شكر النعمة
عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقالت عائشة: لم تصنع هذا يارسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وماتأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً.
فنعم الله علينا الظاهرة والباطنة، كثيرة لا تعد ولا تحصى، ومهما بالغ الإنسان في شكر خالقه، واجتهد في ذلك، فإنّه لن يوفي حق نعمة واحدة من النعم، وسيعجز عن شكرها، كنعمة المال، والمنزل، والزوجة الصالحة، والأولاد والمكانة العالية، وسلامة الحواس والأعضاء، وراحة النفس، والأمن والأمان، والصحة والسلامة من الأمراض.
خلق الله عزوجل خلقه لعبادته وشكره، ونهى عن كفر نعمته وفضله، حيث قال في كتابه العزيز: (واشكروا لي ولا تكفرون)، فالشكر اعتراف بالنعم، وأنّها من الله وحده، وعكسه الجحود والإنكار، فالبشكر تدوم وتزيد النعم، ولا يكون الشكر فقط باللسان، بل يجب أن يشكرأيضاً بقلبه وبجوارحه، وأن يصدقه العمل، وقد قال تعالى: (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكراً عليماً)، فالمؤمن الشاكر آمن من عذاب الله تعالى.
من أسمائه تعالى الشكور، فهو من فضله يشكر عباده، فيوفّقهم لفعل الخير، وصالح الأعمال والطاعات، ومع ذلك يجزل لهم العطاء والثواب، ويضاعف لهم الحسنات، فيجازي على القليل الكثير، حتى الكافر لا ينساه من فضله، فمع كفره وجحوده يثيبه على ما يفعله من أنواع الخير، فيعطيه من زينة الدنيا، ويمتعه بها.
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: (منزلة الشكر هي من أعلى المنازل، فالإيمان نصفين: نصف شكر ونصف صبر)، وللأسف قليل من العباد الشكور المعترف لله بنعمه، والشاكر له مكانة عظيمة، وقد وصف الله الأنبياء بأنّهم شاكرون.
كيفية الوصول إلى منزلة الشكر
- الاعتراف بأن النعم هي من فضل الله ومنّه وكرمه، ومن عنده.
- الإكثارمن العبادات والعمل الصالح، شكراً وحمداً لله تعالى على ما أنعم وتكرم.
- كثرة الدعاء لله تعالى بأن يعينه على شكره، وعلى القيام بالطاعات.
- بيان أثر النعمة على العبد والتحدث بها، فيظهرأثرها في مأكله ومشربه وملبسه.
- السجود شكراً لله تعالى كلما أنعم الله عليه نعمة جديدة، وقد ورد في الصحيح: (أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا جاءه أمر يسرّه خرّ لله ساجداً شاكراً له عزوجل).
- النظر إلى من هم أقلّ في شؤون الدنيا، وإلى من هو مريض، أو مهموم، لتعظم النعم وتكبر.
- إسداء الشكر لمن أحسن وقدم معروفاً، قال صلى الله عليه وسلم: (أشكر الناس لله أشكرهم للناس)، وعدم نكران الجميل، ومن لم يشكر الناتس لم يشكر الله.
- الصدقة وما أكثر وجوهها، ببذل المال، وبخدمة الخلق، ومساعدة المحتاجين.
- الحمد عند النظر لمن هو مريض ومبتلى، ولا يقدر على خدمة نفسه، وأنه هو معافى وسليم.
ليحرص العبد على الحفاظ على هذه النعم، وعدم ارتكاب ما يفقده إياها من العصيان، وارتكاب المحرمات، فيكثر من الدعاء: نعوذ بالله من السلب بعد العطاء، وأخيراً من شكر فإنّما يشكر لنفسه، وهو المستفيد الوحيد من ذلك، فالله غنيّ عنه، ومن كفر فهو الفقير المحروم، والله غني عنه.