محتويات
العدل والمساواة في الشريعة الإسلامية
اختلف الناس في تحديد معنى كلمة المساواة، حيث ظهر لها اتجاهان مختلفان: الأول منهما هو المساواة المطلقة، وذلك يعني إزالة جميع الفوارق بين الناس، وجعلهم سواسيةً في كلّ شيءٍ، مهما اختلفت أجناسهم، أو ثقافاتهم، أو أديانهم، وأمّا الثاني فهو: المماثلة الكاملة بين الأشياء، إلّا ما جاءت الشريعة بنفي التساوي فيها، وذلك على اعتبار أنّ للشريعة الحقّ في التسوية والتفريق بين الأمور، والواضح من التعريف الأول أنّه فتح الباب على مصراعيه في المساواة، فجعل الأمور المختلفة متساويةً، مع أنّ الأصل في التسوية التشابه بين الأشياء والمخلوقات، فالمساواة تكون عادلةً في حال تشابهت الخصائص والصفات بين الشيئين، وليس إن كانا مختلفين بالخصائص، والصفات، والقدرات، كما هو الحال بين الرجل والمرأة مثلاُ، فإنّ المساواة بينهما تكون ظالمةً لا عادلةً، كما أنّ التعريف الأول يصادم النصوص الصريحة في القرآن، بالتفريق بين الأمور، ودليل ذلك قول الله تعالى: (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لاَ يَسْتَوُونَ).[١][٢]
وقد قال الشيخ ابن عثيمين إنّ من قال أنّ الإسلام دين المساواة؛ فهو مخطئٌ في حقّ الإسلام، فالحقيقة أنّ الإسلام دين العدل، لا دين المساواة، فالإسلام يقرر المساواة العادلة التي تجمع بين المتشابهين، وتفرّق بين المختلفين، فإن الإسلام يساوي بين المرأة والرجل في الخصائص الإنسانية، والثواب، والعقاب، والتكاليف الشرعية، إلّا أنّه يفرّق بينهما في الخصائص الجسدية، والنفسية، والعقلية، وذلك عين العدل الذي لا تحققه المساواة المطلقة بجمعها بين المختلفين دائماً، والعدل شرعاً هو: وضع كلّ أمرٍ في الموضع الذي أراده الله له، فيكون التوازن الذي يؤتي كلّ طرفٍ حقّه دون ظلمٍ أو جورٍ، والحقيقة أنّ المساواة المطلقة بين الناس أمرٌ مستحيلٌ عقلاً، والواقع يؤكّد ذلك، فالموظفون في المؤسسة الواحدة يتفاوتون في رواتبهم، مع أنّهم يتشابهون في الأحوال الاجتماعية، ويحتاجون نفس متطلبات الحياة؛ من مأكلٍ، ومشربٍ، وملبسٍ، ويواجهون نفس الصعوبات الحياتية غالباً، وليس في ذلك ظلماً عند النظم الاجتماعية الحديثة.[٢]
الفرق بين الرجل والمرأة في الإسلام
خلق الله -تعالى- الرجل والمرأة، وجعلهما شطرا النوع الإنساني، ودليل ذلك قول الله -تعالى- في القرآن الكريم: (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ)،[٣] جعل الله الزوجان يشتركان في واجب عِمارة الأرض، وواجب العبودية لله تعالى، وذلك في عموم أمور الدين؛ كالإيمان، والثواب، والعقاب، والترغيب، والترهيب، وفي عموم التشريعات من حقوقٍ وواجباتٍ أيضاً، حيث قال تعالى: (وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا)،[٤] ومع ذلك فقد قدّر الله -تعالى- أن تكون خِلقة الرجل على غير خِلقة المرأة، وهيئتها، وطبيعة تكوينها، فإنّ في الرجل قوةً طبيعيةً، والمرأة أنقص منه في ذلك؛ لما يعتريها من أحوال الحيض، والنفاس، والمخاض، والإرضاع، وغيره من تربية الأبناء، وتقديم الرعاية لهم، فكان من آثار ذلك الاختلاف في الخِلقة، الاختلاف في القدرات الجسدية والعاطفية والإرادية، إضافةً إلى أمورٍ كثيرةٍ أخرى أشار إليها الطب الحديث، من اختلافٍ بين المرأة والرجل في الخلق.[٥]
