إنّ الحضارة المصرية القديمة أو حضارة الفراعنة، هي حضارة عريقة سطرت أعظم مظاهر التطور والرقي الإنساني، وسعي الإنسان نحو التميّز والمعرفة، والتقدم في معظم مجالات الحياة، فالشعب المصري قديماً لم يكن ليرضى بأن ينتظر حضارات الأمم الأخرى ليستمد أو يستلهم منها، خطواته الأولى نحو التاريخ، بل صنعها بجهده وهمته، وقناعاته التي بدا واضحاً أنّها راسخة وقوية كآثار الأهرام والمدن الفرعونية القديمة.
ها هي الأهرام في مدينة الجيزة تحكي الشموخ الذي كان يتميز به أبناء مصر وروعة التصميم العمراني ومدى عبقرية المصريين القدامى في البناء، ناهيك عن همتهم الجسدية العالية في رفع ونقل الأحجار وصفها فوق بعضها بشكل مرتب، بدءاً من القاعدة وحتى القمة التي تضيق كلما ارتفع الهرم، وكل ذلك في زمنٍ لم تكن تتوفر فيه الرافعات، ولا شاحنات النقل الثقيل، ولا برامج حاسوبية لتصميم المواقع، أو مواد خام عديدة كما اليوم، وهذا ما يؤكد حرفية الفنون الفرعونية في الإنشاء والبناء، وليس من المُستغرب اعتبار تلك الأهرامات من عجائب الدنيا السبع، ووضعها إلى جانب المدن الفرعونية القديمة؛ كالأقصر التي وُضعت على لائحة التراث العالمي، وهي لائحة تضم مواقع أثرية من مختلف أنحاء العالم، وتحظى برعاية المنظمات الدولية، وأي مساس بها يُعتبر جريمة دولية.
إذا ما دققنا بالحديث عن تلك الأهرامات فهي خوفو، وخفرع، ومنقرع التي تم إنشاؤها قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد، وعلى مقربة منها يربض عملاق آخر ألا وهو تمثال أبو الهول الذي شغل كثيرين حول العالم بسبب طريقة تصميمه العجيبة، وهو عبارة عن رأس أسد وجسد إنسان.
كانت تسمى مدينة الأقصر التي تحتوي على ثلث آثار العالم في العهد الفرعوني بمدينة طيبة، وكانت عاصمة الدولة المصرية القديمة، كما كانت تُلقب أيضاً بمدينة المئة باب أو مدينة الشمس، وقد أفلح الفراعنة في استثمار وقوعها على ضفاف نهر النيل الذي يحولها إلى قسمين الشرقي والغربي، ومن أهم الآثار القديمة في الأقصر هي معبد الكرنك المُسمى أيضاً بالدروم، أو محكمة المعبد الأولى، ويشتهر هذا المعبد بكبر مساحته، وهو بذلك أكبر دار للعبادة مُسَوَّرة مقامة على وجه الأرض، وحتى الطريق من الأقصر إلى الكرنك مُميزة، حيث يصادف الزائر على جانبي الطريق عدد كبير من تماثيل أبي الهول الصغيرة، ويصطلح على تسمية هذا الطريق بطريق الكباش.
أما معبد الأقصر فهو حكاية أُخرى من حكايا الآثار المصرية الفريدة من نوعها، ويقع المعبد الشهير على الضفة الشرقية لنهر النيل، وشرع الفراعنة في بنائه قبل ألف وأربعمئة عام قبل الميلاد، وتم تشييد المعبد لعبادة آمون رع، وزوجته موت، وابنهما خونسو، أو ما يُعرف بثالوث طيبة، ويتميز المعبد بجمال الأبنية داخله، والتخطيط الجيّد في البناء، وسيستشعر الزائر ذلك عندما يمر بالمدخل أو الممر المؤدي إلى المعبد.
لا يقتصر الحديث عن الآثار المصرية القديمة بالحديث فقط عن الحقبة الفرعونية الطاغية على غيرها من الحضارات بصورة واضحة، بل هناك آثار أخرى قديمة في مصر تدل على أهمية مصر، وتنافس الأمم للسيطرة عليها، ومنها الدولة الرومانية التي اتخذت من الإسكندرية عاصمة لها في مصر، ويمكن ملاحظة الإرث الحضاري الروماني بشكل واضح في الإسكندرية، تلك المدينة المُلهمة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، وفي العهد الإسلامي أشرقت المدن المصرية أكثر، ويمكن ملاحظة الأثر الإسلامي بصورة جلية في مساجد القاهرة، وقلعة صلاح الدين الأيوبي فيها.
لعبت هذه الآثار على اختلافها دوراً حيوياً في صناعة السياحة في مصر التي تستقطب سنوياً ملايين الزائرين من معظم أنحاء العالم، سواء في الجيزة، أم في مدينة الأقصر، وتسعى الهيئات الرسمية جاهدة في مصر للحفاظ على موروث مصر الحضاري العريق من أي تخريب أو سرقة أو تهديد بأي شكل من الأشكال بتوفير الأمن لتلك المعالم السياحية، وتشديد الإجراءات الأمنية في محيطها، وحفظ بعض القطع الأثرية النفيسة في الصالات المُغلقة والمتاحف.