الفرق بين جمرة العقبة والجمرات الثلاث

كتابة - آخر تحديث: ٧:٣٩ ، ٣ يونيو ٢٠٢٠
الفرق بين جمرة العقبة والجمرات الثلاث

مفهوم الجمرات

تُعرَّف الجمرات في اللغة بأنّها: الحصى، أو الأحجار الصغيرة؛ ولذلك يُسمّى النُّسك في الحجّ بالجمرات؛ نِسبةً إلى الحصى التي يُرمَى بها، وقِيل: إنّها المكان الذي تتجمّع فيه الحصى، فيُطلَق على مجموعة الحصى جَمرات؛ لأنّها مُشتَقّة من التجمُّر؛ أي التجمُّع، وقِيل إنّها سُمِّيت بذلك؛ لأنّ الحُجّاج يجتمعون عند رَمْيها، أمّا الجمرات في الاصطلاح الشرعي، فهي تعني: المكان الذي تتجمّع فيه الحصى، وهو يقع تحت العمود في وسط الحوض عند مكان الجمرة الصُّغرى، والوُسطى، وفي الجهة الغربية الجنوبيّة لجمرة العقبة، ووقوع الحصى داخله يُوجِب أداء النُّسك للحاجّ،[١] ورَمْي الجمرات واجبٌ باتّفاق المذاهب جميعها، واستدلّوا بفِعل النبيّ -عليه الصلاة والسلام- فيما أورده جابر بن عبدالله -رضي الله عنه-؛ إذ قال: (رمى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الجمرةَ يومَ النَّحرِ ضُحًى ثمَّ رمى سائرَهنَّ عندَ الزَّوالِ).[٢][٣]


الفرق بين جمرة العقبة والجمرات الثلاث

هناك عدّة فُروقات بين جمرة العقبة التي تُسمّى بالجمرة الكُبرى، والتي تُرمى يوم النَّحْر، والجمرات الثلاث التي تُرمى في أيّام التشريق؛ من حيث التوقيت الذي تُرمى به، وعدد الحَصيات، والمكان التي تُلتقَط منه، والمَوقع الذي تُرمى منه، وسيتمّ توضيح ذلك في هذا المقال.


الفرق بين جمرة العقبة والجمرات الثلاث من حيث التوقيت

ينقسم وقت الرَّمي إلى قسمَين؛ قسمٌ يُبيّن أوّل وقت الرَّمْي، وقسمٌ آخرُ يُبيّن آخر وقت الرَّمْي، وبيانهما فيما يأتي:


أوّل وقت الرَّمْي

اختلف الفُقهاء في بداية وقت رَمْي جمرة العقبة الكُبرى على قولَين، توضيحهما فيما يأتي:[٤]

  • القول الأول: يبدأ رَمْي جمرة العقبة الكُبرى منذ مُنتصف ليلة العيد؛ وهو قول الشافعية، والحنابلة، وأسماء بنت أبي بكر، واستدلّوا بإرسال النبيّ -عليه الصلاة والسلام- زوجته أُم سلمة يوم العيد، فرَمَت قبل الفجر.
  • القول الثاني: يبدأ رَمْي جمرة العقبة الكُبرى منذ طُلوع فجر يوم العيد؛ وهو قول الحنفيّة، والمالكيّة، وفي رواية عن الإمام أحمد، واستدلّوا بحديث ابن عبّاس -رضي الله عنه-: (قدِمْنا على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَيلةَ المُزدَلِفةِ، أُغَيلِمةَ بَني عَبدِ المُطَّلِبِ، على حُمُراتِنا، فجعَلَ يَلطَحُ أَفخاذَنا بيَدِه، ويَقولُ: أَي بَنيَّ، لا تَرموا الجَمرَةَ حتى تَطلُعَ الشَّمسُ. فقال ابنُ عبَّاسٍ: ما إخالُ أَحدًا يَرمي الجَمرةَ حتى تَطلُعَ الشَّمسُ)،[٥] والنَّحْر يبدأ بعد الفجر، وكذلك الرَّمْي يكون بعد الفجر.


أمّا أوّل وقت الرَّمْي للجمرات الثلاث، ففيه قولان، هما:[٦]

* القول الأوّل: يكون الرَّمْي بعد زوال الشمس من اليومَين: الأوّل، والثاني من أيّام التشريق؛ وذلك باتّفاق أئمّة المذاهب الأربعة.
  • القول الثاني: جواز رَمْيها قبل الزوال، وقد ورد ذلك في بعض الروايات عن الإمام أبي حنيفة؛ واستدلّوا بفِعل النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، والصحابة الكِرام وأنّهم كانوا لا يرمون إلّا بعد الزوال.


