غزوات رسول الله
غزا النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وصحابته -رضي الله عنهم- غزواتٍ كثيرةً، وقد اختلف العلماء والمؤرّحون في عدد هذه الغزوات؛ فقيل خمسٌ وعشرون، وقيل سبعٌ وعشرون، وقيل تسعٌ وعشرون غزوةً، وكانت كلّها بعد الهجرة، واستمرت لعشرة أعوامٍ، ومن الجدير بالذكر أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قاتل في تسع غزواتٍ، وهي: بدر، وأحد، والخندق، والمصطلق، وقريظة، وخيبر، وفتح مكة، وحنين، والطائف، وقال البعض أنّه قاتل في بني النضير، ووادي القرى، والغابة، وأمّا سراياه وبعثاته، فكان عددها ستين تقريباً.[١]
غزوة حنين
حدثت غزوة حنين في السابع من شوال من العام الثامن للهجرة، ويرجع سبب الغزوة إلى أنّ القبائل العربية التي حول مكّة، ومنها ثقيف وهوازن، كان لها ردة فعلٍ معاكسةٌ على فتح المسلمين لمكّة المكرّمة، فاجتمع روؤساء هذه القبائل، وسلّموا القيادة لسيد هوازن؛ وهو مالك بن عوف، وأجمعوا على مباغتة المسلمين قبل أن تتوطّد أركانهم في مكّة وتنتشر طلائعهم حولها، فتجهّز جيشهم وقرّر قائدهم مالك بن عوف الخروج بالنساء والأطفال والأموال إلى أرض المعركة؛ حتى يشعر جنوده أنّهم يقاتلون دفاعاً عن أهلهم ومالهم فلا يفرّون من أرض المعركة، فعارضه دريد بن الصمة؛ وهو أحد الفرسان المحنّكين أصحاب الخبرة والتجربة قائلاً: (وهل يردّ المُنهزم شيء؟ إن كانت الدائرة لك لم ينفعك إلا رجل برمحه وسيفه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك)، ولكنّ مالك لم يقبل رأيه وأصرّ على قراره.[٢]
ثمّ وصلت الأخبار إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في المدينة المنورة، فأعدّ جيشاً قوامه اثنا عشر ألف مقاتٍل؛ عشرة آلاف من أهل المدينة، وألفين من أهل مكة، وتوجّه به نحو وادي حنين الذي يبعد عن مكّة نحو سبعةٍ وعشرين كيلو متراً، ولمّا اقترب المسلمون من حنين حشد رسول الله الجيش وعقد الألوية، وعند بزوغ الفجر دخل المسلمون الوادي وبدأوا ينحدرون فيه، ولكنّ مالك بن عوف كان قد سبقهم إلى وادي حنين، وأدخل جيشه ليلاً في مضائق الوادي، ووزّع أتباعه في الطرق والمداخل، وأمرهم برمي المسلمين بالنبال عند مشاهدتهم، ثمّ مهاجمتهم جميعاً وبشكل مُباغت، فما أن دخل المسلمون الوادي حتى تفاجئوا بالنبال من كلّ مكانٍ وبهجوم مالك بجيشه عليهم، فانهزم المسلمون راجعين، لا يلوي أحدٌ على أحدٍ، وكانت هزيمةً منكرةً لذلك الجمع الكبير، ولكنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ثبت في هذا الموقف العصيب، وأخذ ينادي الناس ويذكرهم بأنّه نبيّ الله، فاجتمع حوله عددٌ قليلٌ من الأنصار والمهاجرين، ومنهم العباس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن الحارث رضي الله عنهم، ثمّ أمر النبي -عليه الصّلاة والسّلام- عمّه العباس بأن ينادي أصحاب السمرة وهم أصحاب بيعة العقبة، يقول العباس رضي الله عنه: (فواللهِ لكأنَّ عطفتهم، حين سمعوا صوتي، عطفةَ البقرِ على أولادها، فقالوا: يا لبيكَ، يا لبيكَ، قال: فاقتتلوا والكفارُ، والدعوةُ في الأنصارِ يقولون: يا معشرَ الأنصارِ، يا معشرَ الأنصارِ، قال: ثمّ قصرتِ الدعوةُ على بني الحارثِ بنِ الخزرجِ، فقالوا: يا بني الحارثِ بنِ الخزرجِ، يا بني الحارثِ بنِ الخزرجِ، فننظر رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- وهو على بغلتِه، كالمتطاولِ عليها، إلى قتالهم، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: هذا حين حمي الوطيس قال: ثمّ أخذ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- حصياتٍ فرمى بهن وجوهَ الكفارِ، ثمّ قال: انهزموا وربِّ محمدٍ، قال: فذهبتُ أنظرُ فإذا القتالُ على هيئتِه فيما أرى، قال: فواللهِ ما هو إّلا أن رماهم بحصياتِه، فما زلتُ أرى حدهم كليلاً وأمرهم مدبراً)،[٣] ففرّ مالك بن عوف وجيشه تاركين ورأهم الغنائم العظيمة حتى التجؤوا إلى حصون الطائف، وقد ذكر الله تعالى ما حدث في سورة التوبة حيث قال: (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ*ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ).[٤][٢]
حصار الطائف
بعد فرار هوازن وثقيف من أرض حنين، التجؤوا إلى حصون الطائف وتبعهم جيش المسلمين، وعلى الرغم من أنّ عدد الكفار كان ضعف أعداد المسلمين، ورغم الفضيحة التي أصابتهم؛ إذ إنّ النساء والأموال أصبحوا غنيمةَ للمسلمين، إلا أنّهم لم يفكروا في تصحيح الموقف والخروج من أزمتهم؛ لأنّ الرعب قد ضجّ في قلوبهم، ولمّا رأى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- تحصّنهم وعدم نزولهم للقتال، فرض عليهم حصاراً، ثمّ بدأ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يستخدم الوسائل لإخراجهم، فأمر سلمان الفارسيَ بصناعة المنجنيق؛ ليرمي به المسلمون حصون الطائف بالحجارة، وأمره بصناعة الدبابات الخشبية؛ ليحتمي الجنود بها من سهام العدو عند التقدّم إلى الحصن، وبالفعل تمكّن المسلمون من كسر جزءٍ من سور الحصن، ثمّ حاولوا اقتحامه، إلا أنّ أهل الطائف باغتوهم باستخدام الحسك المحمّى، فأوقعوا إصاباتٍ بالغةً في صفوف المسلمين، وأجبروهم على التراجع، ولكنّ رسول الله لم ييأس من خروجهم، وأمر بحرق مزارع العنب المحيطة بالطائف؛ ليجبرهم على الخروج والقتال، فطلبت ثقيف من النبي -عليه الصّلاة والسّلام- أن يدع أشجار العنب، فإن انتصر كانت للمسلمين وإن انسحب تركها لله والرحم، فتركها لله والرحم، ثمّ أمر رسول الله بالنداء على الحصون؛ أنّ أيّ عبدٍ يخرج إلى المسلمين فهو حرٌّ، فخرج ثلاثة وعشرون عبداً، ثمّ أسلموا وأخبروا رسول الله بمعلوماتٍ مهمّةٍ؛ مفادها أنّ ثقيف لديها من الطعام والشراب ما يكفيهم لمدة عامٍ كاملٍ، فاستشار النبي -عليه الصّلاة والسّلام- أصحابه رضي الله عنهم، فقال نوفل بن معاوية الديلي: (هم ثعلبٌ في جحرٍ، إن أقمت عليه أخذته، وإن تركته لم يضرّك)؛ يعني بذلك أنّ شوكة ثقيفٍ قد كسرت، وفضحوا بهزيمتهم، ولن يضرّوا المسلمين بعد ذلك، ولكنّ حصارهم قد يطول ويترتّب عليه مفاسد أخرى، فأخذ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- برأيه.[٥]
المراجع
- ↑ "زاد المعاد - غزوات النبي وبعوثه وسراياه "، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-5-2018. بتصرّف.
- ^ أ ب "غزوة حنين تداعياتها ونتائجها"، articles.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-5-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن العباس بن عبد المطلب، الصفحة أو الرقم: 1775، صحيح.
- ↑ سورة التوبة، آية: 25-26.
- ↑ راغب السرجاني، السيرة النبوية، صفحة 4،5،6. بتصرّف.