السيرة النبوية
أولى المسلمون السيرة النبوية اهتماماً كبيراً، وحرصوا على معرفة كلّ صغيرةٍ وكبيرةٍ في حياة النبي عليه الصلاة والسلام، ويرجع السبب في ذلك إلى حبّهم الشديد لشخص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتعلّقهم به، وقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- يرون ما شهدوه وعايشوه من الغزوات والمعارك، وينقولنها بكلّ فخرٍ واعتزازٍ إلى التابعين، الذين قاموا بنقلها إلى رجال التدوين، فحفظوها بكلّ تفاصيلها، ونقلوها للأجيال اللاحقة، وفي الحقيقة أنّ السيرة النبوية كانت في البدايات تُروى من قبل الصحابة رضي الله عنهم، كجزءٍ من الحديث النبوي الشريف، ولم تكن تخلو كتب الحديث النبوي الشريف من سيرته، ومغازيه، ومناقبه، وخصائصه، وعلى الرغم من انفصال علم السيرة النبوية عن علم الحديث، حيث أصبح للسيرة علماؤها ومألفوها، إلّا أنّ كتب الحديث بقيت تشمل مغازي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومناقبه، ومناقب أصحابه رضي الله عنهم، ومثال ذلك: صحيح مسلم، وصحيح البخاري، فقد شغلت السيرة عُشر صحيح البخاري، ولا بُدّ من الإشارة أنّ المؤلفين الأوائل كانوا حريصين في نقل السيرة، والتحقّق من سندها، كما كان يفعل علماء الحديث النبوي، ولكنّ الجيل الثاني من المؤلفين أمثال: ابن إسحاق، وابن شهاب الزهري، وعاصم بن عمر بن قتادة كانوا يهتمون بالجمع والتبويب، من غير نقدٍ ولا تمحيصٍ، ممّا أتاح فرصة لوجود بعض الروايات الضعيفة في مؤلفاتهم، ثمّ جاء بعدهم الجيل الثالث، وعلى رأسه ابن هشام حيث تشعّب هذا الجيل إلى قسمين، قسم اعتنى بشرح كتب الأوّلين، والتعليق عليها، أمّا القسم الآخر فذهبوا إلى تأليف كتبٍ جديدةٍ تفتقد صفة الأمانة والأصالة.[١]
أهميّة السيرة النبويّة
من البديهيّ أن تهتم كلّ أمةٍ بتاريخ قادتها وعظمائها، لما في ذلك من حفظ لتاريخها، ودعماً لأصالتها، ويشمل ذلك أمة الإسلام حيث إنّ دراسة تاريخ الإسلام ونقله يوضّح للأجيال المعاصرة ما كان عليه سلفهم من الخير والهدى، حيث اهتم علماء غير المسلمين بسيرة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، ولا بُدّ من الإشارة إلى أنّ دراسة سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لها عظيم الأهمية، وقد أدرك سلف هذه الأمة أهمية السيرة، لما فهموا قول الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً)،[٢] فكانوا يحفظونها كما يحفظون القرآن الكريم، ويتوارثون تعليمها جيلاً بعد جيلٍ، مصداقاً لقول الحسين بن علي رضي الله عنه: (كنا نعلم مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نعلم السورة من القرآن الكريم)، وممّا يدلّ على عظم مكانة السيرة النبوية قول الزهري: (علم المغازي والسرايا علم الدنيا والآخرة)، بالإضافة إلى ما رواه إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، حيث قال: (كان أبي يُعلّمنا المغازي، ويعدها علينا، ويقول:هذه مآثر آبائكم فلا تضيعوها)، وتُعزى أهمية السيرة النبوية إلى عدّة عواملٍ، ومنها:[٣]
