مضناك جفاهُ مرقده
مُضناك جفاهُ مَرْقَدُه
- وبكاه ورَحَّمَ عُوَّدُهُ
حيرانُ القلبِ مُعَذَّبُهُ
- مقروح الجفنِ مسهَّدُه
أودى حرفاً إلا رمقاً
- يُبقيه عليك وتُنْفِدهُ
يستهوي الوُرْق تأوُّهه
- ويذيب الصخرَ تنهُّدهُ
ويناجي النجمَ ويُتعبه
- ويُقيم الليلَ ويُقْعِدهُ
ويعلم كلَّ مُطوَّقةٍ
- شجناً في الدَّوحِ تُردِّدهُ
كم مدّ لِطَيْفِكَ من شَرَكٍ
- وتأدّب لا يتصيَّدهُ
فعساك بغُمْضٍ مُسعِفهُ
- ولعلّ خيالك مُسعِدهُ
الحسنُ حَلَفْتُ بيُوسُفِهِ
- والسُّورَة ِ إنك مُفرَدهُ
قد وَدَّ جمالك أو قبساً
- حوراءُ الخُلْدِ وأَمْرَدُه
وتمنَّت كلٌّ مُقطَّعة ٍ
- يدَها لو تُبْعَث تَشهدُهُ
جَحَدَتْ عَيْنَاك زَكِيَّ دَمِي
- أكذلك خدُّك يَجْحَدُه؟
قد عزَّ شُهودي إذ رمَتا
- فأشرت لخدِّك أشهده
وهممتُ بجيدِك أشرَكُه
- فأبى واستكبر أصيَدُه
وهزَزْتُ قَوَامَك أَعْطِفهُ
- فَنَبا، وتمنَّع أَمْلَدُه
سببٌ لرضاك أُمَهِّده
- ما بالُ الخصْرِ يُعَقِّدُه؟
بيني في الحبِّ وبينك ما
- لا يَقْدِرُ واشٍ يُفْسِدُه
ما بالُ العاذِلِ يَفتح لي
- بابَ السُّلْوانِ وأُوصِدُه؟
ويقول : تكاد تجنُّ به
- فأَقول: وأُوشِكُ أَعْبُده
مَوْلايَ ورُوحِي في يَدِه
- قد ضَيَّعها سَلِمتْ يَدُه
ناقوسُ القلبِ يدقُّ لهُ
- وحنايا الأَضْلُعِ مَعْبَدُه
قسماً بثنايا لؤلُئِها
- قسم الياقوت منضده
ورضابٍ يوعدُ كوثرهُ
- مَقتولُ العِشقِ ومُشْهَدُه
وبخالٍ كاد يحجُّ له
- لو كان يقبَّل أسوده
وقَوامٍ يَرْوي الغُصْنُ له
- نَسَباً، والرُّمْحُ يُفَنِّدُه
وبخصرٍ أوهَنَ مِنْ جَلَدِي
- وعَوَادِي الهجر تُبدِّدُه
ما خنت هواك، ولا خطرتْ
- سلوى بالقلب تبرده
على قدرِ الهوى يأْتي العِتابُ
على قدرِ الهوى يأْتي العِتابُ
- ومَنْ عاتبتُ يَفْديِه الصِّحابُ
ألوم معذِّبي ، فألومُ نفسي
- فأُغضِبها ويرضيها العذاب
ولو أنَي استطعتُ لتبتُ عنه
- ولكنْ كيف عن روحي المتاب؟
ولي قلب بأَن يهْوَى يُجَازَى
- ومالِكُه بأن يَجْنِي يُثاب
ولو وُجد العِقابُ فعلتُ، لكن
- نفارُ الظَّبي ليس له عِقاب
يلوم اللائمون وما رأَوْه
- وقِدْماً ضاع في الناس الصُّواب
صَحَوْتُ، فأَنكر السُّلْوان قلبي
- عليّ، وراجع الطَّرَب الشباب
كأن يد الغرامَِ زمامُ قلبي
- فليس عليه دون هَوىً حِجاب
كأَنَّ رواية الأَشواقِ عَوْدٌ
- على بدءٍ وما كمل الكتاب
كأني والهوى أَخَوا مُدامٍ
- لنا عهدٌ بها، ولنا اصطحاب
إذا ما اغتَضْتُ عن عشقٍ يعشق
- أُعيدَ العهدُ، وامتد الشَّراب
المشرقانِ عليكَ ينتحبان
المشرقانِ عليكَ ينتحبان
- قاصيهُما في مأْتَمٍ والداني
يا خادمَ الإسلامِ، أجرُ مجاهدٍ في الله
