محتويات
الرزق
خلق الله تعالى الخَلق وقسّم بينهم أرزاقهم، فتجد منهم الفقير الذي لا يجد ما يكفيه قوت يومه، وتجد منهم المسكين، ومنهم العفيف الذي لا يعرفه أحدٌ ولا ينتبه لأمره أحدٌ، وآخرهم الغنيّ الذي يملك قوت يومه وكفايته، والغنى على مراتب؛ فمن الأغنياء من لا يملك زيادةً عن حاجته إلّا الشّيء اليسير، ومنهم من يملك المال الكثير الذي يزيد عن حاجته، فيتمتّع بالكماليّات ويكون أبعد ما يكون عن حفظ ماله، ومنهم من يغرق في الفائض عن ماله، فيكسبه ذلك جاهاً ومنصباً رفيعاً بين الناس، فيخضع الناس لأمره وينتهون لنهيه، ويتسابقون لاكتساب وُدّه، ومع ذلك يبقى قلقاً خائفاً من زوال ماله، فلا يهدأ له بالٌ، ولا يزول عنه الهمّ؛ لكثرة حساباته للآخرة، فمن ملك قوت يومه ونفقته ومسكنه الذي يأوي إليه؛ فقد ملك الدنيا بما فيها، لا فقر يشغله بالعناء منه، ولا غنى يطغيه ويغرق فيه، فرزق العباد على الله تعالى، لا ينقصه أحدٌ ولا يقدر على زيادته أحدٌ، وهو حاصلٌ عليه واصلٌ إليه لا محالة، ومهما بذل جهده وسعى في الأرض، فلن يحصل إلّا على ما كتبه الله تعالى له، فلا يتذمّر ولا يشكو من القدَر.[١]
مفاتيح الرزق
خَلق الله تعالى الكون وهيّأ فيه أسباب الرزق، فخَلق الأرض فيها ينبت الزرع، وعليها يعيش الإنسان، وخلق السماء منها يهطل المطر؛ فينبت هذا الزرع، ليأكل الإنسان، وخلق الدوابّ وسخّرها للإنسان في أصوافها، وأوبارها، وأشعارها، ولحومها وألبانها، وخلق للإنسان الأعضاء التي بها يتكسّب، والعقل الذي فيه يفكّر، فتستقيم حياته، ثمّ أمره أن يسعى لطلب رزقه، فالرزق لا يأتي على متكاسلٍ ومتواكلٍ، فقد سعى الأنبياء والصّالحون لطلب رزقهم، والأكل من عمل أيديهم، وقد كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يلازمون رسول الله؛ ليتعلّموا منه، بعد خروجهم وسعيهم للحصول على كفايتهم، وربّما كان لبعضهم يومٌ للعمل ويومٌ لملازمة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- والأخذ عنه، فطلب الرزق أمرٌ حضّ عليه الشّرع ببذل الأسباب الموصلة إليه، والتوكلّ على الله بعد ذلك، وحضّ عليه العقل، فالكافر يخرج أيضاً بحثاً عن مؤونته، وحضّت عليه الفطرة بخروج الحيوانات من مساكنها بحثاً عن لقمة يومها، ولمّا حثّ ديننا الحنيف على طلب الرزق، فقد حصر هذا الطلب بالطرق المشروعة، فحرّم السرقة والنهب وكلّ طريقٍ مشبوهٍ للحصول على الرزق، ومع ذلك فقد يبسط الله تعالى الرزق للعُصاة؛ استدراجاً لهم، وهيّأ للطائعين سبل الرزق وأسبابه التي تعينهم في جلبه وبركته، ومن هذه الأسباب بشكلٍ مفصّلٍ ما يأتي:[٢]
- الاستغفار لله تعالى استغفاراً صادقاً، فقد قال الله تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا).[٣]
- البرّ وصلة الأرحام، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (مَن سرَّهُ أن يُبسطَ لَه في رزقِهِ، وأن يُنسَأَ لَه في أثرِهِ؛ فليَصِلْ رَحِمَهُ).[٤]
- التبكير في الخروج لطلب الرزق، فقد كان رسول الله إذا أراد أن يُخرج جيشاً أو سريّةً، يخرجهم في أوّل النهار.
