رسالة من المنفى
قد صرت في العشرين
وصرت كالشباب يا أماه
أدخن التبغ ، و أتكي على الجدار
أقول للحلوة: آه
كما يقول الآخرون
يا أخوتي؛ ما أطيب البنات،
تصوروا كم مرة هي الحياة
بدونهن ... مرة هي الحياة.
و قال صاحبي : "هل عندكم رغيف؟
يا إخوتي ؛ ما قيمة الإنسان
إن نام كل ليلة ... جوعان؟
أنا بخير
أنا بخير
عندي رغيف أسمر
و سلة صغيرة من الخضار
سمعت في المذياع
قال الجميع : كلنا بخير
لا أحد حزين؛
فكيف حال والدي
ألم يزل كعهده، يحب ذكر الله
و الأبناء .. و التراب .. والزيتون؟
و كيف حال إخوتي
هل أصبحوا موظفين؟
سمعت يوما والدي يقول:
سيصبحون كلهم معلمين...
سمعته يقول
أجوع حتى أشتري لهم كتاب
لا أحد في قريتي يفك حرفاً في خطاب
و كيف حال أختنا
هل كبرت .. و جاءها خطّاب؟
و كيف حال جدّتي
ألم تزل كعهدها تقعد عند الباب؟
تدعو لنا
بالخير ... و الشباب ... و الثواب!
و كيف حال بيتنا
و العتبة الملساء ... و الوجاق ... و الأبواب !
سمعت في المذياع
رسائل المشردين ... للمشردين
جميعهم بخير!
لكنني حزين ...
تكاد أن تأكلني الظنون
لم يحمل المذياع عنكم خبراً...
و لو حزين
و لو حزين
أجمل حب
كما ينبت العشب بين مفاصل صخرة
وُجدنا غريبين يوماً
وكانت سماء الربيع تؤلف نجماً ... ونجماً
و كنت أؤلف فقرة حب..
لعينيك.. غنيتها!
أتعلم عيناك أني انتظرت طويلاً
كما انتظر الصيف طائر
و نمت.. كنوم المهاجر
فعين تنام لتصحو عين.. طويلاً
و تبكي على أختها،
حبيبان نحن، إلى أن ينام القمر
نعلم أن العناق، وأن القبل
طعام ليالي الغزل
و أن الصباح ينادي خطاي لكي تستمرّ
على الدرب يوماً جديداً!
صديقان نحن، فسيري بقربي كفاً بكف
معا نصنع الخبر والأغنيات
لماذا نسائل هذا الطريق .. لأي مصير
يسير بنا؟
و من أين لملم أقدامنا؟
فحسبي، وحسبك أنا نسير...
معاً، للأبد
لماذا نفتش عن أغنيات البكاء
بديوان شعر قديم؟
و نسأل يا حبنا! هل تدوم ؟
أحبك حب القوافل واحة عشب وماء
و حب الفقير الرغيف!
كما ينبت العشب بين مفاصل صخرة
وجدنا غريبين يوماً
و نبقى رفيقين دوماً
وعاد في كفن
يحكون في بلادنا
يحكون في شجن
عن صاحبي الذي مضى
وعاد في كفن
كان اسمه...
لا تذكروا اسمه!
خلوه في قلوبنا...
لا تدعوا الكلمة
تضيع في الهواء، كالرماد...
خلوه جرحاً راعفاً... لا يعرف الضماد
طريقه إليه...
أخاف يا أحبتي... أخاف يا أيتام ...
أخاف أن ننساه بين زحمة الأسماء
أخاف أن يذوب في زوابع الشتاء!
أخاف أن تنام في قلوبنا
جراح نا ...
أخاف أن تنام !!
العمر... عمر برعم لا يذكر المطر...
لم يبكِ تحت شرفة القمر
لم يوقف الساعات بالسهر...
و ما تداعت عند حائط يداه ...
و لم تسافر خلف خيط شهوة ...عيناه!
و لم يقبل حلوة...
لم يعرف الغزل
غير أغاني مطرب ضيعه الأمل
و لم يقل : لحلوة الله !
إلا مرتين
لت تلتفت إليه ... ما أعطته إلا طرف عين
كان الفتى صغيراً ...
فغاب عن طريقها
و لم يفكر بالهوى كثيراً ...!
إلى أمي
أحنّ إلى خبز أمي
وقهوة أمي
ولمسة أمي
وتكبر في الطفولة
يوماً على صدر يوم
وأعشق عمري لأني
إذا متّ،
أخجل من دمع أمي!
خذيني، إذا عدت يوماّ
وشاحاّ لهدبك
وغطّي عظامي بعشب
تعمّد من طهر كعبك
وشدّي وثاقي..
بخصلة شعر
بخيط يلوّح في ذيل ثوبك..
عساي أصير إلها
إلها أصير..
إذا ما لمست قرارة قلبك!
ضعيني، إذا ما رجعت
وقوداً بتنور نارك..
وحبل غسيل على سطح دارك
لأني فقدت الوقوف
بدون صلاة نهارك
هرمت، فردّي نجوم الطفولة
حتى أشارك
صغار العصافير
درب الرجوع...
لعشّ انتظارك!