- زيادة الإيمان واليقين: حيث إنّ دراسة السيرة النبوية تقوّي إيمان المسلم، وتزيد من يقينه، وذلك من خلال اتخاذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وصحابته -رضي الله عنهم- أسوةٌ حسنةٌ في الصبر على تكالب الأمم، وكيد إبليس وجنوده، ومثال ذلك ما رُوي عن خباب بن الأرت رضي الله عنه، أنّه قال: (شكونا إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وهو متوسِّدٌ بُردةً له في ظلِّ الكعبةِ، فقلنا: ألا تستنصرُ لنا، ألا تدعو لنا؟ فقال: قد كان مَن قبلكم، يؤخذ الرجلُ فيحفرُ له في الأرضِ، فيجعل فيها، فيجاء بالمنشارِ فيوضع على رأسِه فيجعلُ نصفين، ويمشط بأمشاطِ الحديدِ ما دون لحمه وعظمه، فما يصدُّه ذلك عن دينه، واللهِ لَيُتمَّنَّ هذا الأمرَ، حتى يسير الراكبُ من صنعاءَ إلى حضرمَوت، لا يخاف إلا اللهَ، والذئبَ على غنمِه، ولكنكم تستعجِلون).[٤]
- فهم طبيعة الدعوة ومراحلها: إذ إنّ دراسة السيرة النبوية توضّح كيفية دعوة النبي عليه الصلاة والسلام، والمراحل التي مرّ فيها خلال دعوته، وتبيّن الأساليب التي استخدمها في الدعوة، والمحن والمصاعب التي تواجه الداعية إلى الله تعالى، وكيفية التعامل معها.
- فهم العلوم الشرعية: فدراسة السيرة النبوية تساعد على فهم الكثير من الأحكام الفقهية، بالإضافة إلى فهم القرآن الكريم؛ لأنّ السيرة من العلوم المهمّة للوقوف على أسباب النزول، التي تساعد في استخراج واستنباط الأحكام الشرعية، ومعرفة الناسخ والمنسوخ منها، والاطلاع على أصول السياسة الشرعية، فثمّة سورٍ بأكملها تتحدّث عن الغزوات، مثل: سورة التوبة التي تتحدّث عن غزوة تبوك، والأنفال التي تتحدّث عن غزوة بدر، والحشر التي تتحدّث عن جلاء بني النضير.
- التعرّف على مكانة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وذلك من خلال الوقوف على الأحداث العظيمة التي حدثت خلال حياته، كنزول الملائكة للقتال معه في غزوة بدر، والأحزاب، وحُنين، وغيرها من المعجزات.
خصائص السيرة النبوية
تميّزت كتابة السيرة النبوية بعددٍ من الخصائص، ومنها:[٥]
- الشمول والوضوح: فقد شملت كتب السيرة النبوية أدقّ تفاصيل حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، منذ أن تزوّج والده عبد الله من أمّه آمنة بنت وهب، مروراً بميلاده، وطفولته وشبابه، وبعثته، ثمّ دعوته، وانتهاءً بوفاته، وقد بيّن مؤلفوا تلك الكتب كلّ مرحلةٍ من المراحل بكلّ وضوحٍ، إذ إنّ صفات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الخَلقية والخُلقية، والسلوكية مبيّنةً موضّحةً فيها، حيث ذُكر فيها ملامح وجهه، ولون شعره، وشكل أسنانه، وكيفية أكله، وشربه، وكيفية تعامله مع أزواجه.
- التوثيق: فقد تمّ نقل السيرة النبوية بالاعتماد على السند المتصل، وكان ذلك من خلال نقل التابعين لما سمعوه من الصحابة رضي الله عنهم، ومن الجدير بالذكر أنّ تدوين السيرة بدأ رسمياً في عصر عمر بن عبد العزيز رحمه الله.
المراجع
- ↑ "السيرة النبوية"، islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 13-10-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 21.
- ↑ "أهمية دراسة السيرة النبوية"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-10-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن خباب بن الأرت، الصفحة أو الرقم: 6943، صحيح.
- ↑ "أهمية دراسة السيرة النبوية ومعرفتها"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-10-2018. بتصرّف.