محتويات
مقدمة
الحياة صعبة في جميع ملامحها، وأبرز ما يجعلها صعبة هي عدم قدرتنا على مجاراة الواقع، والبحث دوماً يكون عن الأشياء التي لا يمكن أن نصل إليها أو أن تكون لنا في يوم من الأيام، وأكثر الأمور التي تزعج في شخصية الإنسان، والتي زرعت في نفسه فطرة هي رغبته في امتلاك الأشياء بكافة تفاصيلها، حتى لو لم يكن هناك أي صلة تجمعه بهذه الأشياء من وقت لآخر، والحديث هنا لا يدور عن التفاعل بين الإنسان وربه، ولكن في الطريقة التي يحدث بها هذا التفاعل، فعلى الرغم من أنّ الدين قد وضّح للإنسان كيفية التعاملات مع الآخرين، وأوضح سوء الفهم الذي قد يقع بين العباد بسبب الظنون والاختلافات في وجهات الرأي، إلّا أنّ الأمر لم يعد بالإمكان تجاهله بأيّ حال من الأحوال، فلو نظرت إلى الواقع الأليم الذي نعيشه، لوجدت أنّ المشكلات تتراكم بين يدينا، ولا يوجد أيّ سبيل للخلاص منها بأيّ حال من الأحوال، ولعلّ الملفت في الأمر حقاً أنّ الإسلام الحنيف قد حثّ على ضرورة التفاعل مع الآخرين في ضوء العقيدة، ولا نقف على أخطاء الآخرين ونجرّهم لأخطاء أخرى.
كيف تكون النصيحة لله
وفي حديثنا اليوم سيدور عن أبرز الطرق التي تساعد في تقديم النصائح للآخرين، والوصول بهم إلى بر الأمان الذي لطالما أراد العبد أن يصل إليه، ولو أردت أن تكون عبداً شكوراً فما عليك إلّا أنّ تقف بجانب من احتاج إليك، ومدّ يد العون إليه سواء بالفعل الصالح أو الكلمة الطيّبة، أو النصح والإرشاد، ولو أردت النظر إلى الواقع المحيط بك لوجدت أنّ الناس ما عادوا يهتمون بظروف البعض، وأصبح كل منهم يبحث عن طريقة من أجل الوصول بنفسه إلى أفضل الأماكن بدون الحاجة لمساعدة أحد آخر، والنصيحة يجب أن تكون خالصة مخلصة لله سبحانه وتعالى، فالنية التي تتحدث بها مع الآخرين يجب أن تكون صافية، وأن يكون الغرض منها توجيه الشخص إلى الطريق الحنيف، والتعامل معه على أنّه شخص قد ضل الطريق، وحان الوقت كي يرجع إليه بدون أي مضار قد تقع عليه أو تعثّر طريقه.
التأدب مع المذنب
وأبرز الأمور التي يجب على الناصح أن يفكر بها هي طريقة إعطاء النصيحة للشخص المذنب، أو الشخص الذي انحرف عن طريق الحق، وهو أن تكون النصيحة لوجه الله في المقام الأول، وأن يتأدب الناصح مع الشخص الذي يعتقد أنّه أخطأ في حق نفسه وحق الآخرين، وهناك شروط لهذا الأمر أوّلها أن تكون النصيحة في السر بمعنى أن تنصح الآخرين في ظلّ عدم وجود أشخاص آخرين، فهذا يؤدي إلى انزعاج الشخص ونفوره من النصيحة، ومن الممكن أن يقابل نصيحتك بالتعامل العكسي، وعدم احترام هذه النصيحة، وعندما يحدث هذا الأمر يجب الانتباه فوراً إلى أهمية الالتفات باتجاه الشخص الذي بحاجة للنصيحة، والعمل على تطييب خاطره بكلمات عذبة تدخل السرور في قلبه، وتجعله يتقبل أفكارك، وطريقة عرضك للمشكلة وسبل الحل التي تمّ سردها، ومحاولة التعامل معها بأقصى سرعة لتفادي الوقوع في أخطاء أخرى.
