محتويات
نشأة أصول الفقه
يُعتَبر علم أصول الفقه من حيث التّأليف والتدوين من العلوم التي ظهرت في أواخر القرن الثاني الهجريّ، أما من حيث استنباط أحكام الفقه فقد بدأ في عصر كبار الصحابة رضوان الله عليهم، حيث إنّهم كانوا يستنبطون الأحكام الشرعيّة لتطبيقها على وقائع وأحداث جديدة من غير ضوابط، فقد كانوا على دراية تامّة باللغة العربيّة، وأسباب نزول القرآن، والناسخ والمنسوخ، إلى غير ذلك ممّا يخصّ أصول الفقه، بالإضافة إلى مُعايشتهم ومُشاهدتهم لأفعال النبي عليه الصّلاة والسّلام.
في عهد التابعين ومن بعدهم كَثُرت الحاجة إلى استنباط الأحكام بسبب كثرة الحوادث والمُستجدّات النّاتجة عن اتّساع البلاد الإسلاميّة، فدعت الحاجة إلى وضع قواعد مُحدّدة للسير عليها في استنباط الأحكام. غير أنّ علم أصول الفقه بقي علماً تطبيقيّاً غير مُترجم إلى قواعد ونظريات، حتى جاء الإمام الشافعيّ رحمه الله وجمع مسائله في كتابه الرسالة، بعد ذلك كثرت المُؤلّفات الأصوليّة وأصبح الاجتهاد والاستنباط من الأدلّة مُيسّراً؛ لأن الأحكام أصبحت محصورةً ومعلومةً، وطرق الاستنباط أصبحت واضحةً ومُنضبطةً.[١]
معنى أصول الفقه
عرّف الأصوليّون أصول الفقه باعتبارين؛ الأول أُطلق عليه المعنى الإضافيّ، والثاني المعنى اللقبيّ.[٢]
معنى أصول الفقه الإضافي
فأصول الفقه لفظ مُركّب من كلمتين: أصول، وفقه، ولا يمكن معرفة معناه إلا بعد معرفة ما تركّب منهما.
معنى الأصول
الأصول في اللغة جمع أصل، وهو ما يُبنى عليه غيره ولا يُبنى هو على غيره، والأصل: ما يثبت حكمه بنفسه ويَبنى على غيره.[٣]
أما في الإصطلاح فيطلق على عدّة معانٍ، منها:[٤]
- الأصل بمعنى الدليل، ومنه قول الأصوليّ: الأصل في هذه المسألة الكتاب، وقول الفقيه: الأصل في وجوب الصّلاة قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ)؛[٥] أي الدليل المُثبَت لوجوبها والقائم عليه الشيء.
- الأصل بمعنى القاعدة، ومثاله قول الرسول عليه الصّلاة والسّلام: (لا ضررَ ولا ضِرارَ)[٦] هذا الحديث أصل من أصول الشريعة، أي قاعدة من قواعدها.
- الأصل بمعنى المُستَصحب، ومثاله قول الفقهاء: الأصل براءة الإنسان؛ أي أنّ الإنسان بريءٌ حتى تثبت إدانته، فالأصل البراءة من كل شيء، إلا أذا حدث ما يُغيّر تلك البراءة فيكون عارضاً طارئاً عليها.
- الأصل بمعنى الراجح، ومثاله القول بأنّ الأصل في الكلام الحقيقة وليس المجاز؛ أي أنّ الأصل الأساسيّ للكلمة هو المعنى الحقيقيّ المُستَمدّ منها، وليس المعنى المجازيّ، إنّما يُصار إلى المجاز إذا تعذَّر الوصول إلى الحقيقة من الكلام.
- والمعنى الأول هو المراد في هذه المقالة فيكون معنى أصول الفقه: أدلة الفقه التي استند إليها في استنباط الأحكام الفقهيّة العمليّة.
معنى الفقه
الفقه في اللغة بالكسر: العلم بالشيء، والفهم له، والفطنة، وغلب على علم الدين لشرفه،[٧] ومنه قول الله عزّ وجلّ: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ۗ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِكَ ۚ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۖ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا )؛[٨] والمراد بقوله: يفقهون، أي يفهمون.
يُعرّف الفقه اصطلاحاً بأنّه العلم بالأحكام الشرعيّة العمليّة المُكتَسبة من أدلّتها التفصيليّة.[٩]
أصول الفقه اللقبي
عرّف الأصوليون علم أصول الفقه بمعناه اللقبيّ، أي باعتباره اسماً لعلمٍ مخصوص، بتعريفين، هما:[٢]
- أصول الفقه هو معرفة دلائل الفقه إجمالاً، وكيفيّة الاستفادة منها، وحال المستفيد. وقد حوى التّعريف مجموعةً من النقاط، بيانها فيما يأتي:
- (معرفة): أي العلم بالأدلة التي تثبت بها الأحكام الشرعيّة من واجب، ومندوب، ومباح وغيره.
