محتويات
القنوط
ورد لفظ القنوط في كتاب الله -سبحانه وتعالى- في عدّة مواضع، منها قوله: (لَّا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ)،[١] فالعبد يُكثر من دعاء الخير ويدعو الله به، وإذا أصابه ضرٌّ من فقر أو بلاء، فلا ييأس من حدوث الخير له،[٢] فما معنى القنوط، وما الفرق بينه وبين اليأس والخيبة، وما هي أسبابه وآثاره؟
معنى القنوط
يحتمل لفظ القنوط في اللغة والاصطلاح العديد من المعاني، وبيان ذلك على النحو الآتي:
- القنوط في اللغة: مصدر قَنَط، أو قَنِط، يقْنُط أو يقْنَط قَنُوطاً وقُنُوطاً، والفاعل قانِط وقَنوط، والقُنوط يعني اليأس والسَّخط.[٣]
- القنوط في الاصطلاح: للقنوط في الاصطلاح تعريفات عدّة؛ فقد عرّفه الشوكاني بأنّه: اليأس من الرحمة، وله تعريفٌ آخر هو: شدّة اليأس من الخير،[٤] كما يُعرَّف بأنّه: سَـدّ باب الأمل، وتوقّع القانط إصابته للفشل والخيبة، واستبعاده للفرج بعد الشدائد، والقَنوط اليائس: هو الشخص الذي ضاقت نفسه بسبب كثرة ذنوبه، وتراكم الهموم عليه، فلا يتوقّع أن يُصيبه الخير، ولا يرجو أن يُفرِّج الله كُربته.[٥]
الفرق بين اليَأس والقنوط والخَيْبة
توجد عدّة مرادفات للقنوط في اللغة، وأبرز تلك المرادفات اليأس والخيبة، وفيما يأتي بيان الفروق الجوهريّة بين القنوط واليأس، وبين القنوط والخيبة:[٤]
- الفرق بين القنوط واليأس: إنّ الكثير من العلماء يرون أنّ اليأس والقنوط هما لفظتان لمصطلحٍ واحد، وأنّ معناهما واحد، ولا يوجد بينهما أيّة فروق جوهريّة، إلّا إنّ بعض العلماء يرون أنّ القنوط أخصّ من اليأس؛ فالقنوط في نظرهم هو أتمُّ اليأس وأكثره شِدّةً، فهو حالة يصل إليها الإنسان إذا اشتدّ لديه اليأس وبلغ ذروته، في حين يرى آخرون أنّ اليأس يتعلّق بالقلب فقط، فلا يمكن لأحدٍ أن يرى آثاره على اليائس، أمّا القنوط فهو تلك الآثار التي تظهر على اليائس للتدليل على شدّة اليأس التي وصل إليها الإنسان.
- الفرق بين القنوط والخيبة: يرى أهل العلم أنّ الفرق بين القنوط والخيبة هو ما يأتي:
- الخيبة تأتي للإنسان بعد أمله في شيءٍ ما، وعدم تحقيق الوصول إليه، فهو تعذُّر تحقيق ما أمله الإنسان.
- القنوط قد يكون بعد الأمل بالشيء أو قبله، فهي حالة قد يصل إليها الإنسان دون أن يتأمّل تحقيق شيء ما، أو نتيجة عدم تحقّق ذلك الشيء الذي تأمّله.
أسباب القنوط
القنوط داءٌ يُبتَلى به الكثير من الناس، وله العديد من الأسباب التي تؤدّي إليه، منها ما يأتي:[٥]
- جهل المسلم بالله سبحانه وتعالى، وعدم اطّلاعه على ما احتوته النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة ممّا تُشير إلى سِعة رحمة الله وفضله.
- الغلوّ والإفراط في الخوف والخشية من الله -تعالى- عند البعض، وصولاً إلى اليأس والقنوط من رحمته؛ فالخوف من الله -سبحانه وتعالى- له حدّ مقدّر يتمثّل في عدم ارتكاب المعاصي، فإن تجاوز المسلم ذلك الحدّ، وصل إلى اليأس والقنوط من رحمة الله تعالى.
