حق اليتيم في النَّسب
أنعم الله -عز وجل- على الإنسان بالكثير من النعم العظيمة، ومنها نعمة النَّسب، فقد قال -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا)،[١] وحقّ إثبات نسب المولود من أكثر الحقوق أهميّةً للطّفل اليتيم، حيث إن له دوْراً أساسيّاً في حماية الأُسَرِ من أي تفكُّكٍ أو شكٍّ أو ريبةٍ وانهيار، ويثبت به حقوقاً أساسيّةً للطفل اليتيم؛ كالرضاعة، والحضانة، والنفقة، والميراث، ولذلك فقد جعلت الشّريعة الإسلامية ثبوت الأنساب وحفظها قائماً على الحقيقة الواضحة، وبعيداً عن هوى الإنسان ومزاجه؛ بهدف الحماية من الكذب والتدليس، فأمر الله -عزّ وجلّ- في كتابه الحكيم أن يُنسب الأطفال إلى آبائهم إن كانوا معروفين، فقال -سبحانه-: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ ۚ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ).[٢][٣]
شروط تبنّي طفل يتيم
يُعرّف التّبنّي بأنه إعادة نسب ابنٍ إلى غير والده الحقيقي، وبهذا فإنّه يُعتبر كالابن من الصُّلب ويُعامل بأحكامه؛ من الصِّلة، والميراث، والخلوة، ورؤية من لا يحلّ له، والمحرميّة، والمصافحة، وغير ذلك من الأمور والأحكام التي لا تكون إلا للابن من صُلب أبيه،[٤] وقد حرّمت الشريعة الإسلاميّة التبنّي وأبطلته، فقد ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (وَمَنِ ادَّعَى إلى غيرِ أَبِيهِ، أَوِ انْتَمَى إلى غيرِ مَوَالِيهِ، فَعليه لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لا يَقْبَلُ اللَّهُ منه يَومَ القِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا).[٥][٦]
وقد كان التبنّي من أعمال الجاهليّة التي جاء الإسلام فحرّمها؛ لِما يحمله من التّبعات السلبيّة على المجتمعات؛ كاختلاط الأنساب، وضياع الحقوق،[٧] ويجدر بالذكر أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- كان قد تبنّى زيد بن حارثة -رضي الله عنه-، وكان يُنادى عليه بزيدٍ بن محمّد، وذلك قبل بِعثته -عليه الصلاة والسلام-، وبقي رسول الله على تبنّيه لزيد حتى جاء أمر الله -عز وجل- بإبطال أمر التبنّي وتحريمه، وكان أمرُ الله -عزّ وجلّ- واضحاً في كتابه بأن من أراد التبنّي؛ فعليه إعادة نسب الطفل إلى أبيه الحقيقيّ، وإذا لم يُعرف والده فيُدعى مولىً أو أخاً في الإسلام، قال الله -تعالى-: (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّـهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّـهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَـكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا).[٨][٩]
أمّا كفالة اليتيم فقد حثّ عليها الإسلام،[١٠] فرعايته وكفالته، والقيام بأمره؛ من نفقةٍ، وكسوةٍ، وتربيةٍ صالحةٍ، وغيرها، من أعظم أعمال الخير التي تُقرّب العبد إلى الله -عز وجل-،[١١] والأفضل لِمن أراد كفالة يتيمٍ غير معروف النّسب في عمر الرضاعة؛ إنشاء علاقةٍ محرميّةٍ بين الكافل والمكفول من خلال الرّضاعة؛ فإن كان المكفول ولداً تقوم المرأة، أو أختها، أو ابنة أختها، أو ابنة أخيها بإرضاعه، فتكون حينئذٍ مَحرَماً له من الرِّضاع، وإذا كان المكفول بنتاً؛ فتُرضعه أخت الرجل، أو ابنة أخيه، أو ابنة أخته، فيكون الرّجلُ مُحرَّما عليها، وبذلك تصبح الحياة أكثر سهولة في العشرة والتعامل بين العائلة والمكفول.[١٢]
الفرق بين التبنّي ورعاية اليتيم
