محتويات
التيسير في اختلاف أنواع الحجّ
يسّر الله -تعالى- لعباده ما يتعلّق بنُسك الحجّ، وجعل له صوراً عديدةً؛ رحمةً ورِفقاً بهم، ورَفعاً للحَرج والمَشقّة عنهم، ويُعرَف عند أهل العلم بأنواع النُّسك، أو أنواع الحجّ؛ فالحاجّ مُخيَّرٌ بأداء الحجّ بأيّ نوعٍ بحلول وقت الحجّ؛ ويكون في أشهر الحجّ، وهي: شهر شوّال، وذي القعدة، وذي الحِجّة، وأنواعه ثلاثةٌ، هي: التمتُّع، والقِران، والإفراد.[١]
أنواع الحجّ
لا تختلف أنواع الحجّ عن أنواع الإحرام، وهي: التمتُّع، والقِران، والإفراد، ويجوز للحاجّ أداء الحجّ بأيٍّ نوعٍ أراد باتّفاق العلماء؛ استدلالاً بما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (خَرَجْنَا مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَ: مَن أَرَادَ مِنكُم أَنْ يُهِلَّ بحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، فَلْيَفْعَلْ، وَمَن أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بحَجٍّ فَلْيُهِلَّ، وَمَن أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بعُمْرَةٍ، فَلْيُهِلَّ قالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فأهَلَّ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ بحَجٍّ، وَأَهَلَّ به نَاسٌ معهُ، وَأَهَلَّ نَاسٌ بالعُمْرَةِ وَالْحَجِّ، وَأَهَلَّ نَاسٌ بعُمْرَةٍ، وَكُنْتُ فِيمَن أَهَلَّ بالعُمْرَةِ)،[٢][٣] ومِن الأدلّة على ذلك أيضاً قَوْله -تعالى-: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ)،[٤] وقد أجمع العلماء على مشروعيّة أنواع النُّسك، كما نَقل الإجماعَ عددٌ من العلماء، كابن عبد البرّ، وابن المنذر، وقال النوويّ: "وقد انعقد الإجماع على جواز الإفراد والتمتّع والقِران".[٥]
حجّ التمتُّع
تعريف حجّ التمتُّع
يُعرّف التمتُّع في اللغة بأنّه: الانتفاع؛ فالمتاع يُطلق على ما يُنتفَع به، والمُتعة من التمتُّع، ومنه أيضاً: مُتعة الطلاق، ومُتعة الحاجّ، أمّا حجّ التمتُّع في الاصطلاح الشرعيّ، فهو عند الحنفيّة: المُتعة بالعمرة إلى الحَجّ؛ بأداء أكثر أو كلّ أعمال العُمرة في أشهر الحجّ، ومن ثمّ أداء الحجّ في العام نفسه، دون السفر ولقاء الأهل والإلمام بهم بصورةٍ صحيحةٍ، وعند المالكيّة: الإحرام بالعُمرة، وإتمامها في أشهر الحجّ، ثمّ أداء الحجّ في عامٍ واحدٍ، وعند الشافعيّة: الإحرام بالعُمرة في أشهر الحجّ من الميقات، ثمّ أداء أعمال الحجّ في العام الواحد، دون الحاجة إلى الرجوع إلى الميقات، والإحرام منه، وعند الحنابلة: الإحرام بالعُمرة من الميقات في أشهر الحجّ، ثمّ الإحرام للحَجّ من مكّة، أو مكانٍ قريبٍ منها، وسُمِّيَ حجّ التمتُّع بهذا الاسم؛ لأنّ الحاجّ يتمتّع بما حُرِّم عليه وقت الإحرام بين العُمرة والحَجّ.[٦]
كيفيّة حجّ التمتُّع
يبدأ حجّ التمتُّع بالتحلُّل من الإحرام بعد أداء العُمرة؛ أي أنّ الحاجّ المُتمتِّع يُؤدّي العُمرة، ويتحلّل منها، وينتظر الحَجّ؛ ليُحرم به في اليوم الثامن من ذي الحِجّة، ثمّ يتوجّه إلى مِنى دون أداء طواف القدوم؛ إذ إنّه لا يجب على المُتمتِّع بالحَجّ، ثمّ يسعى بين الصفا والمروة بعد طواف الإفاضة، ويُكمل أعمال الحَجّ، ويجوز للحاجّ الخروج من الحَرم؛ لقضاء ما يحتاج إليه دون الإقامة خارجه، ويتوجّب على المُتمتِّع الهَدْي؛ لِما خُفِّف عنه من أمورٍ في الحَجّ، كطواف القدوم، ومن لم يتمكّن من ذبح الهَدْي، يجب عليه صيام ثلاثة أيّامٍ قبل يوم النَّحر، وسبعةٍ حين الرجوع إلى الأهل.[٧]
للمزيد من التفاصيل عن حج التمتع الاطّلاع على مقالة: ((شروط حج التمتع)).
