قصيدة أمي والوطن
للشاعر عبد الواسع السقاف:
(مهما قلت.. تظل الكلمات عاجزة.. والبيان حائراً.. الله وحده قادر أن يرد لها الجميل.. أمي)
أمي كتبتُ لك الحنينْ
- وزرعت أقلامي أنينْ
وروَيتهم بالشِّعر، خروا
- عند ذكرك ساجدينْ
أمي بعمق العالمين
- أرسلت أصدائي حنينْ
ومضيت أصرخ ألف أمي
- منذ آلاف السنين
في السابقين.. في اللاحقين
- في كل ذرة طين
ونسَجت باسمك ألف مي
- لادٍ وميلادٍ مبين
لكرامة الإنسان في الأو
- طان ، مرفوع الجبين
حتى يرى التاريخ أني
- حين أصرخ لا ألِين
فجَّرت أعضائي بأع
- ضائي، بدأت من اليمين
فجَّرت فيها ثورة
- للناس، أشعلت الوتين
وأتيت قلبك بالدمو
- ع كأنني طِفلٌ حزين
وكأنني رُغم الرجو
- لة بين شكي واليقين
ما زدتُ في دنياك إلا
- أن أكون بها جنينْ
أمي غصون الزَّيزَفون
- أمي المنَاسك والمُتون
أمي مواقيت الصلا
- ة إذا تلاها العابدون
أمي تباشير الصبا
- ح إذا رأها الخائفون
أمي تباشير الغُرو
- ب إذا رآها الصائمون
ما بين صُبح أو مسا
- أمي ضِياءٌ للعيون
أمي غِناء الطير في
- أعشاشها فوق الغصون
أمي بكاها النأي وال
- قانُون في إحدى اللحون
أمي نعاها القُدس وال
- أقصى، وعانتها السُّنون
أمي مرارات السلا
- م إذا إرتآها المُشركون
أمي، ومن لي غير
- أمي، لا أصير ولا أكون
أمي الأمان، إذا رأي
- ت الكون في كفِّ المنون
آنست أمي والشَّجن
- وكتبتُ بينهما الوطن
ونسجت بالألفاظ من
- شِعري على شِعري كفن
وسَّدت فيه الآه بال
- أسحار، مِيلادُ حَسنْ
وعزفت قيثاري، فغ
- ني الريح في عُرس الوَسَن
حاكت يمين الشِّعر
- حول الأم موال اليمنْ
غنَّت به بلقيس في
- صنعا ، وفي قاعي عَدن
غنّيت أمي في حُق
- ول البُُّن في أرض اليمنْ
غنيتها ورداً وري
- حاناً ملأت بها الوطنْ
وروَيتها غُصنا من ال
- زيتون في وجه الفتنْ
منذ اشرأبت أعنق ال
- أغصان في وادي تُبنْ
للنور يسرق خَطْرَه
- بين المعاصم والرَّسَنْ
غنيت أمي لا أخا
- ف الصَّحب إن قالوا: وَهَن
غنيتها يا حب في
- شِعري، وإن قالوا: لمن؟
للعابد المصلوب يب
- كي في المساجد كالوثنْ
للحائر المجروح لا
- يرقى لإيقاف الزمنْ
للخائف المرعوب لا
- يقوى، وإن غنوا جَبَنْ
للشمس تفتح بين أه
- دابي وأعتابي وطنْ
قصيدة إلى أمي
تُعدّ هذه القصيدة من القصائد الشهيرة للشاعر محمود درويش:
أحنّ إلى خبز أمي
وقهوة أمي
ولمسة أمي
وتكبر فيّ الطفولة
يوماً على صدر يوم
وأعشق عمري لأني
إذا متّ،
أخجل من دمع أمي!
خذيني، إذا عدت يوماً
وشاحاً لهدبك
وغطّي عظامي بعشب
تعمّد من طهر كعبك
وشدّي وثاقي..
بخصلة شعر
بخيط يلوّح في ذيل ثوبك..
عساي أصير إلهاً
إلهاً أصير..
إذا ما لمست قرارة قلبك!
ضعيني، إذا ما رجعت
وقوداً بتنور نارك..
وحبل غسيل على سطح دارك
لأني فقدت الوقوف
بدون صلاة نهارك
هرمت ، فردّي نجوم الطفولة
حتى أشارك
صغار العصافير
درب الرجوع..
لعشّ انتظارك!
قصيدة طيف نـسميه الحنين
قصيدة عن الأمهات للشاعر المصري فاروق جويدة:
'إلي أمي.. وكل أم.. في عيد الأم'
في الركن يبدو وجه أمي
لا أراه لأنه
سكن الجوانح من سنين
فالعين إن غفلت قليلا لا ترى
لكن من سكن الجوانح لا يغيب
وإن توارى.. مثل كل الغائبين
يبدو أمامي وجه أمي كلما
اشتدت رياح الحزن.. وارتعد الجبين
الناس ترحل في العيون وتختفي
وتصير حزنـاً في الضلوع
ورجفة في القلب تخفق.. كل حين
لكنها أمي
يمر العمر أسكنـها.. وتسكنني
وتبدو كالظلال تطوف خافتة
علي القلب الحزين
منذ انشطرنا والمدى حولي يضيق
وكل شيء بعدها.. عمر ضنين
صارت مع الأيام طيفـاً
لا يغيب.. ولا يبين
طيفـاً نسميه الحنين..
