خلق الله الإنسان على هذا الكون، وجعل له القدرة على مجاراة الحياة بشكل يليق بها، وفي كثير من الأحيان كان الإنسان ضاراً في هذه الحياة ولم يكن من السهل التعامل مع ما يحدث بالشكل الصحيح، فالكون الذي خلقه الله وأخلف فيه الإنسان كان لا بدّ على هذا الإنسان أن يكون أميناً على هذه الحياة الكريمة التي منحها الله له.
محتويات
كيف بنيت الكعبة
بيت الله الحرام، أكثر الأماكن طهراً على وجه الأرض، هو البيت الذي حماه الله على مر التاريخ من الأيدي العابثة التي حاولت مراراً وتكراراً العبث به، وتدميره بأكثر من طريقة، غير أن العناية الإلهية كانت دوما تقف في وجه أي اعتداء عليه، ومنذ بداية التاريخ، والإنسان يعرف أن هناك كعبةً موجودةً في الأرض، وأنّ الله سبحانه جعلها الملاذ الآمن للمسلمين جميعاً، وحديثنا اليوم سيدور عن مراحل بناء الكعبة كما سردها لنا التاريخ وبدون أي تدخلات منا، وهي كما يلي:
بناء الملائكة للكعبة
فمنذ أن نزل آدم عليه السلام والكعبة موجودة، والمسجد الحرام موجود على هذه الأرض، فرغم أنّ المنطقة كانت قاحلة ولا يوجد بها أحد إلّا أنّ بيت الله كان واقفاً في وسط الدنيا يجملها ويحميها، وقد كان الاعتقاد السائد أنّ الله قد أرسل الملائكة على كوكب الأرض من أجل أن يقوموا بناء هذا الصرح العظيم، ورفع أساساته بالكامل، ليكون شاهدا على تاريخ عظيم لا يمكن تجاوزه بأي حال من الأحوال، وعندما جاء آدم عليه السلام، كانت الحياة صعبة جداً، ومع بداية التأقلم مع الوضع الجديد، قام آدم عليه السلام بإعادة ترميم الكعبة ليوقفها بشكل واضح، وتبقى كذلك حتى يأمر الله بأن يصيبها الضر ويكون لها القدر والشأن الذي نعرفه اليوم، وهذه كانت مشيئة الله سبحانه وتعالى.
الطوفان يهدم الكعبة
وبعد أن بدأت الأرض تعمر، ويتكاثر الناس، ويتوالى التاريخ عليهم، فمات آدم، وبدأ أبناؤه يخلفون الأرض، فكانوا عبرة لكل من كان يأتي على هذه الأرض، وبدأت الحياة تختلف، فجاء نوح عليه السلام على قوم كانوا يعتقدون بعدم وجود إله على وجه الأرض، وأن الكون قد قام ببناء نفسه من تلقاء نفسه، وكانوا على الدوام يحاولون أن يتطاولوا على نبي الله سبحانه، وكانت المفاجأة عندما بدأت دعوة نوح عليه السلام لدين الله، لينال السخرية من قومه، فيأمره الله أن يبني سفينةً في أرض قاحلة، فيبدأ أعداء الله يتطاولون على نوح ليل نهار، حتى اكتمل بناء السفينة ويحمل عليها من كل زوج اثنين، ويأمر الله الأرض بأن تنشق ليخرج من بطنها ماء عظيم لا يوقفه أحد إلا الله سبحانه، وبدأت المياه تقذف بالسفينة شمالا وجنوبا، ودمرت كل من كان واقفا على الأرض، وحتى كعبة الله لم تسلم من هذا الطوفان العظيم، وتدمرت الكعبة بالكامل، وانتهت قصة نوح عليه السلام، وبقيت الكعبة بحاجة للبناء مجددا.
إبراهيم عليه السلام يعيد بناء الكعبة
وتوالت الأيام والسنين ليأتي نبي الله إبراهيم عليه السلام وينفي زوجته وابنه اسماعيل في الصحراء، ليدعو الله أن يجعل هذا بلداً آمنا، ومن وقتها والماء ينحدر من بين أرجل هاجر عليها السلام، وتبدأ الوفود بالتوافد إلى منطقة كانت جرداء فيما قبل، لتصبح بعدها أرضا بها ماء زمزم الذي لا ينضب أبداً، وقد حمى الله نبيه وأمه من الموت بسبب الأرض القاحلة، ليعود مرة أخرى إبراهيم إلى هذه الأرض ويعمر هو وابنه اسماعيل الكعبة المشرفة، ويرفع أعمدتها، ويكبر مساحتها، ويدعو الله أن يكون هذا المكان للمسلمين جميعا يتوافدون عليه من كل بقاع الأرض، ليتحقق بعد ذلك دعاء هذا النبي العظيم وتكون الكعبة المزار الأكثر أهمية في العالم كله.
