من المشاكل الاجتماعيّة التّي أصبحت ظاهرةً في مجتمعاتنا بشكلٍ كبير هي ظاهرة العنوسة بين الشّباب، فقد دلّت إحدى الإحصائيّات في المملكة الأردنيّة الهاشميّة، والصّادرة عن دائرة قاضي القضاة أنّ مشكلة العنوسة تزداد؛ حيث قدّرت نسبة الفتيات اللاتي لم يسبق لهنّ الزّواج بمئة ألف فتاة، ولا ريب بأنّ هذه الأمر يشكّل مشكلةً اجتماعيّةً كبيرة في مجتمعاتنا العربيّة والإسلاميّة الّتي تفتخر بعاداتها وبمحافظتها على الدّين والأعراف التي تحثّ على الزواج وترغّب فيه، فما هي هي أسباب مشكلة العنوسة بين الشّباب وخاصّةً بين الفتيات؟ وهل هناك سنّ للعنوسة في العالم العربي والغربي؟
سن العنوسة
يخضع سنّ العنوسة إلى النّظرة الاجتماعيّة والبشريّة المتغيّرة، وليس هناك مقياس ثابت في تحديد سنّ العنوسة، كما أنّ سنّ العنوسة ونظرة النّاس إليه تختلف بين مجتمع وآخر؛ ففي مجتمع الأرياف تتزوّج الفتاة وهي صغيرة، ولا يتطلّب منها الأهل أحيانًا إكمال دراستها الجامعيّة وأحيانًا الثّانويّة، لذلك ترى الفتاة نفسها مؤهّلة للزّواج في سنٍّ صغيرة، وبالتّالي يعتبر الأهل في المجتمعات الرّيفيّة أو البدويّة الفتاة التي تجاوزت العشرين من عمرها أو الخامسة والعشرين من عمرها قد بلغت سنّ العنوسة وفاتها قطار الزّواج.
وإذا توجّهنا نحو المجتمعات المدنيّة التي تعيش في المدن؛ حيث صخب الحياة العصريّة والإقبال على التّعليم نرى أهل الفتاة يحدّدون سنًّا للعنوسة متقدّماً عن حياة الأرياف، فإذا تجاوزت الفتاة سنّ الثلاثين أو الخامسة والثلاثين بدت علامات القلق تظهر على محيّا الفتاة والأهل خشية فوت قطار الزّواج، ويعود سبب تأخّر سنّ الزّواج أحيانًا للفتاة في المدن إلى أنّ الفتاة في المدينة تحبّ أن تكمل دراستها، ويتطلّب منها المجتمع ذلك أحيانًا حتّى تعمل وتساعد أهلها أو زوجها في المستقبل، كما أنّ هناك عوامل كثيرة تسبّب تأخّر سنّ الفتاة في المدينة منها: عزوف الشّباب عن الزّواج بسبب غلاء المعيشة، وارتفاع تكاليف الزّواج في كثيرٍ من المجتمعات، وتساهم المغريات التي يتعرّض لها الشّباب وما يشاهدونه في قنوات التلفاز في إعادة تشكيل وعي الشّباب وتغيير نظرتهم نحو الفتيات؛ بحيث يطلب الشباب مواصفات مثاليّة في الجمال وغيره قد لا تتوفّر لدى كثيرٍ من الفتيات، وكذلك الحال مع الفتاة التي تضع شروطًا كثيرةً أحيانًا أمام من يتقدّم لخطبتها ممّا يسبّب تأخّر زواجها .
وأخيرًا على المجتمعات العربيّة والإسلاميّة حتّى تتخلّص من مشكلة العنوسة أن تحرص على التّمسك بهدي النّبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم في ذلك، حين حثّ على تزويج الشّباب وتيسير أمور الزّواج أمامهم بما يعود بالنّفع على المجتمع ككلّ، فيحيى حياةً طيبةً سعيدةً بعيدةً عن الآفات الاجتماعيّة، وعلى رأسها آفة العنوسة.