شعر النقائض
شعر النقائض هو أحد فنون الأدب التي بدأت بواكيرها منذ العصر الجاهلي وتطورت وأصبحت فنا أدبيا قائما بذاته في العصر الأموي على أيد ثلاثة شعراء أمويين هم الفرزدق وجرير والأخطل , ولكن نقائض فرزدق وجرير هي الأكثر شهرة وعمقا في هذا المجال من الأدب في تاريخ الأدب العربي على مر العصور .
ما هي النقائض ؟
هي لون جديد من ألوان الأدب والمناظرات الأدبية ويرجع له الفضل الكبير في تسجيل أنساب العرب وحكاياتهم وصفاتهم وطريقة حياتهم وشكل أخلاقهم وعاداتهم في ذلك العصر – العصر الأموي - ،وقد أضاف هذا اللون من الأدب ثروة هائلة من الألفاظ إلى اللغة العربية .
تعريف النقائض لغة : هي جمع مفردة نقيضه , ولها أكثر من معنى , ولكن المعنى المراد هنا هو مناقضة القول أي أن تتكلم بخلاف معناه .
أما تعريف النقائض اصطلاحا فهو أن يهجو الشاعر شاعرا آخرا أو أن يفتخر بنفسه أو بقومه أمامه بقصيدة على بحر معين وقافية محددة وروي ما فيرد عليه الشاعر الآخر على نفس البحر والقافية والروي بقصيدة من نفس الموضوع ولكن يضمنها هجاءا معاكسا وفخرا يلغي فيه فخر الشاعر الأول بنفسه وينفيه .
مثال على ذلك ما قاله الأخطل في هجاء بني كليب وهي قبيلة جرير ومفتخرا في نفس الوقت بقبيلة بني دارم قبيلة الفرزدق وذلك في قصيدة له يمدح فيها عبدالملك بن مروان :
أما كليب بن يربوع فليس لهم * * * عند التفارط إيراد ولا صدر
مخلّفون ويقضي الناس أمرهم * * * وهم بغيب وفي عمياء ما نظروا
فيرد جرير عليه بالأبيات التالية :
أرجو لتغلب إن غبّت أمورهم * * * ألا يبارك في الأمر الذي إئتمروا
خابت بنو تغلبٍ إذ خلّ فارطهم * * * حوض المكارم إنّ المجد مبتدرُ
فالموضوع هنا جاء واحدا وهو الهجاء .والبحر الذي نظمت فيه أبيات الشاعرين واحد وهو بحر البسيط .وجاءت القافية كذلك واحدة وهي راء مضمومة في النقيضتين. وجاءت المعاني في أبيات الشاعرين واحدة وهي الضعة والهوان.
وجملة القول إذن فان شعر النقائض هو ما تمثله قصائد الهجاء المتبادلة بين الشاعرين الأمويين جرير والفرزدق ، حيث يمدح الأول ويفتخر في نفسه ويهجو ويذم الآخر بقصيدة ما , ليرد الآخر عليه بقصيدة مقابلة من نفس البحر والقافية والروي والموضوع يفتخر هو الآخر فيها بنفسه ويهجو ويذم الآخر فيها أيضا.
وقد قالوا :جرير يغرف من بحر والفرزدق ينحت في الصخر.
الفرزدق : هو همام بن غالب بن صعصعة الدارمي التميمي وكانت كنيته أبو فراس وقد سمي الفرزدق لضخامة وتجهم وجهه ومعناها الرغيف وقد قيل لولا شعر الفرزدق لذهب ثلث العربية .
جرير : هو أبو حرزة بن عطية بن حذيفة الخطفي بن بدر الكلبي اليربوعي التميمي , وقد قيل عنه أنه هجا وهزم ثمانين شاعرًا في عصره والوحيدان اللذان ثبتا أمامه هما الفرزدق والأخطل فقط ..
ورغم ما كان بين الفرزدق وجرير من هجاء ونقائض في الشعر إلا أنهما كانا صديقين قريبين وكثيرا ما شوهدا معا في الأسواق , وعندما توفي الفرزدق رثاه جرير بقصيدة مشهورة يمدحه ويعدد مناقبه فيها
ومن شعر النقائض أيضا للفرزدق وجرير وهما من العصر الأموي
أبيات من شعر النقائض للفرزدق يرد فيها على جرير
ان الذي سمك السماء بنى لنا بيتاً دعائمه اعزّ واطولُ
بيتاً زرارة محتبٍ بفنائه ومجاشعٌ وابو الفوارس نهشلِ
لا يحتبى بفناء بيتك مثلهم ابداً اذا عُد الفعال الافضل
حُلل الملوك لباسنا في اهلنا والسابغات الى الوغى نتسربل
احلامنا تزن الجبال رزانةً وتخالنا جُناً اذا لم نجهلُ خالي الذي غصب الملوك نفوسهم واليه كان حباء جفنة يُنقلُ انا لنضربُ راس كل قبيلةٍ وابوك خلف اتانه يتقملُ
وأبيات من شعر النقائض لجرير يرد فيها على الفرزدق
أخزي الذي سمك السماء مجاشعاً وبنى بناءك في الحضيض الاسفل
بيتٌ يُحمم قينكم بفنائه دنساً مقاعدهُ خبيثُ المدخل ِ
قُتل الزبير وانت عاقد حبوةٍ تباً لحبوتك التي لم تحللِ
وافاك غدرك بالزبير على منى ومجرُ جعثنكم بذات الحرمل
بات الفرزدق يستجير لنفسه وعجان جعثن كالطريق المعمل
لا تذكروا حُلل الملوك فانكم بعد الزبيركحائضٍ لم تغسلِ
كان الفرزدق اذ يعوذ بخالهِ مثل الذليل يعوذ تحت القرملِ افخر بضبةَ ان امك منهم ليس بن ضبةَ بالمعم المخولِ ابلغ بني وقبان ان حلومهم خفت فلا يزنون حبةخردل