مما انتشر انتشاراً كبيراً في مجتمعاتنا ظاهرة الأغاني التي ملأت شاشاتنا و منتدياتنا صخباً و ضجيجاً ، حتّى أصبح المستمع لا يفرّق بين المغنّين من كثرتهم ، كما ساهمت التّكنولوجيا الحديثة في ظهور أدواتٍ لم تعرفها النّاس من قبل ، دخلت في عالم الغناء لتغّير الأصوات و تحوّرها و تضفي عليها التّأثيرات المختلفة ، فأصبح كلّ شيءٍ في عالم الغناء مصطنعٌ مبتذلٌ ، و النّاظر فينا لأحوالٍ كثيرٍ من هؤلاء المغنّين يكتشف أنّهم مجرد أناسٍ دخلوا هذه المهنة لغرض التّجارة و التّربح فقط ، فبعد أن كان في مجال الغناء بعض المحترمين الملتزمين ، أصبح هذا المجال ملاذاً لكلّ منحرفٍ و متكسّب ، و قد عرف العرب قديماً الغناء و ردّدوه ، و لم يكن شكل الغناء بحال كشكله في العصر الحاضر ، و إنّما كان الغناء بترديد أبيات الشّعر الملتزم و التّرنم بها ، مع استعمال ما أحلّه الله تعالى من أدوات الغناء و هو الدّف ، و قد ثبت عن النّبي صلّى الله عليه و سلّم أنّه كان في بيته يوماً جاريتان تغنّيان بما أحلّه الله تعالى من الكلام ، و لم ينهاهم الرّسول عليه الصّلاة و السّلام عن ذلك لأنّها كانت أيّام عيد ، و كانت الجاريتان صغيراتٍ في السّن ، كما كان المسلمون يترنّمون و ينشدون في معاركهم و غزواتهم بما اصطلح على تسميته بالنّشيد ، و الذي نحن بصدد أدانته هنا الأغاني التي حرّمها الله و تنطبق على أغلب أحوال الغناء المعاصر ، فما حكم من يستمع إلى هذه الأغاني ؟ .
لا ريب أنّ القلب وعاءٌ ، و هذا الوعاء إذا امتلأ بالتّقوى و الإيمان و العمل الصالح نفث الخبث ، و إذا مليء بالخبث و الكلام السّيء و العقيدة الفاسدة لم يستطع الإيمان أن يدخل إليه ، فإذا استمع الإنسان إلى ما حرّم الله تعالى من الأغاني لم يعد قادراً على استيعاب الذّكر ، بل تراه ينشغل عن ذلك كلّه ، و قد روي حديث عن النّبي عليه الصّلاة و السّلام أنّه من جلس إلى قينّةٍ يستمع إليها فكأنّما صبّ في أذنيه الآنك.