- مصاحبة القانطين اليائسين ومرافقتهم، ممّا يؤثّر على الفرد بالأخذ من صفاتهم، فإنّ من يُصاحب قوماً ويستمع لهم لا بدّ من أنّ يتأثر بهم.
- استعجال النتائج وقلّة الصبر، وعدم تحمّل الشدائد، وذلك نتيجة ضعف النفس، وركون الفرد للمصائب التي تصيبه، ممّا يؤدّي به إلى القنوط واليأس إذا استمرّ على نفس الحال.
- شدّة التعلّق بالدنيا وملذّاتها وشهواتها، والفرح بما يناله الفرد منها، والحزن على ما فاته.
آثار القنوط
للقنوط من رحمة الله -تعالى- العديد من الآثار التي تترتّب عليه، ومن أبرزها ما يأتي:[٦]
- القنوط صفة ملازمة لأهل الكفر والضلال، فقد قال الله تعالى: (قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ)،[٧] وقد ذكر ابن عطيّة في تفسير هذه الآية أنّ اليأس والقنوط من رحمة الله -تعالى- إنّما هو من صفات الكافرين، وقال الله -تعالى- أيضاً: (وَلا تَيأَسوا مِن رَوحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيأَسُ مِن رَوحِ اللَّهِ إِلَّا القَومُ الكافِرونَ).[٨]
- القنوط ليس من الصفات التي يتّصف بها المؤمن، لأنّ المؤمن لا يقنط من رحمة الله تعالى، وعفوه، ومغفرته مطلقاً، فالقنوط من رحمة الله ينافي الإيمان به.
- القنوط فيه تكذيب لله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، فهو يكذّب بربوبيّة الله تعالى، ويجهل بصفاته التي منها رحمته لعباده، فقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: (وَرَحمَتي وَسِعَت كُلَّ شَي).[٩]
- القانط اليائس هو في الحقيقة يُسيء الأدب مع الله عزّ وجلّ؛ لأنّ القانط لا يعتقد بتحقّق رحمة الله -تعالى- له، في حين أنّ رحمة الله -تعالى- سبقت غضبه.
- القنوط يؤدّي بالقانط إلى الوقوع في الكفر إذا استمرّ في قنوطه ويأسه من رحمة الله تعالى، وقد جاء في القرآن الكريم: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)،[١٠] وقد قال ابن سيرين وعبيدة السلماني في تفسير هذه الآية: إنّ حقيقة الإلقاء إلى التهلكة هو القنوط من رحمة الله تعالى.
- القنوط يؤدي بالقانط إلى الانشغال عن ذكر الله تعالى، وكسله، وفتوره في أداء عباداته، قال ابن حجر الهيثمي: (القانط آيِس من نفع الأعمال، ومَن لازم ذلك تركَها).
- القنوط من رحمة الله -تعالى- يُعدّ سبباً في الاستمرار على فعل المعاصي والمُنكَرات.
- القنوط يؤدّي إلى حرمان القانط من مغفرة الله -تعالى- ورحمته وعفوه.
- القنوط يؤدّي إلى فساد قلب القانط، وذهاب سكينته، وشعوره بالهمّ، والحزن، والحرمان في جميع الأوقات.
المراجع
- ↑ سورة فصلت، آية: 49.
- ↑ إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (2002)، تفسير القرآن العظيم، السعودية: دار طيبة، صفحة: 186، جزء: 7. بتصرّف.
- ↑ "تعريف ومعنى قنوط"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 31-12-2017. بتصرّف.
- ^ أ ب "معنى اليأس والقنوط والفرق بينهما"، www.ar.islamway.net، 11-5-2014، اطّلع عليه بتاريخ 31-12-2017. بتصرّف.
- ^ أ ب أحمد عماري (3-12-2016)، "اليأس والقنوط حقيقته وأسبابه ومظاهره وعلاجه"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-1-2018. بتصرّف.
- ↑ "آثار اليأس والقنوط"، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 31-12-2017. بتصرّف.
- ↑ سورة الحجر، آية: 56.
- ↑ سورة يوسف، آية: 87.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 156.
- ↑ سورة البقرة، آية: 195.