وقد نتج عن هذا الاختلاف، والتفاوت بين الجنسين، اختلافٌ بينهما في بعض الأحكام الشرعية، لتوافق ما جُبل عليه كلّ منهما، فلكلٍ منهما وظائفٌ ومهامٌ تلائمه، وجُملة وظائف الرجال خارج البيت؛ من سعيٍ لكسب الرزق، وعملٍ من أجل الإنفاق على البيت والزوجة والأولاد، والرجل مكلّفٌ بالقِوامة على البيت؛ بالحفظ والحماية، وأوجب الله -تعالى- على الرجل عدداً من العبادات غير الواجبة على النساء، من مثل: صلاة الجماعة، والجمعة، والجهاد في سبيل الله عزّ وجلّ، كما جعل الله الطلاق بيد الرجل لا بيد المرأة، وجعل نسبة الأبناء إلى أبيهم، لا إلى أمهم، وللرجل في بعض حالات الميراث ضعف ما للمرأة، أمّا المرأة فجملة وظائفها ومهامها في البيت، فتقوم بشؤون منزلها، وتحفظ زوجها وأولادها، وتقوم على حسن التربية والرعاية لهم، ولها أحكامٌ شرعيةٌ خاصةٌ كذلك؛ كأحكام الحيض، والطهارة، ووجوب الحجاب، وغير ذلك مما فصّلت فيه كتب الفقه ومدوناته.[٥][٦]
ضوابط العلاقة بين الرجال والنساء
حرّم الله -عزّ وجلّ- اتخاذ الأخدان من الأصدقاء والصديقات على كلٍ من الرجال والنساء، ودليل ذلك قول الله تعالى: (محْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ)،[٧] وإنّ ذلك الأمر محرمٌ سواءً أكان عبر مواقع الإنترنت والتواصل الإجتماعي، أو عبر الهاتف، أو عبر اللقاءات المباشرة بينهم، فليس في الإسلام شيءٌ يسمى الصداقة بين الرجل والمرأة، فإمّا أن تكون المرأة زوجةً للرجل، أو من محارمه، أمّا زمالة العمل أو الدراسة، فقد فرض الواقع على الجنسين التواجد معاً في مكانٍ واحدٍ، وفي تلك الحالة لا بدّ من مراعاة الضوابط الشرعية للقاء بينهما، ووضع حدودٍ واضحةٍ للعلاقة بين الجنسين، وفيما يأتي بيان بعضها:[٨]
- الالتزام بغض البصر من كلا الطرفين، فلا يتحرى كلاً منهما النظر إلى عورة الآخر، ولا يطيل النظر لغير حاجةٍ، ولا يسمح لنفسه بالنظر إلى الآخر نظرة شهوةٍ.
- التزام المرأة باللباس الشرعي، الكامل الساتر للبدن كلّه، عدا الوجه والكفين، ولا يكون اللباس واصفاً لجسدها أو شافّاً له.
- التزام المرأة في الآداب العامة كلّها؛ كأدب الكلام، فلا تخضع المرأة بالقول عند الحديث إلى الرجال، وتلتزم بأدب المشي والحركة، فلا تتمايل في ذلك؛ حتى لا يعلم ما تخفي من زينتها.
- أن تتجنب المرأة كلّ ما من شأنه أن يفتن الرجل، ويغريه، ويثير غريزته؛ كالعطر، والزينة، والألوان الملفتة، وغير ذلك من أنوع الفتنة.
- الحذر من الخلوة بين المرأة والرجل؛ لما في ذلك من حرمةٍ، خاصةً إن كان الرجل من أقارب الزوج؛ لما دلت عليه الأحاديث النبوية الشريفة.
- أن يكون اللقاء فيما بينهما في حدود الحاجة فقط، فلا يمتدّ ويتوسّع دون داعٍ.
المراجع
- ↑ سورة السجدة، آية: 18.
- ^ أ ب د. محمود بن أحمد الدوسري (2017-10-31)، "العدل والمساواة في الإسلام (خطبة)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-21. بتصرّف.
- ↑ سورة النجم، آية: 45.
- ↑ سورة النساء، آية: 124.
- ^ أ ب بكر بن عبد الله أبو زيد (2014-8-14)، "حراسة الفضيلة - وجوب الإيمان بالفوارق بين الرجل والمرأة "، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-21. بتصرّف.
- ↑ "بعض الفروق الشرعية بين الرجل والمرأة"، www.fatwa.islamweb.net، 2003-4-29، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-21. بتصرّف.
- ↑ سورة المائدة، آية: 5.
- ↑ "حدود العلاقة بين الجنسين وضوابطها"، www.fatwa.islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-21. بتصرّف.