حجّ القِران
تعريف حجّ القِران
حجّ القِران هو: أن يُحرم الحاجّ بالعُمرة والحجّ معاً في نُسكٍ واحدٍ؛ فيقول: "لبّيك اللهمّ عمرةً في حَجّةٍ"؛[٨] فلا يتحلّل الحاجّ من إحرامه بالحَلْق أو التقصير بعد أن يُنهي أعمال العُمرة؛ من طوافٍ، وسعيٍ؛ إذ يجب أن يبقى مُحرِماً مُلتزماً بأحكام الإحرام؛ لإتمام أعمال الحَجّ، ويكون بذلك مُقرِناً؛ لأنّه واصلَ أعمال العُمرة مع أعمال الحَجّ دون الفَصْل بينهما، ويجب عليه الهَدْي، فإن لم يستطع، فإنّه يصوم ثلاثة أيّامٍ قبل يوم النَّحر، وسبعةٍ حين الرجوع إلى الأهل.[٩]
صور حَجّ القِران
القِران من الحَجّ له ثلاثة صُورٍ؛ الصورة الأولى: وهي الصورة الأصليّة؛ وتكون بالإحرام بالحجّ والعُمرة معاً في وقتٍ واحدٍ، وإحرامٍ واحدٍ، والصورة الثانية: إدخال الحجّ على العُمرة؛ بالإحرام أوّلاً بالعُمرة، ثمّ إدخال الحَجّ عليها، والصورة الثالثة: إدخال العُمرة على الحجّ؛ بالإحرام بالحجّ وحده، ثمّ إدخال العُمرة عليه، وقد اختلف العلماء في ذلك؛ فقال جمهورهم من الشافعيّة، والمالكيّة، والحنابلة بأنّ الصورة الثالثة لا تصحّ، وخالفهم الحنفيّة القائلين بصحّتها.[٨]
حجّ الإفراد
تعريف حجّ الإفراد
إفراد الحجّ هو: الإحرام بالحجّ دون العُمرة؛ فيقول الحاجّ: "لبّيك اللهمّ حجّاً"،[١٠] وإن أراد أداء العُمرة، فلا يُؤدّيها إلّا حين الفراغ من أعمال الحَجّ كاملةً.[١١]
كيفيّة حجّ الإفراد
يبدأ الحاجّ بطواف القدوم حين دخول مكّة، ثمّ يُؤدّي السَّعي بين الصفا والمروة، ويُؤخّره إن شاء إلى ما بعد طواف الإفاضة، والأولى بعد طواف القدوم؛ اقتداءً بالنبيّ -عليه الصلاة والسلام-، ويبقى على إحرامه إلى اليوم الثامن من ذي الحِجّة؛ ليبيتَ في مِنى ذلك اليوم، ويُؤدّي فيها الصلوات الخمس؛ كلّ صلاةٍ في وقتها، ويقصرُ الصلاة الرباعيّة؛ فيُؤدّيها ركعتَين، ويقف بعرفة في اليوم التالي؛ اليوم التاسع من ذي الحِجّة، ويجمعُ تقديماً بين الظهر والعصر، ويقصرُهما، ويبقى في عرفة إلى غروب الشمس، ليتوجَّه بعدها إلى مُزدلفة، ويبقى فيها حتى الفجر، ويتوجّه بعد ذلك إلى مِنى، ويرمي جمرة العقبة بسبع حَصَياتٍ، مع التكبير عند رَمي كلّ حصوةٍ، ويَحْلق شَعْره أو يُقصّر، ويغتسل ويتطيّب، ثمّ يتوجّه إلى مكّة؛ ليطوف طواف الإفاضة، ويعود إلى مِنى؛ ليبيتَ فيها ليلة الحادي عشر، والثاني عشر إن كان مُتعجِّلاً، وليلة الثالث عشر إن أراد التأخُّر، ويرمي في كلّ يومٍ منها الجمرة الصُّغرى، ثمّ الوُسطى، ثمّ العقبة؛ كلّ واحدةٍ بسبع حَصَياتٍ، مع التكبير عند كلّ حصاةٍ، ثمّ يرجع إلى مكّة؛ ليطوف سبعة أشواطٍ طواف الوداع.[١٢]
أفضل أنواع الحجّ
اختلف العلماء في التفضيل بين أنواع الحجّ، وذهبوا في ذلك إلى ثلاثة أقوالٍ، بيانها آتياً:[١٣]
- القول الأوّل: قال الشافعيّة والمالكيّة بأنّ الإفراد بالحجّ أفضل من القِران والتمتُّع إن كان الحاجّ قد أدّى العُمرة في العام نفسه؛ لعدم وجوب الهَدْي عليه، كما صحّ أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حَجّ مفرداً، وورد إفراده بالحَجّ بطرقٍ مُتواترةٍ صحيحةٍ، كما أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (خَرَجْنَا مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَمِنَّا مَن أَهَلَّ بعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَن أَهَلَّ بحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَن أَهَلَّ بالحَجِّ، وَأَهَلَّ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ بالحَجِّ)،[١٤] ويأتي القِران بعد الإفراد من حيث الأفضليّة عند المالكيّة، أمّا الشافعيّة فاعتبروا أنّ التمتُّع له الأفضليّة قبل القِران، وبعد الإفراد.