- من خُلْدٍ ومِنْ رِضْوان
لمّا نعيتَ إلى الحجاز مشى الأسى
- في الزائرينَ وروِّع الحرمان
السكة الكبرى حيالَ رباهما
- مَنكوسة الأَعلامِ والقُضْبان
لم تَأْلُها عندَ الشدائدِ خِدمة ً
- في الله والمختار والسلطان
يا ليتَ مكة َ والمدينة َ فازتا
- في المحفِلَيْن بصوتِكَ الرَّنَّان
ليرى الأَواخرُ يومَ ذاكَ ويسمعوا
- ما غابَ من قسٍّ ومن سحبان
جارَ التراب وأنتَ أكرمُ راحل
- ماذا لقيتَ من الوجود الفاني؟
أَبكِي صِباكَ؛ ولا أُعاتبُ من جَنى
- هذا عليه كرامة ً للجاني
يتساءلون: أبـ السلالِ قضيت، أم
- بالقلبِ، أَم هل مُتَّ بالسَّرَطان؟
الله يَشهد أَنّ موتَك بالحِجا
- والجدِّ والإقدامِ والعِرفان
إن كان للأخلاق ركنٌ قائمٌ
- في هذه الدنيا، فأنت الباني
بالله فَتِّشْ عن فؤادِك في الثّرى
- هل فيه آمالٌ وفيه أماني؟
وجدانك الحيُّ المقيمُ على المدى
- ولرُبَّ حَيٍّ مَيِّتُ الوجْدان
الناسُ جارٍ في الحياة ِ لغاية
- ومضللٌ يجري بغير عنان
والخُلْدُ في الدنيا ـ وليس بهيِّنٍ-
- عُليا المرَاتبِ لم تُتَحْ لجبان
فلو أن رسلَ اللهِ قد جبنوا لما ماتوا
- على دينٍ من الأَديان
المجدُ والشَّرفُ الرفيعُ صحيفة ٌ
- جعلتْ لها الأخلاقُ كالعنوان
وأحبُّ من طولِ الحياة بذلة ٍ
- قصرٌ يريكَ تقاصرَ الأقران
دَقَّاتُ قلبِ المرءِ قائلة ٌ له:
- إنَّ الحياة َ دقائقٌ وثواني
فارفع لنفسك بعدَ موتكَ ذكرها
- فالذكرُ للإنسان عُمرٌ ثاني
للمرءِ في الدنيا وجَمِّ شؤونها
- ما شاءَ منْ ريحٍ ومنْ خسران
فَهي الفضاءُ لراغبٍ مُتطلِّعٍ
- وهي المَضِيقُ لِمُؤثِرِ السُّلْوان
الناسُ غادٍ في الشقاءِ ورائحٌ
- يَشْقى له الرُّحَماءُ وهْوَ الهاني
ومنعَّمٌ لم يلقَ إلا لذة ً
- في طيِّها شجَنٌ من الأَشجان
فاصبر على نُعْمى الحياة ِ وبُؤسِها
- نعمى الحياة وبؤسها سيَّان
يا طاهرَ الغدواتِ، والروحاتِ، والـ
- خطراتِ، والإسْرارِ، والإعْلان
هل قامَ قبلكَ في المدائن فاتحٌ
- غازٍ بغيرٍ مُهنّدٍ وسِنان؟
يدعو إلى العلم الشريفِ، وعنده
- أَن العلومَ دعائمُ العُمران؟
لفُّوكَ في علم البلادِ منكَّساً
- جزع الهلال على فتى الفتيان
ما احمرَّ من خجلٍ، ولا من ريبة
- لكنَّما يبكي بدمع قاني
يُزْجُون نَعشك في السَّناءِ وفي السَّنا
- فكأَنما في نِعشكَ القمران
وكأَنه نعشُ الحُسينِ بكرْبَلا
- يختالُ بين بُكاً، وبينَ حَنان
في ذِمَّة الله الكريمِ وبِرِّهِ
- ما ضمَّ من عرفٍ ومن إحسان
ومشى جلالُ الموتِ وهو حقيقة ٌ
- وجلالك المصدوقُ يلتقيان
شَقَّتْ لِمَنظرِك الجيوبَ عقائلٌ
- وبكتكَ بالدمعِ الهتونِ غواني
والخلقُ حولَكَ خاشعون كعهدِهم
- إذ يُنصِتُون لخطبة وبَيان