في الركن يبدو وجه أمي
حين ينتصف النهار..
وتستريح الشمس
وتغيب الظلال
شيء يؤرقني كثيراً
كيف الحياة تصير بعد مواكب الفوضي
زوالاً في زوال
في أي وقت أو زمان سوف تنسحب الرؤى
تكسو الوجوه تلال صمت أو رمال
في أي وقت أو زمان سوف نختتم الرواية..
عاجزين عن السؤال
واستسلم الجسد الهزيل.. تكسرت
فيه النصال على النصال
هدأ السحاب ونام أطيافـاً
مبعثرة على قمم الجبال
سكن البريق وغاب
سحر الضوء وانطفأ الجمال
حتى الحنان يصير تـذكاراً
ويغدو الشوق سراً لا يقال
في الركن يبدو وجه أمي
ربما غابت.. ولكني أراها
كلما جاء المساء تداعب الأطفال
فنجان قهوتها يحدق في المكان
إن جاء زوار لنا
يتساءل المسكين أين حدائق الذكرى
وينبوع الحنان
أين التي ملكت عروش الأرض
من زمن بلا سلطان
أين التي دخلت قلوب الناس
أفواجاً بلا استئذان
أين التي رسمت لهذا الكون
صورته في أجمل الألوان
ويصافح الفنجان كل الزائرين
فإن بدا طيف لها
يتعثر المسكين في ألم ويسقط باكياً
من حزنه يتكسر الفنجان
من يوم أن رحلت وصورتها على الجدران
تبدو أمامي حين تشتد الهموم وتعصف الأحزان
أو كلما هلت صلاة الفجر في رمضان
كل الذي في الكون يحمل سرها
وكأنها قبس من الرحمن
لم تعرف الخط الجميل
ولم تسافر في بحور الحرف
لم تعرف صهيل الموج والشطآن
لكنها عرفت بحار النور والإيمان
أمية..
كتبت على وجهي سطور الحب من زمن
وذابت في حمى القرآن
في الأفق يبدو وجه أمي
كلما انطلق المؤذن بالأذان
كم كنت ألمحها إذا اجتمعت على رأسي
حشود الظلم والطغيان
كانت تلم شتات أيامي
إذا التفت على عنقي حبال اليأس والأحزان
تمتد لي يدها بطول الأرض..
تنقذني من الطوفان
وتصيح يا الله أنت الحافظ الباقي
وكل الخلق ياربي إلى النسيان
شاخت سنين العمر
والطفل الصغير بداخلي
مازال يسأل..
عن لوعة الأشواق حين يذوب فينا القلب
عن شبح يطاردني
من المهد الصغير إلى رصاصة قاتلي
عن فـرقة الأحباب حين يشدنا
ركب الرحيل بخطوه المتثاقل
عن آخر الأخبار في أيامنا
الخائنون.. البائعون.. الراكعون..
لكل عرش زائل
عن رحلة سافرت فيها راضياً
ورجعت منها ما عرفت.. وما اقتنعت.. وما سلمت..
وما أجبتك سائلي
عن ليلة شتوية اشتقت فيها
صحبة الأحباب
والجلاد يشرب من دمي
وأنا على نار المهانة أصطلي
قد تسألين الآن يا أماه عن حالي
وماذا جد في القلب الخلي
الحب سافر من حدائق عمرنا
وتغرب المسكين..
في الزمن الوضيع الأهطـل
ما عاد طفلك يجمع الأطيار
والعصفور يشرب من يدي
قتلوا العصافير الجميلة
في حديقة منزلي
أخشى عليه من الكلاب السود
والوجه الكئيب الجاهل
أين الذي قد كان..
أين مواكب الأشعار في عمري
وكل الكون يسمع شدوها
وأنا أغني في الفضاء.. وأنجـلي
شاخ الزمان وطفلك المجنون..
مشتاق لأول منزل
مازال يطرب للزمان الأول
شيء سيبقي بيننا.. وحبيبتي لا ترحلي
في كل يوم سوف أغرس وردة
بيضاء فوق جبينها
ليضيء قلب الأمهات
إن ماتت الدنيا حرام أن نقول
بأن نبع الحب مات
قد علمتني الصبر في سفر النوارس..
علمتني العشق في دفء المدائن..
علمتني أن تاج المرء في نبل الصفات
أن الشجاعة أن أقاوم شح نفسي..
أن أقاوم خسة الغايات
بالأمس زارتني.. وفوق وسادتي
تركت شريط الذكريات
كم قلت لي صبرا جميلا
إن ضوء الصبح آت
شاخت سنين العمر يا أمي
وقلبي حائر
مابين حلم لا يجيء..
