الأم
هي ذلك المخلوق العظيم الّذي لا يمكن لنا أن نفيه حقّه مهما قلنا، ومع ذلك فإنّ من واجبنا أن نقول ونعبّر عن صفات هذه العظيمة التي خلقنا في أحشائها وكبرنا على يديها الحنونتين. الأم هي الّتي تربّينا في أحضانها سنين طوال، كانت فيها ملاذنا الآمن والحصن الّذي نحتمي فيه من غربة الأيّام، بين صدرها ونحرها يعيش عالم آخر نلجأ إليه وقت حزننا، ونضع رأسنا عليه مطمئنّين فننسى كلّ ما حولنا، فكما يقول شكسبير: (ليس في العالم وسادةً أنعم من حضن أمّي).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء رجلٌ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟، قال: (أمك) ، قال: ثم من؟ قال: (أمك) ، قال: ثم من؟ قال: (أمك) ، قال: ثم من؟ قال: (أبوك). متّفق عليه
الأم هي العطاء
يقول المثل الهندي: (قلب الأم كعود المسك كلّما احترق فاح شذاه). إنّ الأم تعطي أبناءها ولا تنتظر منهم مقابلاً، تنام مرهقةً بعد ليل طويل تقضيه في تصريف شؤونهم والتحضير للنّهار القادم، لكنّها تنام مبتسمةً، وتستيقظ صباحاً قبل الجميع؛ فتوقظ هذا وتطعم ذاك، وتساعد آخر على لبس ملابسه، وتقضي يومها في تصريف شؤونهم حتّى ينتهي النهار فتشعر أنّها متعبة، لكنّها تنسى تعبها لحظة سماع أحد من أبنائها يناديها بأمّي.
والأم هي التي تنسى نفسها كي تذكرنا، تجوع كي نشبع، تحزن وتمسح دمعها كي لا يغادرنا الفرح، تربّينا صغاراً وتصادقنا كباراً، وتحمل همّنا منذ أن خلقنا في بطنها نطفة إلى أن يوارينا التراب. فكيف إذاً نوفيها حقها؟ أنعطيها هديّة؟ وأيّ هدية تعطى لأغلى هدية في الوجود، أنقبّلها؟ وأيّ قبلةٍ تكون بحجم حبّنا أو حبها لنا؟ أم هل تكفيها كلمة طيّبة منّا!!. قال الشاعر:
العيش ماضٍ فأكرم والديك به
والأمّ أولى بإكرامٍ وإحسان
وحسبها الحمل والإرضاع تدمنه
أمران بالفضل نالا كلّ إنسان
أمي هي الحياة
إذا ضحكت تضحك الدنيا، وإذا حزنت أظلم النهار، في عيناها أرى العالم مرسوماً أمامي، وأرى طفولتي بين يديها وباقي عمري على ثغرها ينمو، أرى الحياة جميلةً صافيةً كصفاء قلبها، فما الحياة من دون أمّي؟ وكيف أذوق طعم الفرح بلا ابتسامتها الصافية؟ وهل يمكن أن أمضي قدماً دون أن تكون كلماتها هي القوّة التي تدفعني للأمام؟ وهل أستطيع أن أتحمّل صعوبات الحياة من دون لمسة حنان من يديها تخبرني أنّ كل شيء على ما يرام؟ أمّي هي الحياة، والحياة هي أمّي. حفظك الله يا أغلى أم على قلبي.
يا أمي يا مهجة قلبي
يا من رسمت درب حياتي وأخذت بيدي لأسير فيه.
يا من مسحت دمعتي ورسمت بسمتي.
يا من على يديك كبرنا وبحبّك ربينا.
يا فرح عمري يا أساس ماضيي وأحلى ما في مستقبلي.
أهديك عمري، وكلّ حياتي، وقبلةً على رأسك، ودعوةً في صلاتي لأجلك،
فهل تقبلين هديّتي وتحضنين قبلتي؟