يتساءلون: بأيٍّ قلبٍ ترتقى
- بَعْدُ المنابرُ، أَم بأَيِّ لسان؟
لو أَنّ أَوطاناً تُصوَّرُ هَيْكلاً
- دفنوكَ بين جوانحِ الأوطان
أو كان يحمل في الجوارح ميتٌ
- حملوك في الأَسماع والأَجفان
أو صيغَ من غرِّ الفضائلِ والعلا
- كفنٌ لَبِستَ أَحاسنَ الأَكفان
أَو كان للذكر الحكيم بقية ٌ
- لم تَأْتِ بعدُ؛ رُثِيتَ في القرآن
ولقد نظرتك والردى بك محدقٌ
- والداءُ ملءُ معالمِ الجثمان
يَبْغِي ويطْغَى ، والطبيب مُضلَّلٌ
- قنطٌ، وساعاتُ الرحيل دواني
ونواظرُ العُوّادِ عنكَ أَمالَها
- دمعٌ تُعالِج كتْمَهُ وتُعاني
تُمْلِي وتَكتُبُ والمشاغِل جَمَّة ٌ
- ويداك في القرطاسِ ترتجفان
فهششتَ لي، حتى كأنك عائدي
- وأَنا الذي هَدَّ السَّقامُ كِياني
ورأيتُ كيف تموتُ آسادُ الشَّرى
- وعرفتُ كيف مصارعُ الشجعان
ووَجَدْتُ في ذاك الخيالِ عزائماً
- ما للمنونِ بدكهنَّ يدان
وجعلتَ تسألني الرثاءَ، فهاكه
- من أدمعي وسرائري وجناني
لولا مُغالبة ُ الشُّجونِ لخاطري
- لنظمتُ فيكَ يَتيمة َ الأَزمان
وأَنا الذي أَرثِي الشموسَ إذا هَوَتْ
- فتعودُ سيرتها إلى الدوران
قد كنتَ تهتفُ في الورى بقصائدي
- وتجلُّ فوق النيراتِ مكاني
مَاذَا دَهانِي يومَ بِنْتَ فَعَقَّني
- فيكَ القريضُ، وخانني إمكاني؟
هوِّنْ عليكَ، فلا شماتَ بميِّتٍ
- إنّ المنيَّة غاية ُ الإنسان
مَنْ للحسودِ بميْتة ٍ بُلِّغْتَها
- عزتْ على كسرى أنوشروان؟
عُوفِيتَ من حَرَبِ الحياة ِ وحَرْبِها
- فهل استرحْت أَم استراح الشاني؟
يا صَبَّ مِصْرَ، ويا شهيدَ غرامِها
- هذا ثرى مصرٍ، فنمْ بأمان
اخلَعْ على مصرٍ شبابَك عالياً
- وکلبِسْ شَبابَ الحُورِ والوِلْدان
فلعلَّ مصراً من شبابِكَ تَرتدِي
- مجداً تتيهُ به على البلدان
فلوَ أنّ بالهرمينِ من عزماته
- بعضَ المَضَاءِ تحرّك الهَرمان
علَّمْتَ شُبانَ المدائنِ والقُرى
- كيف الحياة ُ تكونُ في الشبان
تلك الطبيعة
تلك الطبيعة ُ، قِف بنا يا ساري
- حتى أُريكَ بديعَ صُنْعِ الباري
الأَرضُ حولك والسماءُ اهتزَّتا
- لروائع الآياتِ والآثار
من كلّ ناطقة الجلال، كأَنها
- أُمُّ الكتاب على لسان القاري
دَلَّت عَلى مَلِكِ المُلوكِ فَلَم تَدَع
- لِأَدِلَّةِ الفُقَهاءِ وَالأَحبارِ
مَن شَكَّ فيهِ فَنَظرَةٌ في صُنعِهِ
- تَمحو أَثيمَ الشَكِّ وَالإِنكارِ
كَشَفَ الغَطاءُ عَنِ الطُرولِ وَأَشرَقَت
- مِنهُ الطَبيعَةُ غَيرَ ذاتِ سِتارِ
شَبَّهتُها بَلقيسَ فَوقَ سَريرِها
- في نَضرَةٍ وَمَواكِبٍ وَجَواري
أَو (بِاِبنِ داوُدٍ) وَواسِعِ مُلكِهِ
- وَمَعالِمٍ لِلعِزِّ فيهِ كِبارِ
هوجُ الرِياحِ خَواشِعٌ في بابِهِ
- وَالطَيرُ فيهِ نَواكِسُ المِنقارِ