آخر وقت الرَّمي

اختلف الفُقهاء في الوقت الذي ينتهي به رَمي جمرة العقبة الكُبرى، وبيان آرائهم فيما يأتي:[٧]

  • الحنفيّة: ذهب الحنفية إلى أنّ وقتها ينتهي بفجر يوم الحادي عشر من شهر ذي الحجة.
  • المالكيّة: يرى المالكية أنّ وقتها يمتدّ إلى مغرب اليوم ذاته، ويجب عندهم الدم بتأخير الرَّمْي عن ذلك الوقت.
  • الشافعيّة والحنابلة: ذهبوا إلى أنّ وقتها يمتدّ إلى آخر أيّام التشريق.


أمّا في ما يتعلّق برَمي الجمرات الثلاث، فتفصيل الآراء في ما يأتي:[٨]

  • الحنفيّة: ذهب الحنفية إلى أنّ رَمْي الجمرات الثلاث يكون في كلّ يومٍ منها، وينتهي الرَّمْي بطلوع الفجر في اليوم الذي يَليه، فمثلاً يمتدّ رَمْي الجمرات الثلاث في اليوم الثاني من العيد إلى طُلوع الفجر من اليوم الثالث، ومن أخَّرها عن ذلك الوقت، وَجَب عليه الدم، أمّا الوقت المَسنون للرَّمْي، فيكون منذ زوال الشمس وحتى غروبها، واستدلّوا بفِعل النبيّ -عليه الصلاة والسلام-.
  • المالكيّة: ذهب المالكية إلى التفريق بين وقت القضاء، ووقت الأداء في الرَّمْي؛ فوقت الأداء يكون بانتهاء غروب كلّ يوم، وما بَعده يكون قضاءً، وينتهي الرَّمْي رابع أيّام العيد، ويجب عليه الدم بتَرْكه حصاة، أو بتَرْكها جميعها، أو في حال أخّرَ شيئاً من الرَّمْي إلى الليل.
  • الشافعية والحنابلة: ذهب الشافعية، والحنابلة إلى أنّ وقتها يمتدّ إلى غروب الشمس من اليوم الرابع من أيّام العيد؛ وهو آخر أيّام التشريق، ومَن أخَّرَها عن ذلك الوقت، وَجَب عليه الفِداء.


الفرق بين جمرة العقبة والجمرات الثلاث من حيث عدد الحصيات

اتّفق العلماء على أنّ مجموع ما يرميه الحاجّ من الجمرات سبعون حصاةً؛ إذ تُرمى جمرة العقبة يوم النَّحر برَمي سبعِ حصيّات، أمّا الجمرات الثلاث (الصُّغرى، والوُسطى، والكُبرى)، فُترمى على مدار ثلاثة أيّام؛ وهي أيّام التشريق؛ بحيث تُرمى كُلّ جمرة بسبعِ حصيات في كُلّ يوم؛ فيكون مجموع الجِمار الثلاث في اليوم الواحد إحدى وعشرين حصاةً، وتكون لكلّ جمرة على مدار الأيّام الثلاثة إحدى وعشرون حصاة، وتجدر الإشارة إلى انّه يجوز للحاجّ أن يرميَ في يومَين، وينفرَ في الثالث؛ لقوله -تعالى-: (فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ).[٩][١٠][١١]


الفرق بين جمرة العقبة والجمرات الثلاث من حيث موقع الرمي

تُرمى جمرة العقبة يوم النَّحر في مكان يقع خارج مِنى من جهة مكّة المُكرَّمة، وتُرمى من أسفل العقبة، أو أوسطها، أو أعلاها، أما المَوضع المُختار فهو من بطن الوادي،[١٠][١٢] أمّا الجَمرات الثلاث، فلكلِّ واحدةٍ منها موقع يختلف عن الأُخرى؛ إذ تكون الجمرة الصُّغرى -وهي الجمرة الأولى- الجمرةَ الأقرب إلى مسجد الخيف، أمّا الجمرة الوُسطى -وهي الجمرة الثانية-، فتكون بعد الجمرة الصُّغرى، وقبل جمرة العقبة، ويتمّ رَمْي كلتيهما من أيّ اتّجاه، بينما تُرمى الجمرة الكُبرى في جهة واحدة أسفل الوادي، بحيث يكون الرامي مُستقبلاً القِبلة في آخر مِنى من جهة مكّة المُكرَّمة، وهي لا تُعَدّ جزءاً من مِنى.[١٣][١٤]


