مقام سيدنا إسماعيل
يُعتبر المسجد الحرام أوّل مسجد وُضع للناس في الأرض، وقد شرَّفه الله سبحانه وتعالى بمكانة عظيمة ووعد من يصلي فيه الأجر العظيم المضاعف، وقد أمر الله سبحانه وتعالى نبيه إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام برفع قواعد هذا البيت ليكون مسجداً تشدُّ إليه رحال الموحِّدين، ويصلي فيه العاكفون.
إنّ المرتَحِل إلى تلك الديار المقدّسة وإلى المسجد الحرام يلاحظ وجود مَعلَم فيها على شكل نصف دائرة مفتوحة من الطرفين ويمكن الدخول إليها، وقد عُرفت في التاريخ الإسلامي بأسماء مختلفة منها: حجر إسماعيل، وحفرة إسماعيل، والجدر، والحطيم، وسنتحدّث عنه في هذا المقال.
تاريخ مقام سيدنا إسماعيل
يعود سبب وجود حجر إسماعيل كما يروى إلى وقت بناء الكعبة أيّام إبراهيم وإسماعيل عليها السلام، حيث كان مكان الحجر الحالي قطعة أرض خصّصها إبراهيم عليه السلام لتكون زريبة لغنم إسماعيل عليه السلام وبنى عريشاً عليها، وقد كان ذلك قبل بناء البيت الحرام.
عندما أرادت قريش إعادة بناء البيت الحرام واستنفرت الناس للتبرّع بأموالهم لأجل ذلك، قصّرت بها الأموال التي جُمعت من الكسب الطيّب عن إكمال بناء البيت، فقامت لأجل ذلك بإحاطة المساحة التي تركتها حتى يعلم الناس أنّها من البيت وليست من خارجه.
عندما دخل المسلمون إلى مكّة المكرمة فاتحين، أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يُدخل حجر إسماعيل في البيت من خلال هدم الكعبة وإعادة بنائها من جديد، وقد منعه من ذلك أن قومه ما زالوا حديثو العهد بالإسلام، فترك إعادة بناء الكعبة مبيناً أنّ حجر إسماعيل هو من البيت الحرام، ثمّ هدم عبد الله بن الزبير رضي الله عنه الكعبة وأعاد بنائها على أسس إبراهيم وأدخل حجر إسماعيل إليها.
في عهد الخليفة الأمويّ عبد الملك بن مروان عزم عبد الملك على إعادة بنائها من جديد لتكون على ما كانت عليه، فأخرج حجر إسماعيل من البيت.
في عهد العباسيين أراد الخليفة المهديّ إعادة بنائها على أسس إبراهيم من جديد فنهاه الإمام مالك بن أنس عن ذلك، حتّى لا تكون سنة ولعبة بين الخلفاء.
مكانة مقام سيدنا إسماعيل
لا شك أن حجر إسماعيل له مكانة وفضل كبير، فقد قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: (صلوا في مصلى الأخيار، واشربوا شراب الأخيار، فقيل ما مصلى الأخيار قال تحت الميزاب، وسئل ما شراب الأخيار، قال ماء زمزم) وعن عائشةَ أنَّها قالَت: (كنتُ أُحبُّ أن أدخلَ البَيتَ فأصلِّيَ فيهِ فأخذَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ بِيَدي فأدخلَني في الحِجرِ فقالَ صلِّي في الحِجرِ إذا أردتِ دخولَ البَيتِ فإنَّما هوَ قطعةٌ منَ البَيتِ فإنَّ قَومَكِ اقتَصروا حينَ بنَوا الكعبةَ فأخرجوهُ منَ البَيتِ).