- التوكّل على الله مع الأخذ بالأسباب الشرعيّة؛ فالأخذ بالأسباب الشرعيّة لا يضرّ بالتوكّل على الله، وإنّما يربي النفس على السعي والحركة.
- الجهاد في سبيل الله.
- الصدقة والإنفاق في وجوه الخير.
- شكر الله على ما أنعم به علينا، قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ ).[٥]
- الزواج من أجل العفاف؛ لقوله تعالى: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).[٦]
- الدعاء؛ وهو سببٌ في جلب كلّ ما هو مشروعٌ من أمور الدنيا والآخرة.
قواعد الرزق
ينبغي للمسلم أن يضع أمامه مجموعةً من القواعد الهامّة وهو متوجّهٌ لطلب الرزق، تعينه تلك القواعد على السير في هذه الطريق، دون خوفٍ أو همٍّ، وبيان هذه القواعد بشكلٍ مفصّلٍ على النحو الآتي:[٧]
- الإسلام يحثّ على العمل وينهى عن البطالة والكسل، وهذا ما ورد في كثيرٍ من آيات القرآن الكريم وأحاديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقد شمّر رسول الله عن ساعديه للعمل في خدمة دينه، وكذلك الصحابة رضوان الله عليهم، وقد وصّى رسول الله بذلك حتى آخر لحظةٍ من حياة الإنسان، فقد قال: (إنْ قامَتِ الساعةُ وفي يدِ أحدِكمْ فَسِيلةٌ، فإنِ استطاعَ أنْ لا تقومَ حتى يَغرِسَها فلْيغرِسْهَا).[٨]
- الرزق ليس هو المال فقط؛ فالكثير من النّاس ينظرون إلى الرزق على أنّه المال فقط، وإنّما هو كلّ ما تقوم به الحياة؛ من الزوجة الصالحة، وقيام الليل، والحُبّ في الله، وغيرها ممّا أعطاه الله للإنسان.
- الرزق بيد الله وحده؛ فالله تعالى هو الذي خَلق، وهو الذي رزق؛ فهو المعطي وحده دون أن يشُقّ ذلك عليه، ودون أن ينقص من ملكه شيء، فما على الإنسان إلّا أن يسعى طلباً للرزق، ثمّ يتوكّل على الله، والله يعطيه من رزقه دون أن ينقص شيئاً ممّا كتبه الله تعالى له.
- الرزق بيد الله فلا همّ؛ فلا بدّ أن يعلم العبد أنّ الرزق الذي كتبه الله له سيحصّله، وهذا أصل مهمٌّ من أصول الإيمان بالله تعالى.
- كثرة الرزق لا تدلّ على محبّة الله؛ فقد يبسط الله على أهل الضلال في الرزق، ويقتّر على أهل الإيمان، فلا يظنّ أن الله يحبّهم ويصطفيهم، فالله يعطي الدنيا لمن يحبّ ومن لا يحبّ، ولا يعطي الآخرة إلّا لمن يحبّ.
- الله هو المتصرّف في أرزاق العباد؛ فيجعل من يشاء منهم غنيّاً، ويجعل من يشاء منهم فقيراً، وذلك لحكمٍ لا يعلمها إلّا هو.
- يُبارك في الرزق بالطاعة ويمحقه بالمعصية؛ فما عند الله من الرزق والبركة لا يُنال إلّا بطاعته.
- من استعجل الرزق بالحرام مُنع الحلال.
المراجع
- ↑ خالد البلهيد، "خاطرة: (منازل الرزق)"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-9-2018. بتصرّف.
- ↑ عبدالله العواضي (20-10-2014)، "مفاتيح الرزق"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-9-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة نوح، آية: 10-12.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 5985، صحيح.
- ↑ سورة إبراهيم، آية: 7.
- ↑ سورة النور، آية: 32.
- ↑ حسام إبراهيم، "قضية الرزق ، وكيف نظر الإسلام إليها ؟"، saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-9-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني ، في صحيح الجامع ، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 1424، صحيح.