَين.
- ساعة وثُلث الساعة بعد صلاة العصر، يقرأ فيها أربعة أجزاء، فإذا صَعُب على المسلم أن يقرأها، فإنّه يستطيع أن يقرأ ثلاثة أجزاء بعد العصر بساعة، وجزءاً بين أذان الفجر وإقامته في ثُلث ساعة.[٥][٦]
- ثُلث الساعة قبل صلاة العشاء، يقرأ فيها جزءاً.
حُكم خَتم القرآن في ثلاثة أيّام
رُوِي عن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه كان يُقَسِّم القرآن الكريم إلى ثلاثة أجزاء، وكان كثير من السَّلَف الصالح يُحافظون على خَتم القرآن الكريم كلّ ثلاثة أيّام، كعبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه-، وابن تيمية، وقد اتّفق أهل العلم على جواز خَتم القرآن الكريم في أكثر من ثلاثة أيّام، إلّا أنّهم اختلفوا في حُكم خَتمه في أقلّ من ثلاثة أيّام على قولَين، بيانهما فيما يأتي:[٧]
- القول الأوّل: ذهب عبدالله بن عمرو بن العاص، وابن مسعود، وزيد بن ثابت -رضي الله عنهم- إلى كراهة خَتم القرآن الكريم في أقلّ من ثلاثة أيّام؛ واستدلّوا على رأيهم بقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا يفقَهُ مَن قرأ القرآنَ في أقلَّ من ثلاثٍ).[٨]
- القول الثاني: ذهب عثمان بن عفان، وعبدالله بن الزبير، وتميم الداري -رضي الله عنهم- إلى جواز خَتم القرآن الكريم في أقلّ من ثلاثة أيّام؛ واستدلّوا على رأيهم بعموم الآيات القرآنيّة، والأحاديث النبويّة التي تُرَغِّب في المُداومة على تلاوة القرآن الكريم، وتُبَيِّن فضل ذلك، ومن ذلك قوله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّـهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ).[٩]
المشهور في مدّة خَتم القرآن في هَدي السَّلَف
يُستحَبّ للمسلم أن يختم القرآن الكريم في كلّ شهر مرّة؛ لأنّ هذا هو التوجيه النبويّ الذي أرشد النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- الصحابيّ عمرو بن العاص -رضي الله عنه- إليه؛ فقد قال: (اقْرَأِ القُرْآنَ في كُلِّ شَهْرٍ قالَ قُلتُ: يا نَبِيَّ اللهِ، إنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِن ذلكَ، قالَ: فَاقْرَأْهُ في كُلِّ عِشْرِينَ قالَ قُلتُ: يا نَبِيَّ اللهِ، إنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِن ذلكَ، قالَ: فَاقْرَأْهُ في كُلِّ عَشْرٍ قالَ قُلتُ: يا نَبِيَّ اللهِ، إنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِن ذلكَ، قالَ: فَاقْرَأْهُ في كُلِّ سَبْعٍ، وَلَا تَزِدْ علَى ذلكَ)،[١٠] وفي الحديث دلالة على أنّ خَتم القرآن الكريم كلّ سبع ليالٍ لِمَن يستطيع ذلك، ويَقدر عليه، أفضل من خَتم القرآن الكريم كلّ ثلاثة ليالٍ، وقد ورد على لسان عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أنّه كان يقول: (فَلَمَّا كَبِرْتُ وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ قَبِلْتُ رُخْصَةَ نَبِيِّ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-).[١٠][١١]
واتّبع الصحابة -رضوان الله عليهم- سُنّة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في خَتم القرآن الكريم؛ وهي أن يختم المسلم القراءة في سبعة أيّام، وسلكوا أفضل الطرق في ذلك؛ إذ كانوا يُحزّبون القرآن الكريم إلى سبعة أحزاب، يقرؤون في كلّ يوم حزباً على النحو الآتي:[١٢][١٣]
- اليوم الأوّل: ويقرؤون فيه ثلاث سُوَر، هي: سورة البقرة، وآل عمران، والنساء.
- اليوم الثاني: ويقرؤون فيه خمس سُوَر تبدأ بسورة المائدة، وتنتهي بسورة التوبة.
- اليوم الثالث: ويقرؤون فيه سبع سُوَر تبدأ بسورة يونس، وتنتهي بسورة النحل.
- اليوم الرابع: ويقرؤون فيه تسع سُوَر تبدأ بسورة الإسراء، وتنتهي بسورة الفُرقان.
- اليوم الخامس: ويقرؤون فيه إحدى عشرة سورة تبدأ بسورة الشعراء، وتنتهي بسورة يس.
- اليوم السادس: ويقرؤون فيه ثلاث عشرة سورة تبدأ بسورة الصافّات، وتنتهي بسورة الحُجُرات.
- اليوم السابع: ويقرؤون فيه المُفصَّل الذي يبدأ بسورة ق، ويمتدّ إلى نهاية القرآن الكريم.
المراجع
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم: 804، صحيح.
- ^ أ ب غانم الحمد (2003)، محاضرات في علوم القرآن (الطبعة الأولى)، عمان: دار عمار، صفحة 92-95. بتصرّف.
- ↑ سورة الزُّمَرْ، آية: 18.
- ↑ أحمد الشيباني (14-2-2014)، "فضل القرآن وفضل أهله وأهمية قراءته للمسلم"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2-6-2020. بتصرّف.
- ^ أ ب عادل المحلاوي، "كيف تختم القرآن كل ثلاثة أيام ؟؟"، www.saaid.net. بتصرّف.
- ↑ نجلاء جبروني (7-5-2017)، "كيف تختم القرآن كل ثلاثة أيام؟"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2-6-2020. بتصرّف.
- ↑ رياض قاسم، "ختم القرآن الكريم عند السلف"، www.almoslim.net. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 1394 ، صحيح.
- ↑ سورة فاطر، آية: 29.
- ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 1159، صحيح.
- ↑ ياسر برهامي، دروس للشيخ ياسر برهامي، صفحة 5، جزء 16. بتصرّف.
- ↑ عبدالعزيز الراجحي، شرح تفسير ابن كثير، صفحة 4، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ "كيف يقسّم القرآن ليختمه في كل أسبوع"، www.islamqa.info، 09-07-2017، اطّلع عليه بتاريخ 30-6-2020. بتصرّف.