الفرق بين جمرة العقبة والجمرات الثلاث من حيث مكان التقاط الحَصى

تُلتقَط جمرة العقبة التي تُرمى يوم النَّحر من مكان يُسمّى مُزدلفة؛ والدليل على ذلك قول النبيّ -عليه الصلاة والسلام- للفضل بن عباس وهو في مُزدلفة: (الْقِطْ لِي حصى فلقَطْتُ له حصَيَاتٍ مثل حصَى الخَذَفِ)،[١٥][١٦] أمّا بالنسبة إلى الجمرات الثلاث؛ فقد اختلف الفُقهاء في المكان الذي تُؤخَذ منه؛ فذهب الشافعيّة إلى أنّها تُؤخَذ من مكان غير مُزدلفة، وذهب بعض الحنفيّة إلى أنّ الحاجّ يأخذها معه من مُزدلفة؛ فيأخُذ معه سبعين حصاةً، وذهب بعضهم إلى أنّها تُؤخَذ من جانب الطريق، وذهب المالكيّة إلى أنّها تُؤخَذ من أيّ مكان، وذهب أكثر الحنابلة إلى أنّ أخذها يكون من مُزدلفة، واتّفق الفقهاء جميعهم على صحّة الرَّمْي بغضّ النظر عن المكان الذي أُخِذت منه الحَصى.[١٧]


الفرق بين جمرة العقبة والجمرات الثلاث من حيث استحباب الدعاء

تُسَنّ إطالة الوقوف بالدعاء عَقب الانتهاء من رَمْي جمرتَي العقبة؛ الصُّغرى، والوُسطى، دون الكُبرى، ويكون الوقوف بمقدار قراءة سورة البقرة؛ والحكمة من عدم استحبابه في الجمرة الكُبرى أنّها الجمرة الأخيرة، وبانتهاء رمَيها تنتهي عبادة الرَّمي؛ ومعلوم أنّ الدعاء خلال العبادة، وأوسطها، يكون أفضل من الدعاء بعد الانتهاء منها، ومنها أنّه لا يقف عندها؛ لأنّه لا رَمْي بَعدها.[١٨] كما أنّ الحاجّ لا يقف بعد جمرة العقبة الكُبرى؛ إذ لا وقوف إلّا إذا كان الرَّمْي يتبعُه رَمْي جمرة أُخرى، وجمرة العقبة الكُبرى يتبعُها النَّحر، والطواف، ولا يتبعها رَمْيٌ آخر.[١٩]


المراجع

  1. سعيد بن علي بن وهف القحطاني، رمي الجمرات في ضوء الكتاب والسنة وآثار الصحابة، صفحة 11-12. بتصرّف.
  2. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 3886، أخرجه في صحيحه.
  3. نور الدين عتر (1984)، الحج والعمرة في الفقه الإسلامي (الطبعة الرابعة)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 103-104. بتصرّف.
  4. أحمد مصطفى القضاة، آراء العلماء في رمي الجمرات وأثرها في التيسير على الحجاج، صفحة 24-26. بتصرّف.
  5. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2841، صحيح .
  6. نور الدين عتر (1984)، الحج والعمرة في الفقه الإسلامي (الطبعة الرابعة)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 108-109. بتصرّف.
  7. أبو مالك كمال بن السيد سالم (2003)، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، القاهرة: المكتبة التوفيقية، صفحة 251، جزء 2. بتصرّف.
  8. نور الدين عتر (1984)، الحج والعمرة في الفقه الإسلامي (الطبعة الرابعة)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 109-110. بتصرّف.
  9. سورة البقرة، آية: 203.
  10. ^ أ ب ابن رشد الحفيد (2004)، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، القاهرة: دار الحديث، صفحة 118. بتصرّف.
  11. يحيى بن (هُبَيْرَة بن) محمد بن هبيرة الذهلي الشيبانيّ (2002)، اختلاف الأئمة العلماء (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 289، جزء 1. بتصرّف.
  12. عَبدالله بن محمد الطيّار، عبدالله بن محمّد المطلق، محمَّد بن إبراهيم الموسَى (2012)، الفِقهُ الميَسَّر (الطبعة الأولى)، السعودية: مَدَارُ الوَطن للنَّشر، صفحة 69، جزء 4. بتصرّف.
  13. "حكم من رمى جمرة العقبة الكبرى في غير موقعها"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2-6-2020. بتصرّف.
  14. وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية - الكويت ، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 150، جزء 23. بتصرّف.
  15. رواه النووي، في المجموع، عن الفضل بن العباس بن عبدالمطلب، الصفحة أو الرقم: 8/124 ، صحيح.
  16. محيي الدين يحيى بن شرف النووي (1994)، الإيضاح في مناسك الحج والعمرة (الطبعة الثانية)، بيروت: دار البشائر الإسلامية، صفحة 301، جزء 1. بتصرّف.
  17. محمد صديق خان بن حسن البخاري القِنَّوجي (2007)، رحلة الصديق إلى البلد العتيق (الطبعة الأولى)، قطر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، صفحة 107، جزء 1. بتصرّف.
  18. "الحكمة من الدعاء بعد الجمرة الصغرى والوسطى دون الكبرى "، https://www.islamweb.net/، 9-1-2010 ، اطّلع عليه بتاريخ 6-2-2020. بتصرّف.
  19. الفقه الإسلامي وأدلته، وهبة الزحيلي] (الطبعة الثانية عشرة)، سوريَّة - دمشق: دار الفكر، صفحة 2260. بتصرّف.
621 مشاهدة