كيف أخاف الله

كتابة - آخر تحديث: ١١:٠٨ ، ٣ مايو ٢٠١٧
كيف أخاف الله

الخوف من الله

يقود الخوف من الشّيء الإنسانَ إلى تجنُّب خطرِه بما يُعطيه الله من قوّة؛ حيث يبتعد عنه وعمّا يُوصِل إليه، ويحاول الإنسان بطبيعته أن يبتعد عن كلّ شيء يُخيفه، ومقدار ابتعاد الإنسان عن الذي يُخيفه يكون على مقدار خوفه منه، فعندما يخاف الإنسان من المرتفعات فإنّه يبتعد عنها، وعندما يخاف من السُّرعة فإنّه يقود سيّارته ببُطء شديد، ولا يركب مع المُسرعين، ولكنّ الخوف من الله تعالى يقود الشّخص إلى التقرُّب إليه سبحانه وتعالى؛ لأنّه لن يجد مفرّاً من الله إلّا إليه، فما هو الخوف، وما هي أسبابه، ولماذا يخاف العباد الله، وكيف يخافونه؟


تعريف الخوف

الخوف لُغةً هو انفعالٌ في النَّفس، يَحدُثُ لتوقُّع ما يَرِدُ من المكروه أو يفوت من المحبوب.[١] وأسباب الخوف كما هو مذكور في التَّعريف؛ إمّا لمكروه يراه الإنسان، أو يسمع به، أو يتوقّعه، أو يشعر به؛ إمّا لخوفه من فوات نعمةٍ أو محبوبٍ، سواءً كان هذا المحبوب مادّياً، مثل: الصّحّة، والمال، والصَّديق، أو معنويّاً، مثل: الحنان، والرَّحمة، والذّكاء، فأيُّ محبوب أعظم من الله سبحانه وتعالى، وأيُّ مكروه أعظم من مكروهٍ حذَّر منه! فيظهر هذا الانفعال في النَّفس على الأعضاء والجوارح على شدّة تمكّنه في النّفس والقلب، فمَن يخاف الله يكفّ جوارحه عمّا يُغضبه سبحانه وتعالى، وتهتزّ أعضاؤه عندما يرى ما يُغضِبه سبحانه وتعالى.


استشعار الخوف من الله

يتحدّد الخوف من الله تعالى بالتزام طاعته سُبحانه، والابتعاد عمّا نهى عنه، والعمل بما أمر به، فالله تعالى يُحبّ أن يرى عبده حيث أمره، ويحبّ أن يفتقده حيث نهاه، ويجب على الإنسان أن يقوّي لديه الخوف من الله؛ فالخوف والرّجاء جناحان يتقرّب بهما الإنسان إلى الله تعالى؛ لأنّ دافع الأعمال والطّاعات إمّا خوف من الله أو من عذابه ووعيده اللذين توعّد بهما، وإمّا رجاء بقُربه وثوابه ونعيمه، والنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- هو أقرب العباد إلى مولاه، وهو أتقاهم وأخشاهم إلى الله، فهو القائل: (أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ).[٢]


كيفيّة زيادة الشّعور بالخوف من الله

يزيد الإنسان شعورَه بالخوف من الله بمعرفة فضله وثوابه، وفضل الخوف من الله يُعرَف بأمرَين رئيسَين، هُما:[٣]

  • التأمّل والتفكّر بمُراد الله.
  • سماع الآيات والأحاديث التي تُحبِّب الإنسان بالخوف من الله، وسماع أخبار الأنبياء والصّالحين، وكيف كانت مخافتهم من الله جلّ جلاله.


وتفصيل ذلك أنّ الإنسان عليه أن يتذكّر أنّه ضعيف فقير إلى مولاه، وأنّ أمره بيد الله؛ إن شاء عذَّبه وإن شاء غفر له، ولو أنّ الله حاسبه حقّ المحاسبة لهَلَك، فالإنسان ينعم ولا يُبالي، ويضحك بوسع فمه غير مُكترِث، ويتكلّم بما يشاء غافلاً عن الملكَين رقيب وعتيد، وقد قال النَّبيّ صلّى الله عليه وسلم: (إنَّ الرَّجلَ ليتَكَلَّمُ بالكلِمةِ لا يريدُ بِها بأساً، يَهْوي بِها سَبعينَ خريفاً في النَّارِ)،[٤] وآيات الخوف كثيرة، منها قوله تعالى (إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).[٥]


وعلى الإنسان أن يخاف على حُسن خاتمته؛ فالإنسان يُحشَر على ما مات عليه، وعليه أيضاً أن يبتعد عن كلّ ما يسخط الله من المُحرَّمات، مثل: الظُّلم، والرِّبا، والزِّنا، وغيرها من المعاصي؛ فالعمر قصير، والموت لا ينتظر أحداً إذا جاء موعده، والبشر كلّهم على موعدٍ مع الله جلّ جلاله أحكم الحاكمين؛ إمّا إلى الجنّة جزاء المُتّقين، وإمّا إلى النّار وعيد الهالكين، ومع هذا كلّه يأمل الإنسان ويطمع بكرمه سبحانه وتعالى، فرحمته سبحانه قد سبقت غضبه.[٣]


