دعاء للحبيب

كتابة - آخر تحديث: ٠:٤٢ ، ٢ أبريل ٢٠١٩
دعاء للحبيب

الحُبّ جمال

الحُبّ من أرقّ ما حوته اللغة ومن أجمل ما تزيّنت به الكلمات، والحبّ من أرهف المشاعر وأعمقها أثراً في النفس، فبِه تعمر الحياة وتتجمّل وتزهر، وإنّ لهذه الكلمة أثراً عميقاً في نفوس المُحبّين فهي تُغذّي أرواحهم بكلّ جميل، والإسلام دين المحبّة؛ فقد اعتنى بمشاعر الإنسان عنايةً فائقةً؛ لأنّها جزء من جِبِلّته وطبيعته التي فطره الله -عزّ وجلّ- عليها، وقد حثّت الشريعة الإسلامية الغرّاء على تنمية أواصر المحبّة بين النّاس كافّةً؛ حرصاً على إقامة حياة طيّبة يسعد بها جميع الناس سواءً على المستوى الشخصي للأفراد أو الأسرة، أو على مستوى المجتمعات، ومن هنا وجّه الإسلام النّاس إلى ضبط فيض مشاعرهم في الحدود التي لا إفراط فيها ولا تفريط، لئلّا تأخذ الإنسان إلى مهاوي الرّدى ومستنقعات الرّذيلة، كما وضّح الإسلام ضرورة أن تكون محبّة الله -تعالى- وشرائعه الحكيمة منطلقاً للمشاعر تجاه الآخرين، فمن هو الحبيب، وكيف نُظهر محبّته، وما هي الدّعوات الصالحة التي نرجو استجابتها له؟


أصناف المحبوبين

يتعدّد استخدام هذا الوصف حسب مشاعر المحبّة؛ فقد يكون الحبيب أباً، أو ابناً، أو زوجاً، أو صاحباً، ومحلّ الحبّ في القلب، وهذا يعني أنّ مدى الحبّ أوسع من أن ينحصر بين رجلٍ وأنثى كما كانت العرب في الجاهلية تعتقد، وفي حال الإيمان تنطلق مشاعر المحبّة من أساس الحبّ في الله تعالى، فقد يكون منشؤها صفاتٍ أودعها الله -سبحانه- في المحبوب؛ مثل: الجمال، والكرم، والشّهامة، والشجاعة، وغيرها، ولا شكّ أنّ كلّ المصطلحات التي يُعبَّر بها عن حال الاشتياق، والحنين، والوَلَه، والتعلّق، وغيرها منبثقة من أصلٍ واحدٍ هو الحبّ، وقد يتعلّق قلب الإنسان بأشياء أخرى كحبّ الإنسان لملذّات الدنيا، وما فيها من شهوات ومُغرَيات.[١]


أدعية للحبيب

الدُّعاء للحبيب يُخبِر عن حقيقة مشاعر القلوب وصدقها، وقد حثّ الإسلام على الدعاء لمن نحبّ بظهر الغيب، وقد بيّن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- فضل دعاء المسلم لأحبابه، فقال: (مَنْ دَعَا لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِين، وَلَكَ بِمِثْلٍ)،[٢][٣] والقرآن الكريم خير ملجأ لمن أراد أن يدعو بالخير لأحبابه، ويُحسن بالمُحبّين أن يتتبّعوا الأدعية الواردة في الآيات الكريمة ويدعوا بها لأحبابهم، ومن أهمّ الأدعية الدُّعاء للوالدين بقول الله تعالى: (رَبِّ ارحَمهُما كَما رَبَّياني صَغيرًا)،[٤] ودعاء الأب والأم لذريّتهم بقول الله تعالى: (رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ)،[٥] ودعاء المسلم لذريّته بالتزام الصلاة، قال الله تعالى: (رَبِّ اجعَلني مُقيمَ الصَّلاةِ وَمِن ذُرِّيَّتي رَبَّنا وَتَقَبَّل دُعاءِ*رَبَّنَا اغفِر لي وَلِوالِدَيَّ وَلِلمُؤمِنينَ يَومَ يَقومُ الحِسابُ)،[٦]، ومن ذلك دعاء الزّوجين لبعضهما، قال الله عزّ وجلّ: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ)،[٧] وهذا من فيض الأدعية الواردة في القرآن الكريم.[٨]


وقد دعا النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لأصحابه -رضي الله عنهم- بالخير والبركة والهداية في مواقف كثيرة، ومن ذلك:[٩]