وطيف حب.. مات
وأفقت من نومي
دعوت الله أن يحمي
جميع الأمهات
قصيدة خمس رسائل إلى أمي
قصيدة كتبها الشاعر نزار قباني عن الأم:
صباحُ الخيرِ يا حلوة..
صباحُ الخيرِ يا قدّيستي الحلوة
مضى عامانِ يا أمّي
على الولدِ الذي أبحر
برحلتهِ الخرافيّة
وخبّأَ في حقائبهِ
صباحَ بلادهِ الأخضر
وأنجمَها، وأنهُرها، وكلَّ شقيقها الأحمر
وخبّأ في ملابسهِ
طرابيناً منَ النعناعِ والزعتر
وليلكةً دمشقية..
أنا وحدي..
دخانُ سجائري يضجر
ومنّي مقعدي يضجر
وأحزاني عصافيرٌ..
تفتّشُ –بعدُ- عن بيدر
عرفتُ نساءَ أوروبا..
عرفتُ عواطفَ الإسمنتِ والخشبِ
عرفتُ حضارةَ التعبِ..
وطفتُ الهندَ، طفتُ السندَ، طفتُ العالمَ الأصفر
ولم أعثر..
على امرأةٍ تمشّطُ شعريَ الأشقر
وتحملُ في حقيبتها..
إليَّ عرائسَ السكّر
وتكسوني إذا أعرى
وتنشُلني إذا أعثَر
أيا أمي..
أيا أمي..
أنا الولدُ الذي أبحر
ولا زالت بخاطرهِ
تعيشُ عروسةُ السكّر
فكيفَ.. فكيفَ يا أمي
غدوتُ أباً..
ولم أكبر؟
صباحُ الخيرِ من مدريدَ
ما أخبارها الفلّة؟
بها أوصيكِ يا أمّاهُ..
تلكَ الطفلةُ الطفله
فقد كانت أحبَّ حبيبةٍ لأبي..
يدلّلها كطفلتهِ
ويدعوها إلى فنجانِ قهوتهِ
ويسقيها..
ويطعمها..
ويغمرها برحمتهِ..
.. وماتَ أبي
ولا زالت تعيشُ بحلمِ عودتهِ
وتبحثُ عنهُ في أرجاءِ غرفتهِ
وتسألُ عن عباءتهِ..
وتسألُ عن جريدتهِ..
وتسألُ –حينَ يأتي الصيفُ-
عن فيروزِ عينيه..
لتنثرَ فوقَ كفّيهِ..
دنانيراً منَ الذهبِ..
سلاماتٌ..
سلاماتٌ..
إلى بيتٍ سقانا الحبَّ والرحمة
إلى أزهاركِ البيضاءِ.. فرحةِ "ساحةِ النجمة"
إلى تختي..
إلى كتبي..
إلى أطفالِ حارتنا..
وحيطانٍ ملأناها..
بفوضى من كتابتنا..
إلى قططٍ كسولاتٍ
تنامُ على مشارقنا
وليلكةٍ معرشةٍ
على شبّاكِ جارتنا
مضى عامانِ.. يا أمي
ووجهُ دمشقَ،
عصفورٌ يخربشُ في جوانحنا
يعضُّ على ستائرنا..
وينقرنا..
برفقٍ من أصابعنا..
مضى عامانِ يا أمي
وليلُ دمشقَ
فلُّ دمشقَ
دورُ دمشقَ
تسكنُ في خواطرنا
مآذنها.. تضيءُ على مراكبنا
كأنَّ مآذنَ الأمويِّ..
قد زُرعت بداخلنا..
كأنَّ مشاتلَ التفاحِ..
تعبقُ في ضمائرنا
كأنَّ الضوءَ، والأحجارَ
جاءت كلّها معنا..
أتى أيلولُ يا أماهُ..
وجاء الحزنُ يحملُ لي هداياهُ
ويتركُ عندَ نافذتي
مدامعهُ وشكواهُ
أتى أيلولُ.. أينَ دمشقُ؟
أينَ أبي وعيناهُ
وأينَ حريرُ نظرتهِ؟
وأينَ عبيرُ قهوتهِ؟
سقى الرحمنُ مثواهُ..
وأينَ رحابُ منزلنا الكبيرِ..
وأين نُعماه؟
وأينَ مدارجُ الشمشيرِ..
تضحكُ في زواياهُ
وأينَ طفولتي فيهِ؟
أجرجرُ ذيلَ قطّتهِ
وآكلُ من عريشتهِ
وأقطفُ من بنفشاهُ
دمشقُ، دمشقُ..
يا شعراً
على حدقاتِ أعيننا كتبناهُ
ويا طفلاً جميلاً..
من ضفائره صلبناهُ
جثونا عند ركبتهِ..
وذبنا في محبّتهِ
إلى أن في محبتنا قتلناهُ...