حقوق الأبناء في الإسلام
إنّ ممّا يدل على عدل الله تعالى، أنّه أوجب للآباء حقوقاً على أبنائهم، مثل: البرّ والإنفاق عليهم في حال الفقر، وفي المقابل أوجب للأبناء حقوقاً على الآباء، وثمّة أدلةٌ عديدةٌ من القرآن الكريم والسنّة النبويّة تدلّ على ذلك، ومن تلك الحقوق:[١]
- اختيار الأسماء الحسنة للأولاد، وتعليمهم، والعدل بينهم، والإحسان إليهم في المعاملة، فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (اتَّقوا اللهَ، واعْدِلُوا بينَ أولادِكمْ، كما تحبونَ أن يَبَرُّوكُم).[٢]
- النفقة على الأولاد: وتكون النفقة واجبةً على الأب في حال فقر الابن، كما قال تعالى: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا).[٣]
- حسن التربية: حيث يجب على الآباء أمر أبنائهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر؛ حتى ينجوا من عذاب النار ويدخلوا الجنّة، كما قال تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ).[٤]
- اختيار الأمّ الصالحة: إذ إنّ اختيار الأمّ الصالحة ذات الدين والخلق من حقوق الأبناء على آبائهم، حيث قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (تُنكَحُ المرأةُ لأربَعٍ: لمالِها ولحَسَبِها وجَمالِها ولدينها، فاظفَرْ بذاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَداكَ)،[٥]
عقوق الآباء للأبناء
لم تقتصر الشريعة الإسلامية على تحذير الأبناء من خطر عقوق الآباء، بل حذرت الآباء من عقوق أبنائهم أيضاً، حيث قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (ألا كُلّكُم راعٍ، وكلّكُم مسئولٌ عن رعيّتهِ، فالأميرُ الذي على الناسِ راعٍ، وهو مسئولٌ عن رعيّتهِ، والرجلُ راعٍ على أهلِ بيتهِ، وهو مسئولٌ عنهم)،[٦] ويمكن القول أنّ عقوق الآباء لأبنائهم من أمراض المجتمع التي لا بُد من الانتباه إليها، فثمّة صورٌ عديدةٌ لذلك العقوق، منها:[٧]
- التفرقة في المعاملة: من المعروف أنّ الإنسان لا يملك قلبه، فمن الممّكن أن يحبّ الأبّ أو الأمّ بعض أبنائهم أكثر من الآخرين وهذا أمرٌ فطريّ لا بأس فيه، ولكن تبدأ المشكلة إذا ظهر ذلك الحب في معاملتهم لذلك الابن بصورةٍ مميّزةٍ عن باقي إخوانه، ممّا يورث الحقد في قلوب باقي الإخوة على والديهم وأخيهم عند شعورهم بالتمييز، وقد حصل ذلك مع أحد الأنبياء الذين هم خير البشر، حيث إنّ يعقوب -عليه السّلام- كان يحبّ ابنه يوسف -عليه السّلام- أكثر من أبنائه الآخرين، ولكنّه كان حريصاً على أن يخفي ذلك عنهم؛ لأنّه كان يعلم أنّ معرفتهم بحبّه ليوسف سيزيد من حقدهم على أخيهم، وممّا يدلّ على ذلك قول الله تعالى روايةً عن يوسف عليه السّلام: (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ)،[٨] فرد عليه يعقوب عليه السلام قائلاً:(قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ)،[٩] فأمر يعقوب ابنه يوسف بإخفاء الرؤيا عن إخوته، ثمّ فسرها له، وهذا يدلّ على ضرورة إخفاء الوالدين حبّ أحد أبنائهم أكثر من الآخرين، ومن الجدير بالذكر أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنكر تمييز أحد الآباء لولده، ورفض الشهادة على هبةٍ منه لذلك الولد، حيث سأل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- الرجل: (ألَكَ ولَدٌ سِوَاهُ، فقال: نعم، فقال:لا أَشْهَدُ على جَوْرٍ).[١٠]
- الاستبداد بالرأي: ويكون الاستبداد في الرأي من أشدّ صور العقوق، إذا كان يتعلّق بمستقبل الأولاد؛ كاختيار التخصص الذي سيدرسونه في الجامعة، أو طبيعة عملهم، أو تزويج الفتاة دون رضاها، كما حصل عندما جاءت فتاةٌ إلى الرسول -عليه الصّلاة والسّلام- تشكو إليه أنّ أباها يريد تزويجها من أحد أقاربها؛ ليرفع به خسيسته، فرفض رسول الله ذلك وردّ الزواج، فلمّا رأت الفتاة أنّ الأمر لها، قالت: (يا رسول الله قد أجزت ما أجاز أبي، غير أنّي أحببت أن أعلم من ورأي من النساء أن ليس للأباء في هذا الأمر من شيء).