يفرّق بين تبنّي اليتيم ورعايته أو كفالته في الإسلام بالحكم الشرعيّ، فلا شك أن التبنّي مُحرّمٌ في كتاب الله -عز وجلّ- وسنّة نبيّه -صلى الله عليه وسلّم- كما تمّ بيانه سابقاً، ويُقصد بقول الله -تعالى-: (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ)؛[١٣] أنّه -عز وجل- لن يقبل من الرجل الذي يدّعي لنفسه ابناً بالتّبني أن يجعله كالابن الحقيقيّ في الأحكام من النّسب والميراث وغير ذلك، فيقول -سبحانه- بعد ذلك: (ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّـهُ يَقُولُ الْحَقَّ)،[١٣] حيث إن ادّعاء ذلك وقوله باللّسان لا يجعل الابن يعود في الحقيقة إلى صُلب من تبنّاه، بل يعود في نَسَبِه إلى الأب الفعليّ، وهذا الادّعاء لا يُخفي الواقع، ولا يغيّر الحقيقة، والله -سبحانه- وحده من يقول الحق الذي لا لبس فيه، وهذا حكم الله العادل الذي لا يأتيه الباطل.[١٤][١٥]
أما كفالة اليتيم فهي من أعظم وأجلّ الأعمال التي وعد الله بها الأجر والثواب العظيم، وهي رحمةٌ وإحسانٌ ورعايةٌ لمن فقد من يُعينه، سواء بالنفقة، أو التربية، أو التعليم، فإذا كبُر اليتيم وبلَغ السِّن الذي يستطيع عنده الاعتماد على نفسه، أو تزوّجت الفتاة التي كانت تحت الرعاية والكفالة، جاز للكافل تركهما وشأنهما دون قطيعة، فيستمرّ بالإحسان إليهما، شريطة عدم نسبتهما إليه بأيِّ شهادةٍ رسميّة، فيختار لهما من الأسماء المناسبة؛ كعبد الله، وعبد الرحمن، وغيرها من الأسماء المقبولة عرفاً، وهذه الأحكام فيها مصلحة شرعيّة عظيمة؛ حتى لا تختلط الأنساب، أو يرث أحدٌ مالاً ليس له فيه حقّ.[١٤][١٥]
المراجع
- ↑ سورة الفرقان، آية: 54.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 5.
- ↑ تسنيم محمد جمال حسن استيتي (2007)، حقوق اليتيم في الفقه الإسلامي، فلسطين: جامعة النجاح الوطنية، صفحة 32-33. بتصرّف.
- ↑ عبد الله الطيار (2011)، الفِقهُ الميَسَّر (الطبعة الأولى)، السعودية: مَدَارُ الوَطن، صفحة 151-152، جزء 11. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 1370، صحيح.
- ↑ محمد علي الصابوني (1980)، روائع البيان تفسير آيات الأحكام (الطبعة الثالثة)، دمشق: مكتبة الغزالي، صفحة 263، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ "نسبة الطفل اليتيم إلى الشخص الكافل على الأوراق الرسمية فقط"، www.islamweb.net، 2018-3-6، اطّلع عليه بتاريخ 9-7-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 4-5.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دارالسلاسل، صفحة 121-122، جزء 10. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين (2009)، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 14453، جزء 13. بتصرّف.
- ↑ لجنة الفتوى بالشبكة الإسلامية، كتاب فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 16078، جزء 11. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين (2009)، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 12762، جزء 12. بتصرّف.
- ^ أ ب سورة الأحزاب، آية: 4.
- ^ أ ب "لا يجوز نسبة اليتيم إلى زوجك بغرض كفالته"، www.islamqa.info، 2007-3-7، اطّلع عليه بتاريخ 9-7-2020. بتصرّف.
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة، السعودية: الجامعة الإسلامية، صفحة 176، جزء 10. بتصرّف.