  • دعاء الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- لأنس بن مالك رضي الله عنه، حيث قال: (اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ).[١٠]
  • دعاء الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- لذرّية جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهم، حيث قال: (اللّهُمَّ اخلُفْ جَعفراً في أَهلِهِ، وبارِك لعبْدِ اللَّهِ في صفقتِهِ).[١١]
  • دعاء الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- لأبي هريرة -رضي الله عنه- وأمّه بمحبة الناس لهم ومحبّتهم للناس، حيث قال: (اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا -يَعني أبا هُرَيرةَ- وَأُمَّهُ إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ، وَحَبِّبْ إِلَيْهِمْ الْمُؤْمِنِينَ).[١٢]
  • دعاء الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- لعبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- بالفهم والعلم، وما أصبح ابن عباس ترجمان القرآن وحبر الأمة إلّا ببركة دعاء النبي -صلّى الله عليه وسلّم- له، حيث قال: (اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ).[١٣]


ويحسنُ بالمسلم أن يدعو لزوجته؛ فلم ينسَ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- زوجته عائشة رضي الله عنها، فدعا لها بالمغفرة وفرحت بذلك فرحاً شديداً، فقد قال: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَائِشَةَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنَبِهَا وَمَا تَأَخَّرَ، ومَا أَسَرَّتْ وَمَا أَعْلَنَتْ)،[١٤] ودعوة المسلم لأخيه المسلم منهج نبويّ مبارك ومسلك حميد، فيجدر بالمُحبّين أن يتّخذوه سبيلاً في تفقّد حاجاتهم والإسرار لهم بالدعاء، فرحمة الله -عزّ وجلّ- تشمل الدّاعي والمَدعُوّ له.[١٥]


الحُبّ الصّادق

يظهرُ صدقُ المحبّة من المحبوب في خِصال ومزايا كثيرة، ولعلّ من أهمّها ما يأتي:[١]

  • كثرة انشغال فكر الشخص وخاطره بحبيبه، وقضاء الوقت في صحبته، وإظهار الإجلال والتّوقير له، فمن أحبّ الله -تعالى- انشغل بذِكره وعظّم أوامره، ومن أحبّ أحداً من خلق الله أكثر من ذِكره وبيان محامده.
  • السّعي في كسب رضا الحبيب، وتقديم القُربات في سبيل تحصيل مودّته.
  • الصبر على زلّات الحبيب وأخطائه، وإيجاد مبرّر لها يُزيل بها وجْدَه عليه، ولا ينظر إلّا إلى محاسنه، ويغضّ بصره عن مساوئه.
  • إنّ المُحبَّ يغار على محبوبه، ويفرح لفرحه ويحزن لحزنه، بل تراه يحبّ الأشياء التي يحبّها محبوبه، وتهنأُ نفس المُحبّ براحة المحبوب وسعادته، وقد تجلّى هذا المعنى في حبّ أبي بكر الصدّيق -رضي الله عنه- لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عندما عطِش النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في طريق الهجرة، فأخذ أبو بكر قدح حليب من راعٍ مرّوا به، وقال أبو بكر رضي الله عنه: (فَأَتَيْتُهُ فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ).[١٦]
  • استعداد المُحِبّ لتقديم التّضحية، وبذل الغالي فداءً لمحبوبه.


المراجع

  1. ^ أ ب عبد الستار المرسومي (2-10-2014م)، "كلمات في الحب"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-12-2017م. بتصرّف.
  2. رواه الإمام مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي الدرداء، الصفحة أو الرقم: 2732 ، صحيح.
  3. "الدعاء بظهر الغيب"، www.islamweb.net، 19-4-2015م، اطّلع عليه بتاريخ 13-12-2017م. بتصرّف.
  4. سورة الإسراء، آية: 24.
  5. سورة آل عمران، آية: 38.
  6. سورة ابراهيم، آية: 40-41.
  7. سورة الفرقان، آية: 74.
  8. صلاح الدق (6-10-2016م)، "جامع الدعاء من القرآن والسنة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-12-2017م. بتصرّف.
  9. منقذ السقار، "دلائل النبوة "، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-12-2017م. بتصرّف.
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 6344 ، صحيح.
  11. رواه الذهبي، في تاريخ الإسلام، عن عبد الله بن جعفر، الصفحة أو الرقم: 5/430، صحيح.
  12. رواه الإمام مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2491 ، صحيح.
  13. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 7055 ، أخرجه في صحيحه.
  14. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 7111 ، أخرجه في صحيحه.
  15. "الدعاء بظهر الغيب"، www.islamweb.net، 14-9-2015م، اطّلع عليه بتاريخ 13-12-2017م. بتصرّف.
  16. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم: 3908 ، صحيح.
12,487 مشاهدة