لم يشهد العالم طفرةً علميّةً شملت كافة المجالات، وأفضت إلى طفرة تقنية هائلة كما حصل في يومنا هذا، فعلى الرغم من تواجد العلماء على مر العهود، والعصور، والأزمان، إلا أنّ المنجزات العلمية، والتقنية بلغت أوجها في يومنا الحالي؛ حيث عملت هذه المنجزات على تطوير حياة الإنسان، والنهوض بها على كافة المستويات والصعد.
على الرغم من كل ذلك، ظهرت على الساحة مشكلات أخلاقية حقيقية، بدا بعضها وتفشّى نتيجة إتاحة الوسائل التقنية التي تُعتبر إحدى نواتج النهضة العلمية؛ حيث عملت هذه المشكلات الأخلاقية على تدهور بعض المجتمعات الإنسانية المعاصرة، بعد أن كانت في القمة يوماً ما على المستوى الحضاري، وعلى مستوى التفاعل مع باقي الحضارات الأخرى.
يجتمع العلم والأخلاق معاً في علاقة متشابكة نوعاً ما، فلو نظرنا إليهما من زاوية مُعيّنة لوجدنا أن العلم قد يسهم بشكل أو بآخر في عملية النمو الأخلاقي لدى الإنسان، في حين أننا لو نظرنا من زاوية أخرى لوجدنا أنّ الأخلاق تلعب دوراً أساسياً في توجيه العلم، وضبط إيقاعه،
وإبعاد المنتجات والمنجزات العلمية عن الاستعمالات السيئة التي تتعارض مع مصلحة الإنسان العليا.
يساعد العلم الإنسان على الوصول إلى الخالق سبحانه وتعالى، كما أنّه يُساعده على زيادة معرفته بنفسه، كما أن العلم قادر على توفير بعض أسباب المعيشة الكريمة، وكل هذه الأمور تساعد الإنسان على تمثّل الأخلاق الحسنة والفاضلة في تعاملاته اليومية. ومن جهة أخرى، فإن توفر الأخلاق في العالم تدفعه دفعاً إلى عدم استعمال علمه ومنجزاته في قتل الأبرياء، أو إلحاق الأضرار الجسيمة بهم إرضاءً للمصالح الشخصية، أو مصالح الآخرين ممن يعمل لحسابهم، فالعالم الخلوق كنز ثمين، فهو يسعى دائماً إلى خدمة الإنسان، والارتقاء به لا القضاء عليه.
هذا وقد يُيسّر كلٌّ من العلم، والتقنيات الحديثة على تيسير السبل أمام الأشخاص الذين يعانون من نقص في وازعهم الأخلاقي، أو الديني للإتيان بقبائح الأعمال، فشبكة الإنترنت -على سبيل المثال لا الحصر- وعلى الرغم من الفوائد الهائلة التي قدّمتها ولا تزال تقدمها إلى يومنا هذا للعالم كله، إلا أنها أتاحت الفرصة لظهور نوع جديد من الجرائم لم يكن موجوداً من قبل، وهي الجرائم التي تُعرف باسم الجرائم الإلكترونية، والتي يُعاني منها الناس حول العالم، وبنسبٍ مُتزايدة يوماً عن يوم.
لا تُبنى المجتمعات الإنسانية إلا على الأخلاق، فهي التي بتوافرها يستطيع أبناء هذه المجتمعات المضي قدماً نحو الأمام، ونحو وضع بصمة على جدار الإنسانية، كما أنّه لا يمكن نيل القوة الاقتصادية، أو الاجتماعية، أو السياسية، أو الحضارية إلا بامتلاك قوة العلم؛ هذه القوة التي تنقل الشعوب من أحط درجات السلم الحضاري إلى أرقى الدرجات، لذا فقد كان واجباً على الأمم التي تريد الانتقال من مستوى إلى مستوى آخر أن تهتمّ بهذين الأمرين معاً، وأن تعمل على تطويرهما بالتوازي، وفي الآن ذاته.