- القول الثاني: قال الحنفيّة بأنّ حَجّ القِران أفضل من حَجّ الإفراد، أو التمتُّع؛ لاستمرار الإحرام بهما من الميقات إلى حين الانتهاء منهما، بخلاف التمتُّع، فكان القِران أولى منه؛ وقد استدلّوا بما ورد عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (سمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُلبِّي بالحَجِّ والعُمْرةِ جميعًا، يقولُ: لبَّيكَ عُمْرةً وحَجًّا).[١٥]
- القول الثالث: يرى الحنابلة أنّ التمتُّع أفضل، ومن ثمّ الإفراد، فالقِران؛ واستدلّوا بما أخرجه الإمام البخاريّ عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: (تَمَتَّعَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ، بالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ وأَهْدَى، فَسَاقَ معهُ الهَدْيَ مِن ذِي الحُلَيْفَةِ).[١٦]
الفرق بين أنواع الحَجّ
الفرق بين التمتُّع والقِران
فرّق العلماء بين حج التمتُّع والقِران؛ فالتمتُّع في الحجّ تكون فيه العُمرة منفصلةً عن الحجّ؛ بالإحرام بالعُمرة، ثمّ الإحرام بالحجّ، أمّا القِران، فيكون فيه تداخُلٌ بين أعمال العُمرة، والحجّ.[١٧]
الفرق بين الإفراد وغيره
اتّفق العلماء على أنّ الإفراد في الحجّ لا يجب بسببه الهَدْي على الحاجّ، أمّا القِران أو التمتُّع، فيجب بسببهما الهَدْي؛ لقَوْل الله -تعالى-: (فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ)،[١٨] وقوله -تعالى-: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ).[١٩][٢٠]
المراجع
- ↑ "أنواع النسك"، www.islamweb.net، 2-8-2016، اطّلع عليه بتاريخ 17-4-2020. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1211، صحيح.
- ↑ وحدة البحث العلمي (2018)، الميسر في أحكام الحج والعمرة (الطبعة الأولى)، صفحة 25-26. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 196.
- ↑ عبدالله الطيار، عبدالله المطلق، محمد الموسى (2012)، الفقه الميسر (الطبعة الثانية)، الرياض: مدار الوطن، صفحة 20، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ وزراة الأوقاف، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 6، جزء 14. بتصرّف.
- ↑ ابن تميم الظاهري، فقه الحج المشجر، صفحة 8. بتصرّف.
- ^ أ ب "القِرانُ في الحَجِّ"، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 17-4-2020. بتصرّف.
- ↑ أحمد عبد القادر (1991)، فقه الحج والزيارة (الطبعة الأولى)، جدة: مكتبة الإرشاد، صفحة 37-38. بتصرّف.
- ↑ عبدالله الدرعان، محمد النجيمي، عبدالسلام الشويعر، عثمان الصديقي (2007)، التيسير في الحج، الرياض: مكتبة الملك فه الوطنية، صفحة 69. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 2276، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ "صفة وأعمال حج المفرد"، www.islamweb.net، 6-2-2002، اطّلع عليه بتاريخ 17-4-2020. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 2193-2195، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أم المؤمنين عائشة، الصفحة أو الرقم: 1211، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 1795، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1691، صحيح.
- ↑ عبد العزيز الراجحي، شرح عمدة الفقه، صفحة 7، جزء 21. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 196.
- ↑ سورة الحج، آية: 28.
- ↑ عبدالله الدرعان، محمد النجيمي، عبدالسلام الشويعر، عثمان الصديقي (2007)، التيسير في أحكام الحج، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 71. بتصرّف.