- (دلائل): أي الأدلة المُتّفق عليها، وهي الكتاب، والسُنّة، والإجماع، والقياس، والأدلة المُختَلف فيها كالاستحسان وقول الصحابيّ وغيره، فمعرفة دلائل الفقه هي أن يعرف المُجتَهِد الأدلة التي يحتجّ بها.
- (إجمالاً): أي من حيث الإجمال، مثل: الإجماع حُجّة، والأمر المُطلَق للوجوب.
- (كيفية الاستفادة منها): أي أن يعرف الفقيه أو المُجتَهد كيف يستنبط الأحكام الشرعيّة من الأدلة الإجماليّة.
- (حال المُستفِيد): المستفيد هو المُجتهد الذي يستنبط الأحكام الشرعيّة العمليّة من الأدلة الجُزئيّة، ومعرفة حاله تكون بمعرفة شروط الاجتهاد، ومعرفة ما يَقبل الاجتهاد وما لا يقبله وغير ذلك.
- المعنى الثاني لعلم أصول الفقه هو: العلم بالقواعد التي يتوصّل بها إلى استنباط الأحكام الشرعيّة العمليّة من أدلّتها التفصيليّة.
موضوع علم أصول الفقه
اختلف علماء الأصول في تحديد الموضوعات التي يتناولها علم أصول الفقه على أربعة أقوال:[١٠]
- يرى أصحاب القول الأول أنّ موضوع علم أصول الفقه هو الأحكام الشرعيّة من حيث ثبوت الأدلّة، والمقصود بالأحكام الشرعيّة الأحكام التكليفيّة، وهي الوجوب، والندب، والحرمة، والكراهية، والإباحة، والأحكام الوضعيّة التي تتكوّن من السبب، والشرط، والمانع، والصحة والفساد.
- يرى أصحاب القول الثاني أن موضوع علم اصول الفقه هو الأدلة والأحكام الشرعيّة؛ فالأدلة من حيث إنّها تثبت بالأحكام، والأحكام من حيث ثبوتها بالأدلة.
- ذهب أصحاب الرأي الثالث إلى القول بأن موضوع علم اصول الفقه هو الأدلّة والاجتهاد والترجيح.
- يرى أصحاب القول الرابع أن موضوع علم اصول الفقه هو الأدلة الكليّة من حيث إنه يَثبت بها حكم كُليّ، فكانت الأدلة هي الوسيلة المُؤدّية إلى معرفة الأحكام الشرعيّة.
فائدة دراسة أصول الفقه
دراسة علم أصول الفقه تعود بفوائد كثيرة على المجتهد وغير المجتهد، ومن هذه الفوائد:[١١]
- فوائد دراسة علم أصول الفقه للمجتهد:
- القدرة على استنباط الأحكام الشرعيّة العمليّة من خلال تطبيق قواعده على الأدلة التفصيليّة.
- القدرة على استنباط الأحكام لكل الوقائع والمُستجدّات التي تحدث.
- معرفة مناهج الفقهاء في استنباط الأحكام.
- تحديد مواطن الاتّفاق والاختلاف بين الفقهاء في المسائل الفقهيّة.
- فوائد دراسة علم أصول الفقه لغير المجتهد:
- يستفيد من هذا العلم الداعية إلى الله في دعوته؛ فيستطيع الدفاع عن دينه، وإقناع خصمه بما يريده من دعوته إلى الله.
- يستفيد منه القائم على تدريس علوم التّفسير والحديث في تبيين دلالات الألفاظ على الأحكام.
المراجع
- ↑ د. شعبان محمد اسماعيل (1981)، أصول الفقه تاريخه ورجاله (الطبعة الأولى)، الرياض: دار المريخ، صفحة 20-21. بتصرّف.
- ^ أ ب عبد الرحيم بن الحسن بن علي الإسنوي (1999)، نهاية السول شرح منهاج الوصول (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 7-12. بتصرّف.
- ↑ الجرجاني (1983)، التعريفات (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 28. بتصرّف.
- ↑ الشوكاني (1999)، إرشاد الفحول إلي تحقيق الحق من علم الأصول (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتاب العربي، صفحة 17، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 43.
- ↑ رواه النووي، في الأربعون النووية، عن أبو سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 32، حسن.
- ↑ مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادى (2005)، القاموس المحيط (الطبعة الثامنة)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 1250. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 78.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة، السعودية: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، صفحة 18.
- ↑ الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزحيلي (2006)، الوجيز في أصول الفقه الإسلامي (الطبعة الثانية)، دمشق: دار الخير للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 29، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ د. عبد الله محمد الصالح (2007)، أصول الفقه الإسلامي، صفحة 15. بتصرّف.