شروط صحة الصلاة
اتّفق العلماء أنّ من شروط صحّة الصلاة أن يستقبل المصلّي القبلة في صلاته، وهي الكعبة في المسجد الحرام، فقال الله تعالى: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ)،[١] وكانت قبلة المسلمين قبل البيت الحرام تجاه المسجد الأقصى، فكان النبيّ -عليه السلام- يجعل الكعبة في ظهره، ويصلّي نحو الشام، ويترقّب أن ينزل الله تعالى عليه أمر التوجّه نحو الكعبة، حتى نزل قول الله تعالى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ).[٢] فتوجّه النبيّ -عليه السلام- بعد ذلك نحو الكعبة المشرّفة، ولأنّ استقبال القبلة شرطٌ من شروط صحّة الصلاة؛ فقد ترتّب على ذلك أحكامٌ تهمّ المسلم، سواءً كان قريباً من الكعبة يراها بعينيه، أو بعيداً عنها في محيطها، أو يبعد عنها مسافاتٍ كبيرةٍ، ولكلّ حالةٍ من الحالات السابقة أحكامٌ، وطرقٌ لمعرفة جهة القبلة، والتأكد منها لضمان تحقيق صحة الصلاة.[٣][٤][٥]
كيفيّة معرفة جهة القبلة
يجتهد المسلم في تحقيق شرط استقبال القبلة قدر استطاعته، فإن كان بينه وبين الكعبة مسافاتٍ كبيرةٍ؛ فعليه أن يتوجّه إلى الجهة التي توجد فيها الكعبة، وليس شرطاً أن يصيب الكعبة بعينها، ودليل ذلك قول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لأهل المدينة: (ما بينَ المشرقِ والمغربِ قبلةٌ)،[٦] لذلك على المسلم أن يتحرّى ذلك إذ ينظر في الخريطة إلى مكانه بالنسبة إلى الكعبة، ثمّ يقدّر الاتّجاه على أصحّ تقديرٍ، ويتمّ صلاته بناءً على ذلك، ولأنّ ما لا يتحقّق الواجب إلّا به فهو واجبٌ، فعلى المسلم ألّا يكتفي بالوسائل البسيطة المتاحة لديه إن كانت هناك وسيلةٌ أدقّ تُوصله إلى مبتغاه بصورةٍ أفضل،[٧] وإذا فقد المسلم الوسائل التي تُعينه على تحديد قبلته، وكان في بلدٍ عربيٍّ، أو مسلمٍ، أو يستطيع أن يسأل مسلمين، فعليه ذلك، وعليه أن يتحرّى في سؤاله أهل الثقات والعلم، ولا يُلقي سؤاله لأيّ شخصٍ يلقاه، ففي تلك الإجابة تعليقٌ لصلاة المسلم، وصحّتها، فعليه أن يلتمس الإجابة الدقيقة لحاجته.[٨][٩]
وورد في الموسوعة الفقهية: (ولا يقبل خبر الكافر في شأن القبلة، ولا خبر المجنون والصبي الذي لم يميِّز)، فيجب أن يكون السؤال للمسلم البالغ العاقل، ولا فرق إن كان رجلاً أو امرأةً إذا تحقّق شرط التمييز والثقة، واختلف العلماء في سؤال الصبيّ غير المميز، فقالوا: إنّه لا تؤخذ له شهادةً، ولا روايةً، وكذلك المرأة غير المحجّبة، أو الكافرة، وهناك أمرٌ آخرٌ قد يعين المسلم في تحديد القبلة إذا كان في بلدٍ مسلمٍ، وهو اتّجاه محاريب المساجد، فإنّ المحاريب تكون موجّهةً نحو القبلة في المساجد، يُذكر على وجه الخصوص مسجد النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في المدينة المنوّرة، ومسجد بني أميّة في الشام، ومسجد القيروان في شمال أفريقيا، ومسجد عمرو بن العاص في مصر، ويجوز للمسلم أن يأخذ في هذا في باقي المساجد في المدن، أمّا في القرى فرأى العلماء بعدم جواز التقليد، بل التحرّي حتى يتثبّت من صحة ذلك، وقال بعض العلماء بجواز التقليد في القرى لمن ليس أهلاً للتحرّي، وقال الشافعية بجواز استخدام الوسائل المعينة، رغم وجود المحاريب في المساجد.[٩][١٠]
