سورة المسد
سورة المسد سورة مكية من المفصّل، وتسمّى بسورة: تبّت، تتكوّن من خمس آيات، وتقع في المصحف بترتيب مئة وإحدى عشر بالنسبة لباقي السور، وكان نزولها بعد نزول سورة الفاتحة، وبدأت سورة المسد بالدعاء على أبي لهب، وتجدر الإشارة إلى أنّ لفظ الجلالة لم يُذكر فيها، وتقع في الجزء الثلاثين من أجزاء المصحف، في الحزب الستين، في الربع الثامن منه، وتتحدث السوة بشكل عام حول هلاك أبي لهب الذي يُعدّ من أعداء الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، حيث كان شديد العداء لرسول الله عليه الصلاة والسلام، فكان يتبعه ليُفسد عليه دعوته ويُبطلها، ويصدّ الناس عن التوحيد وعن الإيمان بالله تعالى ورسوله، ولذلك فقد وعده الله تعالى بالنار الموقدة في آخر السورة، وتشترك زوجته معه بالعذاب، ولكن من نوع آخر يتمثّل بالحبل من الليف الذي يُوضع على رقبتها وتُجّر به إلى النار.[١]
سبب نزول سورة المسد
روى الإمام البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال في سبب نزول سورة المسد: (صعِد النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الصَّفا ذاتَ يومٍ ، فقال: يا صَباحاه، فاجتمَعَتْ إليه قريشٌ، قالوا: ما لَك؟ قال: أرأيتُم لو أخبَرتُكم أنَّ العدُوَّ يُصَبِّحُكم أو يُمَسِّيكم، أما كنتُم تُصَدِّقونَني، قالوا: بلى، قال: فإني نذيرٌ لكم بينَ يدَي عذابٍ شديدٍ، فقال أبو لَهَبٍ: تَبًّا لك، ألهذا جمَعْتَنا؟ فأنزَل اللهُ: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ)،[٢] كما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما في بيان سبب نزول سورة المسد أنّ النبي عليه الصلاة والسلام قام في قريش منادياً: يا آل غالب يا آل لؤي يا آل كلاب يا آل قصي يا آل عبد مناف، قائلاً لهم: (إني لا أملك لكم من الله شيئا ولا من الدنيا نصيبا إلا أن تقولوا لا إله إلا الله)، فقال له أبو لهب: (تباً لك لهذا دعوتنا؟)، فنزل قول الله تعالى: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ)،[٣] كما ورد عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه فيما رُوي عنه أنه قال: (لمَّا نزَلتْ هذه الآيةُ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] ورَهْطَك منهم المُخلَصينَ، قال: وهنَّ في قراءةِ عبدِ اللهِ، خرَج رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى أتى الصَّفا فصعِد عليها ثمَّ نادى: يا صَبَاحاه، فاجتمَع النَّاسُ إليه فبيْنَ رجُلٍ يجيءُ وبيْنَ رجُلٍ يبعَثُ رسولَه فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا بني عبدِ المُطَّلبِ يا بني فِهْرٍ يا بني عبدِ مَنافٍ يا بني يا بني أرأَيْتُم لو أخبَرْتُكم أنَّ خَيلًا بسَفْحِ هذا الجبلِ تُريدُ أنْ تُغِيرَ عليكم أصدَّقْتُموني؟ قالوا: نَعم، قال: فإنِّي {نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [سبأ: 46]، فقال أبو لَهَبٍ : تبًّا لك سائرَ اليومِ أمَا دعَوْتُمونا إلَّا لهذا ثمَّ قام فنزَلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}).[٤][٥]
عبر وعظات من سورة المسد
تحمل سورة المسد العديد من العبر والعظات والدروس، حيث قال الله تعالى فيها: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ*مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ*سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ*وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ*فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ)،[٦] وفيما يأتي بيان بعض الدروس والعبر التي تتضمنتها سورة المسد:[٧]