تعليم الأبناء استشعار الخوف من الله

على المسلم أن يُنمّي في أولاده مخافة الله سبحانه وتعالى مُنذ الصِّغر، وإذا أراد الإنسان أن يُعلِّم أطفاله الخوف من الله تعالى منذ صغرهم، فعليه أن يُحبِّبهم بما عند الله من عطاياه وكرمه تعالى؛ فيذكر لهم مثلا أنّه يوجد في الجنّة ما لا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ويُفضَّل ألّا يُخيفهم من الله بذكر العقاب الذي أعدّه لمن يعصيه؛ ليصبح الطفل مُقبِلاً على الله تعالى، لا مُدبِراً عنه، حتّى وإن فعل الذّنوب، محسنَ الظنِّ بمولاه، ليس لليأس على قلبه سبيل، وبذلك يكون الإنسان قد أنشأ فرداً مُحِبِّاً لله وطاعته، مُبغِضاً للمعاصي؛ أي يجب استخدام أسلوب التّرغيب لا أسلوب التّرهيب.[٦]


معاني الخوف من الله

الخوف صفة عامّة، يندرج تحتها عدد من المعاني التي ذُكِرت في القرآن والسُّنة، مثل: الخشية، والرَّهبة، والوجَل، والهيبة، وهي معانٍ قريبة وليست مترادفةً تندرج تحت معنى الخوف، والفرق بينها كما يأتي:[٧]

  • الخشية: هي الخوف المصحوب بالمعرفة، وهي أخصُّ من الخوف، وتكون الخشية للعلماء؛ وذلك لقول الله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ).[٨]
  • الرَّهبة: هي الإمعان في الهرب من المكروه، فقد أمر الله سبحانه وتعالى بني إسرائيل قائلاً:(وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ).[٩]
  • الوجل: هو رجفان القلب وانصداعه لذكر من يخاف سلطانه وعقوبته أو لرؤيته، حيث قال تعالى:(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ).[١٠]
  • الهيبة: هي خوفٌ يصحبه التّعظيم.
  • الإجلال: هو تعظيمٌ تصحبه المحبّة.


وبهذا يكون الخوف لعامّة المؤمنين، وتكون الخشية للعلماء العارفين، أمّا الهيبة فتكون للمُحبِّين، والإجلال للمُقرَّبين، وعلى قدر العلم والمعرفة يكون الخوف والخشية.[٧]


درجات الخوف من الله

ينتج عن الخوف من الله الكفّ والامتناع عمّا نهى عنه، ويكون هذا الامتناع على مراتب ودرجات، فهو عفّة، أو ورع، أو تقوىً، أو صدق، والفرق بينها كما يأتي:[١١]

  • العِفّة: هي الامتناع عن مُقتضى الشَّهوات خاصَّةً.
  • الوَرَع: الامتناع الحاصل عن المحظورات.
  • التّقوى: الامتناع عمّا يحتمل التحريم، والامتناع أيضاً عمّا لا يتيقَّن تحريمه.
  • الصّدق: ترك ما لا بأس به؛ خوفاً ممّا به بأس.
والصِّدق هو أعلى المراتب، ثمّ التّقوى، ثمّ الوَرَع، ثمّ العِفّة، فالصِّدّيق تقيّ ورع عفيف.[١١]


مقامات الخوف من الله

للخوف من الله مقامان، هما:[٣]

  • خوف العلماء والعارِفين بالله: هو الخوف من أن يُحجَبوا عنه سبحانه وتعالى.
  • خوف عُموم الموحِّدين: هو الخوف من عذابه وعقابه.


المراجع

  1. "المعجم الوسيط"، المعاني.
  2. رواه الألباني، في الصحيح الجامع، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 1336، صحيح.
  3. ^ أ ب ت الإمام أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، بيروت: دار المعرفة، صفحة: 160، جزء: 4.
  4. رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 15/107، صحيح.
  5. سورة آل عمران، آية: 175.
  6. محمد المصباحي (17-2-2010)، "ترهيب الأطفال من الله .. خطيئة التربية"، صحيفة عكاظ.
  7. ^ أ ب ابن القيم (1973)، مدارج السالكين (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتاب العربي، صفحة 513.
  8. سورة فاطر، آية: 28.
  9. سورة البقرة، آية: 40.
  10. سورة الأنفال، آية: 2.
  11. ^ أ ب الإمام أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، بيروت: دار المعرفة، صفحة: 156، جزء: 4.
1,762 مشاهدة