يُذكر أنّ هناك طريقةٌ أخرى لمعرفة اتجاه القبلة بالتحديد عن طريق تتّبع النجوم ومنازلها، وأقوى النجوم نجم القطب الشمالي، وهو نجمٌ صغيرٌ من بنات نعش الصغرى، لا يتغيّر موضعه، وإن أراد المصلّي تحديد القبلة باستخدام النجم يجعله خلف أذنه اليسرى إن كان من أهل مصر، ويجعله خلف أذنه اليمنى إن كان في العراق، وإن كان في بلاد الشام فيكون النجم القطبيّ خلف المصلّي تماماً، وإن كان من أهل اليمن فيجعل المصلّي نجم القطب الشمالي أمامه مع الميل إلى الجانب الأيسر قليلاً فيكون بذلك قد استقبل القبلة.[٥]
أحكامٌ متعلّقةٌ بتحديد القبلة
يذكر العلماء مجموعةً من الأحكام المتعلّقة بتحديد القبلة للمسافر، أو المقيم، وفيما يأتي تفصيل جانبٍ من هذه الأحكام:[١١][١٢]
- لا تصحّ صلاة المسلم إن لم يكن متوجّهاً إلى الكعبة المشرّفة ما استطاع، فلا تصحّ أن تكون في ظهره، أو على يمينه، أو على شماله، وقد ينحرف المصلّي عن الكعبة فيكون انحرافه بإحدى حالتين؛ وهما:
- أن يكون الانحراف يسيراً، فيكون المصلّي واقفاً باتّجاه الكعبة، وإن لم يصب عينها، فبذلك تصحّ صلاته ولا تبطل؛ لأنّ المصلّي اجتهد أن يقف نحو الكعبة، لكنّه قد مال قليلاً لعرض الصفّ وطوله، وبعده عن الكعبة، فلا بأس في هذا، ورأى العلماء بصحّة صلاته.
- الانحراف الشديد عن الكعبة المشرّفة، بحيث إنّها على يمينه أو خلفه، وليست مقابلةً له في اتجاهها، فبذلك تبطل صلاته ولا تصحّ، ويجب عليه إعادة الصلاة.
- أن يكون المسلم مسافراً قد ركب الطائرة، فإن أراد أن يصلّي نافلةً لله تعالى، فليس عليه أن يتحرّى القبلة ويتوجّه نحوها، بل يصلّي كيف شاء، وذلك أنّ النبيّ -عليه السلام- كان إذا صلّى نافلةً وهو مسافرٌ على ظهر ناقته، لا يجتهد في تحرّي القبلة، بينما إذا حضرت صلاة الفريضة فعلى المسلم أولاً أن يحرص على الصلاة قائماً لا جالساً، ثمّ أن يستفسر من مضيفي الطائرة في أيّ مكانٍ هم تحديداً، ثمّ يجتهد في توجّهه نحو الكعبة، ويستطيع المسلم أن ينوي الجمع في صلواته إن كان وصوله إلى الأرض قد اقترب، فينوي أن يصلّي الظهر مع العصر جمع تأخيرٍ، أو أن يصلي المغرب مع العشاء كذلك حين وصوله وتحديده القبلة الصحيحة.
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية: 150.
- ↑ سورة البقرة، آية: 144.
- ↑ "من شروط الصلاة استقبال القبلة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-18. بتصرّف.
- ↑ "هل استقبال القبلة من شروط صحة الصلاة؟ "، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-18. بتصرّف.
- ^ أ ب "كيفية معرفة القبلة بدون بوصلة"، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-18. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن العربي، في عارضة الأحوذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1\372، صحيح الإسناد.
- ↑ "جهة القبلة لأهل منتريال بكندا"، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-18. بتصرّف.
- ↑ "حكم تحديد جهة القبلة بالبوصلة، وحكم الانحراف القليل عن القبلة"، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-18. بتصرّف.
- ^ أ ب "شروط من يُقبل خبره في تحديد اتجاه القبلة"، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-18. بتصرّف.
- ↑ " كيفية معرفة القبلة"، www.fatwa.islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-18. بتصرّف.
- ↑ "كيف يكون استقبال القبلة في الطائرة"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-18. بتصرّف.
- ↑ "الانحراف عن القبلة"، www.fatwa.islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-18. بتصرّف.