التذكير بعذاب الله
ولعل البارز في هذا الأمر أن الإنسان بطبيعته يميل إلى التعامل مع الأفكار التي تشده باتجاه العذاب بشكل جدي للغاية، فكلّنا نعلم أنّ العمل الجيد يقابل بالخير من الله سبحانه، أمّا العمل الذي يضر بالإنسان فإنّ الله يجازي عليه بالعقوبة، وإن أردت أن تنصح عبدا أراد الرجوع لله فما عليك إلا التذكير بعذاب الله، حتى لا يعود للمعصية مرة أخرى، ويجب أن تذكره بأن الله سبحانه وتعالى قد عذب أقواما من قبل وخسف بهم الأرض لأنهم لم يستجيبوا له ولدعوته الإسلامية، وبقوا على ضلالتهم على الرغم من وجود الرسل والأنبياء الذين أرسلهم الله لهدايتهم، وإن أردت أن تذكّر بالآخرة وأهوالها فما عليك إلّا أنّ تقرأ على المذنب بعض آيات القرآن التي تنادي بضرورة العودة إلى الدين الحنيف حتى لا يطالك العذاب الأليم في الآخرة، ويصبح الأمر منتهيا.
التذكير برحمة الله سبحانه وتعالى
ولا بدّ أن نتذكر دوماً أن الله يحب العبد ويحب أن يغفر الذنوب التي يرتكبها العبد، فقط عليك التذكير بأن الله سبحانه وتعالى هو الأقدر على غفران ذنوبك، ومحوها من سجلاتك الحافلة بالأخطاء، وجعلها كالصفحات البيضاء التي لم ينقش عليها شيء بعد، وانظر إلى أهل مكة الذين أذوا الرسول صل الله عليه وسلم، ووقفوا في وجه الدعوة، وعملوا على إيذاء المسلمين، وأخرجوا الرسول صل الله عليه وسلم من الأرض التي عاش بها طوال حياته، إلّا أنّ الله عفا عنهم عندما استغفروا لذنوبهم، ودعوا الله أن يكون رحيماً بهم، فالرحمة في صفات الله واردة جدا، وأول الصفات التي يحب الله أن يعامل بها عباده هي الرحمة، فالنصيحة يجب أن تكون بناء على طلب المغفرة من المذنب، والعودة لله سبحانه، وطلب المغفرة، والله سبحانه وتعالى لن يترك عبدا قال ربي الله، وفي خوفنا من عذاب القبر نجد أن الله سبحانه الرحيم بعباده لم يترك عباده على الأرض وهم بقوتهم، فكيف له أن يتركهم تحت الأرض وهم لا حول لهم ولا قوة، بانتظار رحمة الله.
وإن أردت أن تنصح أحدهم فذكره أن باب المغفرة مفتوح على الدوام، وذكره بأن الله سبحانه وتعالى هو الغفور الرحيم، وهو في نفس الوقت شديد العقاب لم يتهاون في الذنب، ولا يخجل من رب العباد، وقل للمؤمن قولا رحيما يعيده إلى رحمة ربه.
الاستمرار في تقديم المساعدة للغير
وإن أردت أن تكون نصيحتك خالصة لوجه الله سبحانه وتعالى عليك أن تقف بجانب من يخطئ دوما، وحاول أن تجتثه من غياهب المعصية، وقف بجانبه على الدوام، وحاول أن تكون مع الشخص الذي تشعر برغبته الملحة في العودة إلى درب الله إلّا أنّه خائف من لقاء ربه، وعاجز عن التوبة بالشكل الصحيح، فما عليك إلّا أنّ تستمر في النصح، وأن تبقى تحاول مرارا وتكرارا حتى تشعر أن الشخص أصبح قلبه معلقا بدين الله، وأن الله قد سيطر عليه وعلى حياته، حتى أصبحت الدعوة هي شغله الشاغل، ومن الممكن أن يتعامل الإنسان مع المعصية بأكثر من طريقة فهناك من يتركها ويعود إليها، وهذا يحتاج إلى ناصح حقيقي يقف بجانبه، ويردعه عن العودة بشكل عام للمعصية.
ارشادات لكي تكون نصيحتك خالصة لله
وفي التالي بعض الارشادات التي تعينك على أن تكون نصيحتك خالصة لوجه الله تعالي ومن أهمها ما يلي:
- حاول أن تجعل نيتك خالصة لله، وأن يكون المقصد من ورائها الوصول بالإنسان إلى طريق الخلاص.
- ابتعد عن الرياء أو النفاق في تقديم النصائح للذي يحتاجها، ولا تقوم بأي أمر قد يصل بهذا الشخص إلى درب العناد بألا يقبل دعوتك له بالعودة عن المعصية.
- الملائكة التي تكتب عن اليمين وعن الشمال يجب أن تذكر الشخص المذنب بهما، حتى يكون واعياً أثناء ارتكاب المعصية، ووجه قلبك وعقلك ليصبح الشخص أمامك مؤمناً إيماناً عميقاً بأن الله سبحانه هو المدبر للأمور.