- العلاقات المحرّمة:حيث إنّ العلاقات المحرّمة التي يقيمها بعض الآباء تعتبر من العقوق بأبنائهم، فربّما تنعكس هذه العلاقات؛ كالحب والعشق المحرم على تربية الأولاد، وربما تنهار صورة الأب المثاليّة أمام أولاده في حال اكتشفوا أمر تلك العلاقات، ولذلك قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (اتَّقِ المحارمَ تكن أَعْبدَ الناسِ)،[١١]
- الاهتمام بالطعام والشراب على حساب التربية: إذ إنّ إهمال تربية الأولاد بحجة الانشغال بجمع الأموال؛ لتحسين حياتهم يعتبر من العقوق، فالتربية أهمّ من الحرص على جمع المال.
قصصٌ من حياة السلف
جاء رجلٌ في أحد الأيام لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يشكو عقوق ابنه، فطلب عمر إحضار الولد، فلّما جاء أنّبه على عقوقه لأبيه، فقال الولد: يا أمير المؤمنين، أليس للولد حقوقٌ على أبيه؟ فقال: نعم، فقال الولد: فما هي يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر: أن يحسن اختيار أمه، ويحسن تسميته، ويعلمه القرآن الكريم، فقال الولد: فإنّ أبي لم يفعل شيء من ذلك، فقد تزوج من زنجية كانت لمجوسي فأنجبتني، وسمّاني جعلاً؛ أي خنفساء، ولم يعلمني حرفاً واحداً، فنظر عمر بن الخطاب إلى الرجل وقال له: (جئتني تشكو عقوق ولدك، وقد عققته قبل أن يعقّك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك)، وممّا رُوي عن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- أنّه غضب من ابنه يزيد في أحد الأيام، فأرسل إلى الأحنف بن قيس يسأله عن رأيه في البنين، فردّ عليه الأحنف: (هم ثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، نحن لهم أرضٌ ذليلةٌ، وسماءٌ ظليلةٌ، فإن طلبوا فأعطهم، وإن غضبوا فأرضهم، فإن يحبوك جهدهم، ويمنحوك ودّهم فلا تكن عليهم ثقيلاً، فيملّوا حياتك ويتمنوا وفاتك).[١٢]
المراجع
- ↑ "عقوق الآباء للأبناء"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-7-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في الجامع الصغير، عن النعمان بن بشير، الصفحة أو الرقم: 112 ، صحيح.
- ↑ سورة البقرة، آية: 233.
- ↑ سورة طه، آية: 132.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 5090 ، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1829 ، صحيح.
- ↑ "أيها الآباء.. ارحموا الأبناء"، islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-7-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة يوسف، آية: 4.
- ↑ سورة يوسف، آية: 5.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن النعمان بن بشير، الصفحة أو الرقم: 2650 ، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 100 ، حسن.
- ↑ "بر الوالدين .. أم .. بر الأبناء"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-7-2018. بتصرّف.