ترميم الكعبة من قبل أهل مكة
بقيت الكعبة واقفة، ويزورها من يزورها، وكانت قد انتشر بها دين إبراهيم الحنيف، ولكن مع توالي الجماعات واختلافها ظهر أهل مكة وكانوا ممن يعبدون الأصنام، واستغلوا الكعبة ليطوف حولها الزوار من جميع الجهات، ولكن قبلتهم كانت للّات والعزى وليست لله سبحانه وتعالى، وتجرَّأ أهل مكة العرب على تدنيس الكعبة التي خلقها الله لتكون طاهرة طوال العمر.
إعادة البناء بعد الحرق
ولم يكن للكعبة أي أمر يتعلق بالدين بالنسبة لأهل مكة، فقط كان كل ما في الأمر أن يبقى هذا المكان واقفاً كما هو حتى يستطيع الزوار أن يأتوا باستمرار، وتكون أسواقهم مفتوحة على الدوام بعيدا عن الضر أو الضيق وما شابه.
محاولة أبرهة الحبشي هدم الكعبة
ومع توالى النكبات التي لحقت بالكعبة المشرفة، فلا يمكننا أن ننسى قصة أبرهة الحبشي الذي جاء على فيل ضخم، وكان كل هدفه أن يهدم الكعبة، ويدمر ما حولها من مقدسات تدل على دينها، وكان عداء هذا الحبشي للدين شديد، ولم يتوانى في جمع الحشود من أجل الفتك بالكعبة وما حولها، إلّا أنّ الله كان حاميها، وبقيت كذلك حتى جاء اليوم الموعود، فوقف محاولاً أن يهدمها بفيلته، إلّا أنّ الله قد أرسل طير الأبابيل التي بدأت ترميهم بحجارة من نار ليهلك هو ومن معه، وتبقى الكعبة واقفة صامدة في وجه المعتدين.
دفاع المسلمين عن مسجد الله الحرام
وبقي الدين يتوالى من يوم لآخر، ومكانة المسجد الحرام لم تختلف أو تتزحزح، فقد كان النبي يعرف جيداً أهمية هذا المكان للمسلمين جميعا، فهو الذي سيجمعهم فيما بعد، ويعمل على إعادة لحمة ووحدة المسلمين من كافة أنحاء العالم، وما زالت الأنظار تتطلع نحو السيطرة على المسجد الحرام من قبل الشيعة والكفار وغيرهم، ويبقى هذا البيت الذي حماه الله واقفاً في وجه كل اعتداء لم يتضرر بشيء، ولم يتأثر من أي سوء قد أصابه.
الكعبة الحديثة
ويتوالى التاريخ، وما زالت مكانة الكعبة باقية في مكانها، بل وتزداد أهمية عند كل مسلم من جميع جهات الأرض، ومن يرد أن يهديه الله أو يدله على الإسلام فما عليه إلا زيارة بيت الله الحرام والصلاة فيه التي تعادل مئة ألف صلاة، وبقيت الكعبة محفوظة حتى تولى الحكم آل سعود وتحول اسم مكة إلى اسم المملكة السعودية، واستطاعت هذه الأسرة أن تحكم البلد بالخير والإحسان، وتقدم كل الدعم من أجل أن تبقى الكعبة باقية على حالها، فبدأت عمليات توسيع الحرم المكي حتى يكون قادرا على استيعاب كل الأعداد الهائلة التي تأتي في كل عام لتزور الكعبة، كما أنها عملت على كساء الكعبة وتوسيع الطرقات في وجه المصلين والوافدين إليه من كل البقاع، ليكون خير أرض الله بيد خير أهل الإسلام، وتكون الكعبة قادرة على استيعاب الأعداد الهائلة التي تتوافد إليها من كل أنحاء العالم في سبيل الوصول إلى أعظم مكان خطاه الأنبياء والمرسلين، ويكون شاهداً على قيام المسلمين من كل مكان بالتعب والجهد للحصول على الغفران الذي أراده الله لعباده.
وختاماً فإنّ ثبوت هذا المبنى العظيم، وعدم ضياعه لهو دليل واضح على أن هذا المكان حاميه هو الله سبحانه وأن المكان الذي يحميه الله لا يمكن أن يزول عن وجه الأرض أو يضيع مهما كانت التحديات، ومهما كانت الظروف.