- الإسلام يستنكر ويستهجن أفعال الظالمين وتعدّيهم بأمورهم، وإن كانوا من رؤساء القوم وزعمائهم، وذلك ما حصل بأبي لهب، فالإسلام لا يعدّ ديناً سياسياً أو تظاهرياً، كما أنّ الأمور والشؤون السياسية جزء من الدين الإسلامي، فكما أن الإسلام حدد العلاقة بين العبد وربه فإنّه حدد العلاقة بين العباد، ولذلك فقد بيّن القرآن الكريم كيفية الرد والصد للاضطهاد السياسي الذي قد يقع، فاستنكر الله تعالى بالآيات التي أنزلها ما كان من أبي لهب، عندما قاطع خطاب النبي عليه الصلاة والسلام وصرف الناس عن دعوته عندما وقف الرسول عليه الصلاة والسلام خطيباً بالناس يدعوهم إلى الحق، وكان أبو لهب مستخدماً لمكانته في القوم وشأنه، ولذلك كان الرد على أبي لهب من الله تعالى وليس من الرسول عليه الصلاة والسلام، حتى يعلم الناس جميعهم أن الله تعالى يجازي الظالمين على ظلمهم ولا يتركهم دون حساب، فالله تعالى ينصر عباده، ويؤيّد من اتّبعه واتّبع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
- كان أبو لهب عالماً بأن الرسول صلى الله عليه وسلم صادقاً في دعوته، فأبو لهب عمّ النبي عليه الصلاة والسلام، ولذلك خصّ الله تعالى بعض المكذّبين بأسمائهم، فالتكذيب من أقرب الناس يكون أشد وذا أثر أكبر في قلوب المدعويين، وذلك مصير كل مكذّب بالله تعالى وبدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم.
- وجود مصير للظالم في الحياة الآخرة، فمصير وعذاب الحياة الدنيا لا عبرة بهما، حيث قال الله تعالى: (فَلا تُعجِبكَ أَموالُهُم وَلا أَولادُهُم إِنَّما يُريدُ اللَّـهُ لِيُعَذِّبَهُم بِها فِي الحَياةِ الدُّنيا وَتَزهَقَ أَنفُسُهُم وَهُم كافِرونَ)،[٨] فالله تعالى لم يذكر مصير أبي لهب في الحياة الدنيا، واكتفى بذكر مصيره في الحياة الآخرة.
- ينتشر الظلم، وتقوى شوكة الظالمين بنصرة بعضهم لبعض، ولذلك دور كبير في زرع الفتنة بين المسلمين، فكانت زوجة أبي لهب تنشر الفتنة، وتسعى في النميمة، وورد أنّها كانت تضع الشوك ليلاً في طريق الرسول عليه الصلاة والسلام، فالجزاء يكون بحسب العمل الذي قدّمه العبد في حياته الدنيا.
- الردّ على الظالمين يكون بالقول، ويترجم القول إلى العمل والفعل، فاختُصر الردّ على أبي لهب بالدعاء عليه، وباليقين وتقرير وقوع العذاب به، وذلك مما يدل على إعجاز القرآن الكريم، الذي أخبر بجزاء ومصير أبي لهب.
- الدلالة على أن الكفر لا ينتصر أبداً ما دام الهدف الذي يسعى إليه يتمثّل بالصدّ عن سبيل الله تعالى، فمهما كانت القوة التي يستند إليها الكافر في تحقيق مقصده من الأموال والأسباب إلا أنّه لن ينتصر على الحقّ، ولن يغني شيئاً من بطش وجزاء الله تعالى.
المراجع
- ↑ "سورة المسد"، www.e-quran.com، اطّلع عليه بتاريخ 29-12-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 4801، صحيح.
- ↑ سورة المسد، آية: 1.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 6550، أخرجه في صحيحه.
- ↑ "كتاب أسباب النزول"، library.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-12-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة المسد، آية: 1-5.
- ↑ "دلالات تربوية على سورة المسد"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-12-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة التوبة، آية: 55.