العلاقات الاجتماعية مثل الخيوط المتشابكة، بعضها يكون أقرب ما يكون، والبعض منها معقدٌ وبعيد، والإنسان بطبيعته كائن اجتماعي، يعيش ويختلط مع مَن حوله من الناس، وأكثر اختلاط الناس ببعضهم البعض يكون من خلال صلة تربطهم ببعض مثل القرابة والصداقة والنسب والجيرة، وللجيرة خصوصية كبرى هي أنها أكثر العلاقات تفاعلًا، ولهذا فإنَّ الكيمياء التي تنشأ بين الجيران تُساهم في زيادة الترابط بينهم، فالإنسان عندما يجاور شخصًا ما فإنَّه يكون مضطرًا لرؤيته في أي وقت نظرًا للقرب، ولهذا جعل الله -سبحانه وتعالى- حقوقًا للجار يجب على كل شخصٍ يعيش بجوار أحدٍ أن يؤدي هذا الحق تجاه جاره وأن لا يسبب له الإزعاج أبدًا، وأن يكون الجار بالنسبة لجاره مثل بائع المسك، إن لم يُمنحه عطرًا فلا يُؤذيه، حتى أنَّ الرسول -عليه الصلاة والسلام- أوصى بالجار، فقد قَالَ رَسول اللَّهِ: (مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ)، كما جاءت الكثير من الآيات القرآنية الكريمة التي تذكر حق الجار وتؤكد على ضرورة الإحسان إليه وعدم إيذائه.
للجار حقوقٌ كثيرة أوجبها الله تعالى، وأولها ضرورة الإحسان إلى الجار وعدم الإساءة إليه أبدًا واتخاذه أخًا عزيزًا، لأنَّ الإساءة للجار عادة جاهلية منبوذة، تزرع الضغينة في القلوب، وتقضي على ثمار التقارب بين الجيران، وتمنع الألفة بينهم، ويجب أيضًا تمني الخير للجار، وعدم ظلمه وبُغضه وحسده، ومعاملته بالتسامح وكف الأذى عنه، وعدم إيذائه بأي وسيلة كانت، وستر عوراته وعدم اختلاس النظر إلى حرمة بيته، وعدم تعمّد مضايقته في السكن أو في موقف السيارة، وتجنب التضييق عليه بأي طريقة كانت، وعدم إزعاجه بالأصوات العالية والصراخ أو إيذاء أبنائه، وحفظ أسراره وتجنب إفشائها بين الناس، وتقديم المعروف إليه، فالهدية تفتح بابًا من أبواب المحبة بين الجيران، كما يجب إحسان الظن بالجار، فالإحسان محمودٌ في جميع المواقف.
من حقوق الجار على جاره أن يكون له منديلًا يمسح حزنه وقت همه، وأن يكون له بلسمًا يُضمد جراحه، وإن كان الجار من ذي القربى فإن له حقاً مضاعفاً، فمن يُحسن إلى جاره ويُقدّم له المعروف ينال الأجر والثواب الكبيرين، كما يُبارك له الله في عمره وعمله، ولهذا يجب على كل جار أن يقطف من حديقة المحبة وردًا ويزرعها في حديقة جاره، وأن لا يسمح لأي شيءٍ بتنغيص العلاقة معه، وأن يتجاوز عن سيئاته ويلتمس له الأعذار في كل وقت، وذلك تنفيذًا لأمر الله تعالى ورسوله، وقد قالت العرب قديمًا: "جارك القريب أقرب إليك من أخيك البعيد".